المرأة الخليجية.. بين الوعي الاجتماعي والتمكين السياسي
ندرج المجتمع العربي في دول مجلس التعاون الخليجي من ضمن جُملة المجتمعات التقليدية، التي لا تزال تحافظ على رتم معين من العادات والتقاليد المتداخلة بين قيم القبيلة ومتطلبات حياة المدينة، في مزيج قيمي لا تزال تعمل من خلاله على تشكيل صورتها الراهنة من دون أن تستقر على شكل محدد ونهائي، وإن كان يُنظر إليها من خارج منطقة الخليج باعتبارها من أكثر المجتمعات العربية انشداداً للعادات والتقاليد. والمؤكد أن آخر المساحات التي يمكن أن تُفتح في المجتمعات التقليدية هي المساحات المتعلقة بالمرأة.
نستكشف من خلال رصد الملامح الاجتماعية للدول المحافظة، أن أغلب القيم والعادات والأعراف الاجتماعية في هذه المجتمعات، تُركز اشتغالاتها على المرأة تحديداً بوصفها مؤشر الشَّرف ودليل الكرامة، وهذا ما لمسناه من تأخر القبول الاجتماعي لتعليم المرأة وتوظيفها وعملها العام، فدائماً ما يكون العنصر النسائي هو آخر من يسمح له باقتحام المجالات العامة بصعوبة بالغة، وربما على ظلال صراعات فكرية واجتماعية عنيفة.
ومثل العديد من المجتمعات، شهد دخول المرأة الخليجية في الحياة العامة الكثير من الجدل بين مؤيد ومعارض ومتحفظ، لكن ما ينبغي ملاحظته هو أن أغلب الذين رفضوا دخول المرأة في الساحات العامة، استندوا إلى منطلقات دينية ممتزجة بصورة كبيرة بالموروث الاجتماعي من عادات وتقاليد، بما يُمكن الباحث من الادعاء بأن المجتمعات الخليجية أسقطت فهمها وتصوراتها على النص وليس العكس، وتحولت تلك الموروثات، مع تقادم الزمن، إلى إطار مرجعي للنظر في مسائل المرأة، بحيث أضحى من الصعب الفصل بين حكم الشريعة والأحكام الاجتماعية، وبين ما هو ذو منطلق ديني أو اجتماعي.
وقد انعكس هذا الواقع المحافظ على وضعيات المرأة السياسية في الخليج بصورة واضحة، وعطل فرص الاستفادة من الكفاءات النسائية في الحقل السياسي لأسباب تتعلق عادة بحاجة المرأة إلى مساحة كافية للحركة والنشاط لإثبات قدراتها، في الوقت الذي تضيق أغلب مساحات دول الخليج عن قبول تلك الحركة، بل تعمل على تقييد حركة المرأة وعرقلة نشاطها.
وتنطوي الثقافة السائدة في الخليج على بذور التمييز ضد المرأة، وذلك نتيجة لاستمرار تداول المفاهيم المغلوطة حول مكانتها ومجالات عملها، ويلاحظ أن هذه الصورة المغلوطة تحولت إلى انطباع عند المرأة تجاه ذاتها.وعلى سبيل المثال فخلال فترة التداول النيابي لقانون إقرار الحقوق السياسية للمرأة في الكويت، سعت الغالبية البرلمانية التي طغى عليها التيار المحافظ إلى تعطيل إقرار القانون، وبعد أن تم إقرار حق المرأة في الترشيح والانتخاب، ذهبت غالبية أصوات النساء في أول انتخابات تشارك المرأة فيها كناخبة ومرشحة، إلى ترجيح كفة النواب المحافظين، في مفارقة تدلل على قبول ضمني من قبل شرائح اجتماعية عديدة بتهميش المرأة وعزلها سياسياً واجتماعياً.
ويستدعي ذلك بالضرورة، الدعوة إلى إعادة النظر في العادات والتقاليد والموروثات التي تحد من تقدم المرأة الخليجية، أو تَقبل بمناوءتها حقوقها، وتفكيك كافة المقولات والادعاءات التي تحد من نشاط المرأة وتعطل مشاركتها السياسية والاجتماعية، للوقوف على المنابع الفكرية لتلك الادعاءات، ومدى استقامتها مع الشرع والعقل، والعمل على تبديد الخلط المتعمد بين قيم الدين الإسلامي في قضايا المرأة، والقيم الاجتماعية المتوارثة.
ويمكن توصيف الوضع القائم في الخليج بالاعتراف النظري بتفوق المرأة لاسيما في الحقول العلمية، وهو ما تُثبته نسب تفوق الإناث في كافة المراحل التعليمية في دول الخليج على نظرائهن الذكور، وكشفت البيانات الإحصائية أن الإناث تفوقن على الذكور خلال السنوات الأخيرة في الميادين الأكاديمية كافة تقريباً، كما تتفق مع معظم الدراسات التي أشارت إلى أن المرأة أكثر إتقاناً للعمل الذي تكلف به من الرجل، وأقل تورطاً في الفساد الإداري، وفي المقابل تستمر حالة القلق الاجتماعي من اقتحام المرأة عملياً للمجال السياسي، وذلك خشية من كسر الطبيعة الاجتماعية التي تميل إلى الحفاظ على الحالة التقليدية، لاسيما في ما يتعلق بنظام الأسرة ودور المرأة ومستوى العلاقات بين الجنسين.
إن وتيرة التغيرات الاجتماعية في موضوع المرأة طرأ عليها الكثير من التحولات خلال الأعوام المنصرمة، ويمكن ملاحظة حجم الاختلاف في وضعيات المرأة الخليجية اجتماعياً وسياسياً بصورة واضحة إذا ما قارناها بوضعها قبل ربع أو نصف قرن من الآن،فقد نالت المرأة العمانية حقوقها السياسية في الترشيح والانتخاب لمجلس الشورى في وقت مبكر مقارنة بنظيراتها الخليجية وذلك في عام 1994، كما تم تعيين سيدة في منصب وزيرة للتعليم العالي. وأقر الدستور القطري في استفتاء شعبي في إبريل 2003 بمنح المرأة القطرية حق الانتخاب والترشيح، وأجرى أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني تعديلاً وزارياً، عين بموجبه امرأة في منصب وزيرة للتربية والتعليم.
ومع إقرار ميثاق العمل الوطني والتصديق على الدستور الجديد، طرأ تحسن ملحوظ على استقلالية المرأة البحرينية، حيث أقر الدستور حق المرأة في الترشيح والانتخاب، كما تم تعيين أول قاضية في البحرين عام 2006. وسجلت مسألة المرأة في الكويت انتصاراً كبيراً في عام 2006 عندما شاركت للمرة الأولى في الانتخابات البلدية والبرلمانية ناخبة ومرشحة، كما احتلت المرأة في الكويت مناصب رفيعة كوزيرة ووكيلة وزارة، ووكيلة وزارة مساعد، وسفيرة، ومديرة لجامعة الكويت. وفي دولة الإمارات صدر قرار في 2006 سمح فيه للمرأة بالمشاركة في ترشيح وانتخاب نصف المجلس الاتحادي، كما تم تعيين سيدة أعمال في منصب وزيرة الاقتصاد والتخطيط، ويسمح القانون للمرأة الإماراتية بالعمل كقاضية وفي الادعاء العام.وهو ما يشير استتباعاً إلى أن السنوات المقبلة سوف تشهد بالضرورة تبدلات نوعية يُنتظر أن تصب في صالح تعزيز دور المرأة ومكانتها في دول الخليج، وإن كنا لا نقلل من أهمية تلك الإصلاحات إلا أنها تتصف بالتردد، ولا تلبي تطلعات وطموحات الجهات الناشطة في الحقل النسائي، والتي تستهدف تمكين المرأة سياسياً وتعزيز مكتسباتها الوطنية.
تذليل العقبات
يتطلب إنجاز هذه المهمة على أتم وجه ممكن إزالة العقبات الأساسية التي تقف في وجه تمكين المرأة الخليجية من المشاركة في الحياة السياسية، بوصفها مواطناً يمتلك كامل الأهلية للمساهمة في الحراك المجتمعي، والمشاركة في صناعة القرار، ويمكن تحديد أهم العوائق التي تحول دون تقدم المرأة السياسي بالآتي:
أولاً: عوائق قانونية، فأغلب دول الخليج لا تزال تحتاج إلى إصلاحات قانونية تُفعل مشاركة المرأة في الحياة السياسية، إذ لا يزال الاعتراف بالحقوق السياسية للمرأة أمراً غائباً أو يميل إلى الصورية في أغلب دول الخليج، بما يتطلب من هذه الدول إجراء إصلاحات تشريعية، تُمكن المرأة من القيام بمسؤولياتها الاجتماعية والسياسية بوصفه حقاً يكفله الدستور، وليس منحة من قبل الدولة. كما ينبغي حث دول الخليج على الالتزام بالمواثيق الدولية للحقوق والحريات، لا سيما في ما يتعلق بمسائل المرأة، إلى جانب ضرورة إفساح المجال أمام المرأة للمشاركة في صياغة القوانين والتشريعات، خاصة تلك التي تتصل بقضاياها الإنسانية والاجتماعية والسياسية.
ثانياً: عوائق ثقافية، وأهمها طبيعة التنشئة الاجتماعية والتلقين التربوي، التي تركز في مخرجاتها على أن القدرات التي تمتلكها المرأة لا تضاهي قدرات الرجل، ولا يوثق بها على مستوى اتخاذ القرار، ولذا تُظهر بعض الاستطلاعات الصحفية التي أجريت بعد إقرار حقوق المرأة السياسية في دولة الكويت أن عدداً كبيراً من الناخبات يمنحن أصواتهن للمرشح الذي يحدده ولي الأمر سواء تمثل في الأب أو الأخ أو الزوج، مما يشير إلى أن الكثير من التصورات المغلوطة لدور المرأة ومكانتها وحدود عملها مشتركة بين الرجل والمرأة، أي أنها صورة نمطية للمرأة في المجتمع ككل.
ثالثاً: عوائق سياسية، وتتصل بإشكالية غياب التقاليد الديمقراطية في دول الخليج، وضعف ثقافة المواطنة، وهي أزمة عامة تطال الرجل والمرأة على حد سواء، مما يفسح المجال لتغييب أصوات الشرائح الأضعف في المجتمع، كما يتيح الفرصة لترجيح معيار الذكورة على معيار المواطنة السياسية. لذا فمن الضروري بمكان أن تربط دول الخليج مشاركة المرأة بالمواثيق الدولية للحقوق، ومن أبرزها الاعتراف بالأهلية والكفاءة، والحق في الترشح والانتخاب. ويمكن الحديث في السياق ذاته عن ضرورة دمج حقوق المرأة ووعيها السياسي ضمن المناهج الدراسية، وتحديداً في مادة حقوق الإنسان، باعتبار أن جسد حقوق الإنسان لا يكتمل من دون صيانة حقوق المرأة، وتمكينها من ممارسة دورها كمواطن فاعل.
رابعاً: عوائق دينية، وتبرز مثل هذه العوائق في مجتمعات الخليج بصورة أكثر وضوحاً، وذلك لكون أغلب المدارس الدينية في دول الخليج تميل إلى التفسير المتشدد للنصوص، وذلك لامتزاجها بالمناخ الثقافي السائد في المنطقة والذي يميل إلى الحالة التقليدية والفكر المحافظ. ومن جهة أخرى يتأكد هذا العائق مع تنامي نفوذ التيارات الإسلامية في الخليج، وانحيازها إلى استخدام نفوذها وإمكاناتها لتحجيم المشاركة السياسية للمرأة، وفقاً لمنظورات دينية تُحرِّم على المرأة الدخول والمساهمة في الحياة السياسية باعتبارها جزءاً من الولاية الخاصة بالرجل، أو لما يترتب على دخول المرأة من محظورات شرعية مثل الاختلاط المحرم.
خامساً: عوائق ذاتية، ويمكن التوقف تحديداً عند ظاهرة عدم الوعي النسائي لأهمية مشاركة المرأة السياسية، على الرغم من أنهن يشكلن العمود الفقري لترجيح كفة التيارات السياسية في المجتمعات التي يتاح للنساء المشاركة فيها، ويستفاد منهن بصورة واضحة في التعبئة المجتمعية. إذ يلاحظ مثلاً أن عدد النساء المنخرطات بالأنشطة والفعاليات الاجتماعية لا يعكس حجمهن الحقيقي في المجتمع،وقد أدى ضعف أداء النخب النسائية في تناول القضايا العامة، والتصدي لقضايا حقوق المرأة سواء على الصعيد الشعبي أو الاجتماعي أو السياسي، إلى تراجع الأصوات المطالبة بإعطاء المرأة حقوقها السياسية.