الذكرى الثامنة :الشيخ سعد العبد الله .. رمز الشجاعة والوفاء
ولد الأمير الوالد سمو الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح طيب الله ثراه، عام 1930 وهو الابن الأكبر لسمو الشيخ عبدالله السالم رحمه الله، وتلقى علومه في المدرسة المباركية، وعين سموه في عام 1949 الخمسينات في دائرة الشرطة العامة ولكفاءته تم إيفاده إلى المملكة المتحدة لدراسة علوم الشرطة فمكث اربع سنوات وعاد عام 1954 متخرجا برتبة ضابط، وحين عاد سمو الشيخ سعد من بعثته الدراسية عام 1954 عين نائبا لدائرة الشرطة وبقي في هذا المنصب حتى 1959، وكانت البلاد على وشك الاستقلال آنذاك حيث صدر مرسوم أميري بتعيينه نائبا لدائرة الشرطة والأمن العام بعد دمجهما.
وتولى رئاسة هذه الدائرة في عام 1961 ثم قدر له أن يكون أول وزير للداخلية عام 1962، فكانت له بصمات واضحة على صعيد الكثير من التشريعات والقوانين الخاصة بالإقامة والجنسية وشروط منحها ومنع التسلل، وعمل سمو الشيخ سعد على استقرار النظام السياسي في مواجهة التيارات المتطرفة التي أخذت تجتاح الكويت وغيرها من اقطار الخليج العربي منذ عقد الستينات، وفي عام 1964 تولى وزارة الدفاع فشكل المجلس الأعلى للدفاع وقام بجولات خارجية بهدف عقد صفقات تسليح الجيش وتعزيز القدرات الدفاعية للكويت وعمل على تنويع مصادر السلاح.
ولاية العهد
فور توليه حكم البلاد خلفا للشيخ صباح السالم الصباح في 1977 بادر سمو المغفور له باذن الله الشيخ جابر الاحمد الى تزكية الشيخ سعد العبد الله الصباح ليكون وليا للعهد وتحديدا في 31 يناير 1978، وبعدها بأيام وتحديدا في 8 فبراير من ذات العام صدر أمر أميري بتعيينه رئيسا لمجلس الوزراء ، وفي 16 فبراير 1978 كلف سموه تشكيل الحكومة وكانت هذه هي الوزارة العاشرة في تاريخ الكويت، وقدر لسموه أن يتولى رئاسة الحكومة في ظروف محلية واقليمية ودولية بالغة التعقيد فبذل جهودا كبيرة لمواجهة هذه الظروف والتحديات وعمل على تعزيز قدرات البلاد الدفاعية والأمنية ورفع كفاءتها البشرية والمادية.
إسهامات تشريعية
ساهم سمو الشيخ سعد في إصدار الكثير من التشريعات المتعلقة بالإسكان والتجنيس وإيجار المساكن والوظائف العامة والضمان الاجتماعي، واجتهد في تحديث المرافق العامة وزيادة الخدمات في المجالات كافة وعنى بشؤون الثقافة ودعم المؤسسات التي تقوم بالبحث العلمي وعمل على دعم صندوق احتياطي الاجيال القادمة وحرص على تحقيق العدالة وتطوير التشريعات، وحرص كذلك على معالجة مشكلة الجنسية والتجنيس فصدر قانون للجنسية الكويتية وجوازات السفر والاقامة عام 1959، وأعطى مشكلة الاسكان جل اهتمامه واهتم ببرامج الرعاية الاسكانية وحاول أن يضع الحلول الصائبة لمشكلة العمالة الوافدة واهتم في الوقت نفسه بتنمية العمالة الوطنية ولم يدع الأزمات الاقتصادية والحوادث الإرهابية تشغله عن توجيه عناية فائقة لنهضة البلاد العمرانية.
وخلال توليه رئاسة الحكومة واجه الشيخ سعد الكثير من الأزمات الاقتصادية التي كان أبرزها انخفاض سعر النفط واتخذ الكثير من الخطط المدروسة لاحتواء أزمة انخفاض العائد النفطي وظل رغم الأزمة على سياسة تقديم المساعدات المالية الخارجية للدول الصديقة والشقيقة، وقام اثر تقلده ولاية العهد ورئاسة مجلس الوزراء بزيارات رسمية إلى مختلف دول العالم بدءا بمنطقة الخليج تعزيزا للروابط الاخوية التي تربط الكويت بشقيقاتها في الدول الخليجية.
دحر العدوان
عندما حدث الغزو العراقي على الكويت عمل الشيخ سعد خلال فترة الاحتلال على رعاية مصالح المواطنين والمقيمين في الكويت وأعلن ضمان الحكومة لكل الودائع والمدخرات المصرفية والتزام الدولة تسديد جميع مرتبات الموظفين في القطاع الحكومي بأثر رجعي وكذلك بسداد مكافأة نهاية الخدمة لجميع الذين غادروا البلاد من غير الكويتيين وعمل على رعاية الكويتيين في الخارج وبذل جهودا كبيرة في دعم الصامدين ورجال المقاومة في الداخل وزار دولاً كثيرة وارسل الكثير من المبعوثين لدول اخرى وكان يترأس مجلس الوزراء في اجتماع يومي ويؤكد أن العدوان سيتم دحره وأن الشرعية حتما ستعود، وكان للشيخ سعد دور كبير في إعادة بناء الكويت بعد التحرير حيث عمل على اصلاح ماتهدم خلال فترة الاحتلال وازالة آثاره بعد تحرير البلاد في 26 فبراير 1991 وعودة القيادة الشرعية وإعلان حالة الطوارىء وتعيينه حاكما عرفيا عاما من قبل سمو الامير المغفور له الشيخ جابر الأحمد.
صفات وإنجازات
استطاع الشيخ سعد رحمه الله أن يحقق للكويت العديد من الانجازات بشخصية جبلت على الايثار، وانطوت على تواضع جم وانكار للذات، وتبدو الصفات الانسانية التي يتمتع بها في تكريسه من الوقت لعلاج مشكلة يتعرض لها اصغر مواطن ما يكرسه للقضايا الكبرى اذ كان يحرص الشيخ سعد رحمه الله دائما على الالتقاء بالمواطنين الذين يجدون أبوابه مشرعة لهم للاستماع الى مشكلاتهم، ثم يتخذ حيالها القرار المناسب ليأخذ طريقه الى حيز التنفيذ، واعتاد رحمه الله على تخصيص يوم الاثنين من كل أسبوع ليكون موعدا للتواصل مع المواطنين في مكتبه، وبدأ هذا التقليد بعد نحو عامين من تقلده ولاية العهد ورئاسة مجلس الوزراء، وعلى وجه التحديد بداية من 22 اكتوبر 1979، وذلك ايمانا منه بأن قوة الكويت تكمن في مفهوم الاسرة الواحدة.
وكان الى جانب ذلك يستقبل الجمهور في ديوانه بقصر الشعب مساء كل يوم احد، كما يقوم بزيارة عدد كبير من المواطنين في ديوانياتهم كلما سنحت له الفرصة، إضافة إلى مشاركة الجميع في أفراحهم واتراحهم دون تمييز بينهم، ومن أجل كل ذلك استحوذ الراحل الكبير سمو الشيخ سعد العبدالله على حب الشعب الكويتي له، الذي لا ينبع من سلطة المنصب بقدر مايرجع الى تقدير المواطنين لسماته المتواضعة، والى الجهد الذي يبذله من أجل تقدم الكويت، والسهر على مصالح مواطنيه وتفانيه من أجل رفعة الوطن، فضلا عن سلوكه الانساني وقدرته على العمل الدائب المستمر.