الجمعية الاقتصادية تصدر بيانًا: المعاش الاستثنائي يناقض توجه “الحد من الهدر”
الجمعية الاقتصادية تصدر بيانًا بشأن المشهد السياسي: المعاش الاستثنائي يناقض توجه «الحد من الهدر»
نكتب هذا البيان في بداية هذه الدورة الجديدة للجمعية الاقتصادية الكويتية ونحن مدركون حالة الإحباط العام من اللامبالاة التي تسود المشهد السياسي حيث آثرنا في الجمعية الاقتصادية الكويتية على مر الظروف المتعاقبة مع أبناء الوطن من الاقتصاديين والمختصين إلى إطلاق صرخات للرفق بهذا الوطن.
هناك حالة من اللامبالاة تسيطر على المشهد الاقتصادي وتدخله في دهاليز السياسة، لذلك ليس غريبا أن يصب الرأي العام غضبه على الحكومة ونواب المجلس من جراء التأخر وعدم الاكتراث في تطبيق تغييرات هيكلية اقتصادية لتحسين الحياة الكريمة للشعب الكويتي من ضمن الإصلاح السياسي المنشود، وكذلك من التصريحات التي تستخف بعقول الناس ومشاعرهم.
لذا من الواجب علينا أن نقول هذه النقاط الأساسية استشعارا لروح المسؤولية الوطنية..
بدايةً نعي أن في كل البرلمانات تتقدم مشاريع هدفها كسب الولاء السياسي وأصوات الناخبين على حساب مستقبلهم ومستقبل أبناءهم، ولكن في كل البرلمانات هناك حكومة أقسمت على المحافظة على أموال الشعب ومصالحه، تقاتل بكل القنوات الدستورية لحماية المال العام من أن يكون أداة في الصراع السياسي الرخيص، ولا ترتعد من مواجهة الحجة بالحجة، لذلك نحن في الجمعية الاقتصادية الكويتية نركز على أن أولى مراحل الإصلاح الشامل هي وجود إرادة سياسية جادة تعزز ثقة الشعب في الحكومة.
المشكلة تكمن في أن السياسة الحكومية على مدى سنوات سابقة كانت تتعامل مع الملفات الحساسة كورقة مفاوضة، والهدف فقط عبور الاستجوابات الوقتية. لذا أظهر المسلك الذي تسلكه الدولة مؤخراً في منح المعاش الاستثنائي كميزة لبعض القياديين تناقضاً كبيراً مع توجهها في الحد من الهدر المالي والتحكم في المصاريف الذي كان من خطوات المعالجة التي اتبعتها لمواجهة العجز المالي الذي عصف على دولة الكويت خلال العامين السابقين، والذي بلغ ذروته 10.8 مليار دينار كويتي عن السنة المالية 2020/2021 وبلغ 3 مليار دينار كويتي عن السنة المالية 2021/2022 بسبب تداعيات جائحة كورونا وانخفاض أسعار النفط الذي انعكس على إيرادات الدولة مع ثبات مصاريفها حيث أثار العديد من المشاكل الاقتصادية ومنها انخفاض تصنيفها الائتماني أكثر من مرة فقط في آخر سنتين مع نظرة سلبية بسبب ضعف تنوع إيرادات الدولة واعتمادها على النفط كمصدر وحيد للإيرادات، بالإضافة إلى قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها عن طريق صندوق أجيالها.
ولم يمر على تلك الأحداث أكثر من عامين حتى نشهد اليوم البدء مرة أخرى في فتح باب من أبواب الهدر في المصاريف المتمثل في إعطاء مميزات استثنائية لمجموعة من القيادين قد تركوا مناصبهم وبدون أي إنجازات تستدعي منح هؤلاء القياديين هذه الميزة الاستثنائية. بدلالة واضحة على عدم إدراك الحكومة لحجم المسؤولية وعدم درايتها بالأحداث العالمية الاقتصادية والتحديات المحيطة التي تتطلب إعادة النظر في مثل هذا النوع من الهدر الذي يستلزم قدر من الحيطة والحذر بدلاً من الإفراط في منح هذا النوع من الهبات والعطايا المستدامة التي قد تزيد العبء على كاهل الموازنة العامة للدولة.
ومما يخلق العديد من التساؤلات والإشارات بشكل غير منطقي وغير عادل أن الغالبية من القيادات الذين استفادوا من المعاش التقاعدي الاستثنائي هم من كانوا مشرفين وأمناء على حقبة سابقة عادت بالكويت سنوات كثيرة للخلف على جميع الأصعدة. وبالأخذ في الاعتبار أن كل فرد من أبناء الوطن يؤدي دوره المنوط إليه، فعلى أي معايير يتم الاستناد في تقييم قيمة المعاش ومن يستحقه؟ هذا سؤال يحتاج إلى إجابة مفصلة ومنطقية ومقنعة.
لذلك نحن في الجمعية الاقتصادية الكويتية لا ندعوا لتغيير القيادات فقط بل لمحاسبتهم فالهروب من محاسبة قياديين غير مؤهلين هو هروب من مواجهة تفشي الظلم بين فئات المجتمع، وعدم إنصاف فئة كبيرة عانت ومازالت تعاني من ضيق العيش الذي يتفاقم في ظل التحديات التي يمر بها الاقتصاد بشكل عام.
وهنا نذكّر نواب الأمة أنه تم انتخابكم لتُجَسّدوا تطلعات الكويت وشعبها، وأهمها ما نعيشه الآن من أمن اجتماعي وأمن اقتصادي. واجبكم كسياسيين أن تقولوا الحقيقة كاملة لنا كشعب، وعليكم أن تتركوا دغدغة مشاعر الناس من خلال تقديم قوانين شعبوية كشراء القروض، وفي القضايا الوطنية لا يجوز لأحد أن يزايد على أحد. نبعث هذا البيان إلى أهل العزم من الإخوة النواب الذين اقتنعوا بمصلحة عامة، وآمنوا بطريق للإصلاح وتوكلوا وعقلوها، دون الإصغاء إلى احتجاجات أصحاب المصالح على حساب المجتمع.
وبرغم ضبابية المشهد الاقتصادي كنا ننتظر أن تجتمع الجهات التنفيذية والتشريعية في مشهد سياسي يحترم قدسية المعاناة التي نعيشها منذ فترة طويلة والتي هي محط اهتمام الجميع، وأن يكون حضورهم مسؤولاً لمناقشة أزمة بهذا الحجم، وكنا في انتظار الوصول لصورة واضحها لها وحلول ترضي الشعب. ولكن مع الأسف، فالجلسة التي انعقدت يوم الثلاثاء الموافق 10 يناير 2023 انتهت نهاية مؤسفة بانسحاب غير مبرر دون تقديم الحجة من الوزراء المختصين لرفضهم للقوانين المدرجة في جدول الأعمال. ونقولها بكل أسف، ما نعيشه الآن من عجز في الإنجاز على جميع الأصعدة يجعل المقترحات الشعبوية التي تدغدغ المشاعر صعب أن يعارضها نواب الامة.
وفي الختام، نكرر قلقنا الكبير تجاه الحالة المالية للدولة وديمومة المؤسسات، فالمسار الوحيد المتاح هو الاعتراف بعدم جدوى الاستمرار في السياسات الاقتصادية الراهنة المعرقلة للتنمية. لذلك ندعو في الجمعية الاقتصادية الكويتية رئيس مجلس الوزراء سمو الشيخ أحمد النواف الصباح بأن ينظر في الاختلال بميزان العدالة المجتمعي، الذي يجب ألا يستمر، ويجب كذلك الرجوع للوراء والكشف عمن استفاد منه في أوقات سابقة. علينا أن نتوقف عن سياسة تبديد ثروة هذا الوطن فهي ليست ملكية خاصة لمجلس الأمة والوزراء في حفلة تتسابق فيها الشعبية المظللة التي تتغذى على ثروة البلد ومستقبل أجياله. فالوطن لا يبنى على الهبات، ومستقبل الأجيال القادمة أمانة تنتظر تسليمها للجيل القادم كما حافظ عليها من سبقكم، والعاقل هو من يتعظ من تقلبات الزمان.