الشباب أهم مقومات الحضارة.. بقلم الشيخة حصة الحمود السالم الصباح
التفوق الحضارى لأى دولة ومواكبة التطور التكنولوجى المذهل مرهون باستغلال طاقات الشباب وتوجيههم إلى الطريق الصحيح ، وترك الشباب فريسة للفراغ هو إجهاض لأى إصلاحات تستهدف تقدم المجتمع فكريا واقتصاديا وأخلاقيا ، لأن هذه الشريحة العمرية هى الأكثر حماسا وقدرة على إحداث التغيير المنشود فى كل زمان ومكان.
ولنا فى الهند مثال واضح ، عندما قرر جواهر لال نهرو رئيس وزراء الهند عام ١٩٦١ إنشاء معاهد للإدارة وأخرى للتكنولوجيا بمساعدة الإتحاد السوفييتى كان هذا القرار صادم للمحيطين به ، ولكن لأن الرجل يملك العزيمة والثقة فى تحويل الحلم إلى واقع ،وأن يصبح الشباب هم الثروة الحقيقة التى لا تنضب جيلا بعد جيل ،تحولت الهند بفضل القيادة الحكيمة الرشيدة إلى أكبر مصدر للتكنولوجيا فى العالم وأصبحت كبري شركات البرمجة العالمية تدار بواسطة عباقرة من خريجى المعاهد الهندية للتكنولوجيا ، ورغم أن الطفرة التى طرأت على الاقتصاد الكلى للهند حدثت فى مطلع الألفية الثالثة إلا أن بذرة النهضة التى بذرها جواهر لال نهرو آتت أُكُلها بعد عقود من الصبر والعزيمة حتى أصبحت الهند خامس أقوى إقتصاد عالمى بناتج يصل إلى ٣.٧ تريليون دولار فى مجالات التكنولوجيا وصناعة السيارت والبحث العلمى فى الزراعة وعلوم الفضاء واستغلال المناجم والكثير من المجالات التى تم فيها استغلال طاقات العباقرة من الشباب.
و كما يقولون أن “العقل السليم فى الجسم السليم ” نجد أن المجال الرياضى هو أكثر المجالات التى يمكن من خلاله استغلال طاقات الشباب وحماسهم وخاصة أن هذه الأيام تستضيف الكويت الحبيبة بطولة ” خليجى 26″ والتنافس القوى بين المنتخبات للفوز بالبطولة، وأصبحت الدول المتقدمة تنفق المليارات لإعداد الأبطال الرياضيين فى شتى الألعاب وأصبح الاستثمار الرياضى مصدر دخل كبير لبعض الدول ، لذلك نجد أن اللياقة الذهنية واللياقة البدنية وجهان لعملة التخطيط الناجح فى أى مجتمع يبتغى النهضة وصناعة حضارة حقيقية تواكب متطلبات العصر .
إن المكاسب الحقيقية للاهتمام بالشباب واستغلال طاقاتهم لا تحصى ولا تعد، والأمر يتطلب بدءا النية الصادقة والعزيمة ثم التخطيط الجيد ثم رأس المال ونحن فى خليجنا العربى نمتلك هذه المقومات يبقى فقط التنفيذ، وأن نستفيد من التجربة الهندية كمثال لدولة تحولت من حالة الإفلاس مطلع التسعينات لدولة استغلت الثروة البشرية وذوى الكفاءة من شبابها لتصبح قوة اقتصادية عظمى يتجاوز ناتجها المحلى بريطانيا وفرنسا !
عندما رأيت اهتمام الشباب ببطولة ” خليجى 26″ وحماسهم، دار فى ذهنى استفهام…. لماذا لا نستغل هذا الحماس والشغف الاستغلال الأمثل فى شتى المجالات ؟! وما الذى ينقصنا لنفتح ملف البحث العلمى والاستثمار الرياضى ونحن نملك الشباب الواعد والمال والبنية التحتية ؟! …لماذا لا نستفيد من تجربة النمور الأسيوية فى تجاربهم الناجحة ونكررها فى بلادنا بدلا من إهدار الوقت فى النزاع السياسى والطائفى الذى أورثنا الجدل وحرمنا العمل ؟!!
لا ينقص شبابنا إلا التوجيه والإنفاق الرشيد لتهيئة الإمكانيات وخلق بيئة علمية رياضية تعود بالنفع المادى والأخلاقى على المجتمع بأكمله ، إن الشباب ثروة عظيمة تحتاج من يعجل باستغلال طاقاتهم وتنمية مواهبهم واستخراج اللؤلؤ من أصداف عقولهم.
الهند والصين وفيتنام وماليزيا وتايوان كانت دول نامية أصبحت بفضل التخطيط الجيد وشبابها الواعد نماذج يحتذى بها ، فقط امتلكوا الإرادة والعزيمة للتغيير نحو الأفضل واستعانوا بذوى الكفاءة والخبرة لنقل التجربة الناجحة والتى لم ترتقى بهم فقط اقتصاديا ولكن ارتقت بمجتمعاتهم أخلاقيا وسلميا.
إن الحديث عن أهمية ودور الشباب فى نهضة أى مجتمع حديث لا نهاية له ، والله نسأل أن يرزقنا الإخلاص والصدق فى القول والعمل ، وأن يحفظ شبابنا من كل سوء ليكونوا خير خلف لخير سلف .