حركة المبادئ في عالم المصالح … بقلم محمد حبيب المحميد
الإيمان بالله سبحانه وتعالى ، ذلك المعتقد الذي شُيّد في الأرض عبر تضحيات المواجهة ، هو الصراط المستقيم الباقي إلى أن يظهر على الدين كله ، بل وإلى يوم يرث الله الأرض وما عليها ، وطبيعة هذا المعتقد أن يكون مثار صراع ومواجهة باتجاهين ، صراع في النفس وصراع في الخارج ، فالإيمان بالله تعالى يبدأ في نفي كل حاكمية ، ليثبت حاكمية الحق سبحانه وتعالى ، في النفس وفي الخارج ، أي أن الإيمان وما يستلزم عنه من تكليف لا يتحقق إلا بالولاء والبراء.
هذا النفي لكل حاكمية سوى حاكمية الحق سبحانه وتعالى ، يولد صراعًا في النفس بين قواها ، إما أن يحكمه ويرشده العقل فيستوي جدلًا يعطي الإنسان حكمةً في إدارة الحياة ، وإما ستسود فوضى تجعل من النفس شيطانًا عربيدًا لا يبقي ولا يذر ، وفي هذا الصراع يتجلى حجة الله تعالى الأولى على البشر (العقل) ، ليسقط أصنام النفس وتعلو الله أكبر ، وإما إن غاب العقل ، فيعبد الإنسان كل شيء سوى الله ، فيفقد حريته وبالتبع إنسانيته ، وهذه المواجهة هي أول ميادين المواجهة .
أما الصراع الذي يتولد من نفي حاكمية ما سوى الله في الخارج ، فهو الصراع بين خط المستضعفين وخط المستكبرين ، منذ اليوم الأول للإنسان في هذه البسيطة ، ويتولد نتيجة فشل بعض مصاديق الإنسان في المواجهة الأولى فيتولد الطاغوت ، ولأن الطاغوت لن يقبل حاكمية سواه هو “فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى” (سورة النازعات – آية 24) ، هنا سقط الإنسان وهوى في وحل عبادة كل ما سوى الله وفقد إنسانيته ، لذى تجلى في هذا الميدان حجة الله تعالى الثانية (الأنبياء والأوصياء) ، ليعيدوا الإنسان لرشده ، ويسلكوا به سبل نجاة حريته وإنسانيته وكرامته ، تكاملًا مع حجة الله العقل ، الذي بعث الأنبياء لاستثارة دفائنه ، كما ورد عن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) : “فبعث فيهم رسله ، وواتر إليهم أنبياءه ، ليستأدوهم ميثاق فطرته ، ويذكروهم منسي نعمته ، ويحتجوا عليهم بالتبليغ ، ويثيروا لهم دفائن العقول” .
هذا الصراع المرير الذي خاضه الطاغوت وأولياءه في مقابل حاكمية الله تعالى ، استُخدم فيه كل أشكال الإقصاء والتكذيب والإتهام ، وفي بطون كتب التاريخ يتجلى ألوان المواجهة التي خاضها الخطان ، وفي القرآن وسيرة الأنبياء والأصفياء توجيهات إلهية لقيم ومبادئ هذا الصراع ، فأولياء الله تورعوا عن فجور خصومة الطاغوت وأعوانه ، ويواجهون بنبل كل خسة ودناءه ، فخط الأنبياء هو خط النبل في الغايات والوسائل ، ومن أبرز التكاليف لأتباع هذا الخط هو اقتفاء الأسوة من تلك المصاديق الربانية .
ليس في هذا الصراع جنس مستثنى من البشر ، بل هو صراع النوع البشري ، فالخطاب الإلهي كان لأمنا حواء كما هو لأبينا آدم (على نبينا وآله وعليهما الصلاة والسلام) ” وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ” (سورة البقرة – آية 35) ، والطاغوت كذلك لم يستثني أحدًا من الجنس البشري “وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ” (سورة إبراهيم – آية6) .
ومن هنا أدعو العلماء الفضلاء في كل حواضرنا العلمية الدينية والتاريخية ، إلى دراسة سير الأنبياء والأولياء والأصفياء ، خصوصًا تلك النماذج القرآنية التي طرحها الله تعالى كعبر للبشر وأسوة للصالحين ، دراسة ذلك بطريقة موضوعية ، لكل الظروف المحيطة بالشخصيات الربانية ، لتتجلى حكمة الله تبارك وتعالى ، في اختلاف الشرائع وفق تلك الظروف ، وليستلهم الإنسان المعاصر حركة المبادئ في عالم المصالح ، وليعي الرجل والمرأة أنهما مكلفان متكاملان متنافسان ، والفضل إنما يكون بقيمة الحركة والسعي في الإتجاه الصحيح