الذكرى الثانية لرحيل أمير الإنسانية سمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح
مع حلول الذكرى الثانية لرحيل أمير الإنسانية سمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح رحمه الله الذي وافته المنية في 29 سبتمبر 2020، يستذكر الكويتيون والعالم أجمع مآثر الأمير الراحل الذي نشر في مختلف ربوع المعمورة قِيَمَه وديبلوماسيته الحكيمة، حتى تمت تسميته أميراً للإنسانية من قبل الأمم المتحدة، في سابقة لم تحدث من قبل.
كان رحمه الله أحد كبار صانعي السياسات في الوطن العربي والمنطقة، وعُرف بحرصه على توحيد الكلمة وحل النزاعات الشائكة وتدعيم العلاقات الطيبة مع الجميع، بالتوازي مع توجيهاته الداخلية بالتمسك بالوحدة الوطنية والحفاظ على الكويت والتفاني في خدمتها.
ومنذ أن تولى دفة الحكم في البلاد يوم 29 يناير 2006، حرص سموه على أن يقود سفينة الكويت نحو بر الاستقرار بعيداً عن أمواج المنطقة المتلاطمة، كما كان رحمه الله شديد الحرص على إرساء قواعد السلام في العالم أجمع فمد يد العون والمساعدات لكل محتاج فوق البسيطة.
«الكويت تاج رؤوسنا وهوى أفئدتنا»
في أولى كلمات سموه بعد مبايعته أميراً وأدائه اليمين الدستورية، وعد الشعب الكويتي بتحمل الأمانة وتولي المسؤولية، وعلى مواصلة العمل من أجل الكويت وأهلها.
ودعا سموه الجميع للعمل من أجل جعل الكويت دولة عصرية حديثة مزودة بالعلم والمعرفة يسودها التعاون والإخاء والمحبة، ويتمتع سكانها بالمساواة في الحقوق والواجبات مع المحافظة على الديموقراطية وحرية الرأي والتعبير.
وأكد سموه في كلمته الى الشعب الكويتي «إن القائد لا يمكنه أن ينجح إلا بتعاون شعبه معه تعاوناً حقيقياً»، مناشداً المواطنين «أن يجعلوا مصلحة الوطن قبل مصلحتهم، ويتجاهلوا منافعهم الذاتية في سبيل منفعة الجميع، وأن يحترموا القانون والنظام ويحرصوا على مصلحة الوطن وممتلكاته وانجازاته».
وأضاف سموه «أن الكويت هي التاج الذي على رؤوسنا، وهي الهوى المتغلغل في أعماق أفئدتنا، فليس في القلب والفؤاد من شيء غير الكويت، وليس هناك حب أعظم من حب الأرض العزيزة التي عشنا على ثراها، وسطرنا عليها تاريخنا وأمجادنا ومنجزاتنا».
الحفاظ على أمن الكويت
شدد سمو الأمير في الكثير من خطاباته على أهمية ترسيخ قيم المحبة والاحترام والعمل الدؤوب من أجل رفعة شأن البلاد.
وقال سموه في إحدى كلماته إن «الكويت هي الكيان الذي يجمعنا وهي الوجود الثابت والملاذ الآمن لنا جميعاً، حافظ عليها أهلنا على مر الأزمان فكان منهم الشهداء الذين روت دماؤهم الزكية أرضها الطاهرة، وكان منهم الشرفاء الذين قامت على أكتافهم نهضتها، ولا يزال فيها الأوفياء العاملون في خدمتها بحب وإخلاص، فأضحى كل فرد على هذه الأرض راعياً ومسؤولاً عن رعيته حافظاً لأمانة المسؤولية التي تقتضي الإخلاص في العمل والصدق في القول والايثار في المحبة».
وأكد أن «أمن الكويت واستقرارها غاية الغايات ومركز القوة الحقيقية في الدفاع عنها يكمن في نفوسنا نحن أهل الكويت وواجبنا دائماً أن نترجم شعار الولاء للوطن إلى سلوك ملموس، وأن نكون جميعاً على رؤية واحدة في تجسيد مفهوم عملي واضح للوحدة الوطنية يحفظها ويصونها ويحرم المساس بها».
يد صباح الأحمد أغاثت العالم
أولى سموه ملف الإغاثة اهتماماً كبيراً، وتبلورت جهوده لاغاثة المحتاجين والمنكوبين العرب والمسلمين وحتى غير المسلمين في أحداث كثيرة، لعل أهمها المبادرة الى تنظيم مؤتمر مانحي سورية غير مرة وتقديمه تبرعاً للشعب السوري بنحو 500 مليون دولار، ثم جاء مؤتمر مانحي سورية الثاني الذي أكد فيه سموه أن «المجتمع الدولي يقف أمام مسؤولية تاريخية وأخلاقية وإنسانية وقانونية، تتطلب منا جميعاً تضافر الجهود والعمل الدؤوب للوصول الى حل ينهي هذه الكارثة ويحقن دماء شعب بأكمله ويحفظ كيان بلد ونصون فيه الأمن والسلام الدوليين».
ودعا سموه «مجلس الأمن الدولي وهو الجهة المنوط فيها حفظ الأمن والسلم الدوليين، ولاسيما الدول دائمة العضوية فيه الى ترك خلافاتها واختلافاتها جانباً، والتركيز على وضع حل للكارثة في سورية، والتي طال استعارها وتوسعت آثارها ليس على المنطقة فحسب وإنما العالم بأسره».
الحفاظ على دعائم «البيت الخليجي»
حرص سمو الأمير الراحل على تقوية دعائم البيت الخليجي، وتقوية أواصر العلاقات بين الأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي، فكان سموه سباقاً لوأد أي بوادر خلاف يظهر في الأفق. وكانت رحلاته المكوكية تهبط برداً وسلاماً على أي نيران فتنة محتملة، الأمر الذي عزز مكانة الكويت إقليمياً وعالمياً، وجعلها مركزاً لحسم العديد من الملفات الخارجية.
بلد الإنسانية وأميرها
كانت تسمية سمو الأمير الراحل كأمير للإنسانية والكويت كمركزاً للعمل الإنساني، من خلال احتفال تاريخي رسمي أقامه الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون، في مقر الأمم المتحدة، حدثاً غير مسبوق في تاريخ الأمم المتحدة.
ولم يأت هذا الاختيار من فراغ، وإنما عرفاناً وتقديراً من قبل الأمم المتحدة لدور دولة الكويت حكومة وشعباً، للوقوف إلى جانب شعوب العالم ومحاولة التخفيف عن معاناتهم على مر سنوات طويلة مضت، في ظل تطوّر إيجابي كبير شهدته علاقة دولة الكويت مع الأمم المتحدة ساهم بشكل فعّال في تميّز الدور الذي تلعبه دولة الكويت في المنطقة.
ومن بين الأسباب التي أدت إلى تسمية الأمم المتحدة للكويت مركزاً للعمل الإنساني وأميرها قائداً للعمل الإنساني، المساعدات الإنسانية التي تقدمها دولة الكويت للدول والشعوب المحتاجة، والحملات الإغاثية والمبادرات الإنسانية التي تطلقها الكويت لنصرة الشعوب المنكوبة في مختلف دول العالم.
كما تم الأخذ بالاعتبار استضافة الكويت للعديد من المؤتمرات الإنسانية الإقليمية والدولية، والدور الإنساني للجمعيات الكويتية والهيئات الخيرية في إيصال المساعدات الإغاثية للدول المنكوبة.
عميد ديبلوماسيي العالم
نجح سموه خلال قيادته للديبلوماسية الكويتية، في ربط الكويت ديبلوماسياً واستراتيجياً بالعالم الخارجي، فاستضافت الكويت على أرضها أكثر من 95 ممثلية ما بين سفارة وقنصلية ومنظمة دولية وإقليمية، وتبادلت معها التمثيل الديبلوماسي والقنصلي، ما يعكس النجاح الذي حققته هذه الديبلوماسية.
وكانت له رحمه الله لمساته الواضحة في بلورة العديد من الاتفاقيات والمعاهدات بين صفوف دول مجلس التعاون الخليجي، كما كان له دور كبير في دعم قضايا العالم الإسلامي، ومشاركات حثيثة ومهمة في مآسي العالم أجمع ودعوة المجتمع الدولي للقيام بمهامه والحديث دوماً عن معاناة شعوب العالم، خصوصاً الدول النامية والفقيرة المثقلة بالديون والأزمات.