أجمل من لقاء و أصدق من حديث(1) … بقلم خولة سليقة
التقيت يوما الأستاذ مناف الكفري و دار بيننا هذا الحديث:
و دار بيننا هذا الحديث:
- من هو مناف الكفري؟
جئت الكويت – لما كنت شابًّا- قبل عشر سنوات مسافرًا من أرض سورية الحبيبة، و من سهل حوران تحديدًا، فكبرت أكثر من اللازم قبل أن يتحقق حلم العودة التي رأيتها قريبة وقتئذٍ.
- هل يعتبر الشعر حتى يومنا هذا ديوان العرب، أم ترجل عن حصانه و أفسح المجال لفن أدبي آخر؟ لماذا؟
لعل قلة الألوان الأدبية التي زاحمت الشعر في عصر ازدهاره، بوأته قمة الأدب، فضلاً عن خواص القصيدة نفسها بما تحمله من بلاغة و إيقاع و جمال و ثقافة، و عن هذا العصر يقول ابن رشيق: “كانت القبيلة من العرب إذا نبغ فيها شاعر أتت القبائل فهنأتها، و صنعت الأطعمة، و اجتمعت النساء يلعبن بالمزاهر كما يصنعون في الأعراس، و يتباشر الرجال و الولدان، لأنه حماية لأعراضهم، و ذبّ عن أحسابهم، و تخليد لمآثرهم، و إشادة بذكرهم. و كانوا لايهنئون إلا بغلام يولد، أو شاعر ينبغ فيهم، أو فرس تنتج”..
نلاحظ في رأي ابن رشيق أن لم يتطرق إلى أي عنصر من عناصر التذوق الجمالي للشعر العربي، و ربط الاحتفاء بالشاعر بقدرته الإعلامية في خدمة القبيلة. فالمسألة عمومًا مرتبطة بمعايير الإعلامية و القصدية و التقبلية، و كذلك الحال بالنسبة للشعر في عصرنا الحالي فحضوره إزاء الألوان الأدبية الأخرى قرين الإعلام في صعود لون و انحدار آخر، و لولا الجهود الفردية الجليلة التي يقدمها الأغيار من العرب لما ظل الشعر محافظًا على شيء من مكانته اليوم.
- حدثنا عن دراستك و اختصاصك، و إن كان له أثر في موهبتك الشعرية؟
تخرجت في جامعة دمشق في كلية الآداب والعلوم الإنسانية قسم اللغة العربية و آدابها، ثم التحقت بجامعة القديس يوسف في لبنان و حصلت على درجة دبلوم الدراسات العليا، و تابعت في الجامعة نفسها و حصلت على درجة الماجستير في تخصص الشعر السياسي المعاصر، و أتابع دراسة الدكتوراه في التخصص نفسه.
بدأ ولعي بالشعر العربي منذ اخترته محورًا لتخصصي الأكاديمي، حيث جعلني أسبر كثيرًا من الدواوين الشعرية، و أتذوق حلاوتها أو ملوحتها، حتى تكونت لدي ذائقة شعرية لابأس بها في تقييم الأعمال الشعرية، ساعدني هذا في محاولة البدء بنظم الشعر – دون موهبة حقيقية ظاهرة- خصوصًا مع معرفتي بالأوزان الخليلية التي أحتاجها في مجال عملي باحثًا أدبيًّا و مراجعًا لدواوين الشعر.
- بمن تأثرت من الشعراء، و من تجد نفسك أميل إلى أسلوبه أثناء الكتابة؟
لا أجزم بأنني تأثرت بشاعر محدد، خصوصًا أنني لا أعد نفسي شاعرًا، إنما متذوقًا للشعر، فالقصيدة الجميلة هي التي تجذبني، و هنا لا أرغب بالحديث عن القامات الشعرية القديمة، بقدر اهتمامي بالقصائد الشعرية المعاصرة المولودة حديثًا في ضجة التكنولوجيا وضيق مساحة الإبداع اللغوي، كما عند عنّاز و الصحيّح و الصرّاف و الأَسوَد و العزّام و الهزبر و الصميدعي… و جمع كثير يضيق السرد عن تعدادهم هنا.
- أين تجد نفسك في قصيدة النثر؟ أم الشعر الحر؟ أم العمودي؟
النثر و الشعر الحر لونان أدبيان مكتوبان، يبدع ناظمهما فيهما على الورق، بينما تعد القصيدة العمودية لونًا سماعيًّا آسرًا يعتمد على وسائل الإطراب في الإيقاع، و تحقيق الاستقرار السمعي بالشطرين المتوازنين، فضلاً عن البلاغة و التماسك النصي سبكًا و حبكًا إذا ما تم تناولها ورقيًّا.
- متى بدأت رحلتك مع الشعر؟ و هل لديك أعمال مطبوعة؟
في سنة ثمانية و ألفين، ذهب صديق لي إلى العمرة، و قال لي: أوصني. فأجبته – بما أنني أحفظ بعض أوزان بحور الشعر العربي-:
قُلْ للرسولِ: مناف الكفري يقرئكمْ منهُ السلامَ و يرجو الموتَ عندكمُ
و كانت لي بعدها مقطوعات شعرية متنوعة بحسب المناسبة و الحدث. جمعت القصائد التي نظمتها في ديوان صغير عنوانه (جلّ نار) عام 2016.
- ما الطابع الذي خلفته أحزان الوطن و مآسيه في نتاجك الشعري؟
عندما يضيّق الحنين خناقه عليّ ألجأ إلى النظم، لذلك جاءت معظم قصائدي وطنيةً حينًا و قوميةً حينًا آخر.
- ثمة مقطوعات شعرية تكتبها تكون الأقرب إلى قلبك، أي قصائدك أو مقطوعاتك الشعرية تود أن تخبرنا عنها؟
بيتان نظمتهما ذات غزل:
حِيْنَ التقينَا لَمْ أَمُتْ بهَوَاكِ
لا والذي مِنْ عَنْبَرٍ سَوَّاكِ
أَأَقُولُ مَيْتًا؟ و الحَيَاةُ مَنُوطَةٌ بِلِقَائِنَا!
أَنَا مَيِّتٌ لَولاكِ
- أيسهم عملك الحالي قريبًا من الكتب و الشعر في إلهامك أو دفعك نحو الكتابة؟ كيف؟
اقتربت أكثر من الشعر و الشعراء، بحكم إدارتي لأكاديمية البابطين للشعر العربي، و عملي في تحرير معجم البابطين لشعراء العربية في عصر الدول والإمارات، وقربي من الكتب الشعرية ودراساتها في مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي وهي المكتبة الوحيدة المتخصصة بالشعر في الوطن العربي.
- – نودّ أن نختم لقاءنا بنص أو قصيدة من اختيارك.
أتشرف بذلك، قلت في قصيدة مطولة عنوانها (إشكالية العرب)، منها:
أَنَا شَاعرٌ أَدْمَى الرَّحِيْلُ فُؤَادَهُ
مَا آبَ إلَّا عَادَ يَسْعَى ثَانِيَهْ
مَا زِلْتُ أَذْكُرُ حِيْنَ سُقْتُ حَقَائِبِي
نَحْوَ المَطَارِ أَقُودُهَا كالمَاشِيَهْ
في حِيْنِهَا أَدْرَكْتُ كُنْهَ حَقِيْقَتِي
فَالحُزْنُ مَتْنِي وَ السُّرُورُ الحَاشِيَهْ
مَاذَا أَقُولُ عَنِ الشَّآمِ، وَ كُلُّ نَا
ئِحَةٍ إِزَاءَ بُكَائِهَا، مُتَبَاكِيَهْ
مَاذا أَقُولُ، وَ كُلَّمَا قُلْتُ اسْمَهَا
يَتَسَلَّقُ الجُوريُّ سَاقَ يَرَاعِيَهْ
أعدت اللقاء خولة سامي سليقة