
سعاد الصباح وسلطة الكلمة.. بقلم الشيخة حصة الحمود السالم الحمود الصباح
منذ فجر الإنسانية، ومع بزوغ الدعوة الإسلامية على وجه الخصوص، لم تكن المرأة عنصرًا ثانويًا في بناء الحضارة، بل شكّلت ركيزةً أصيلةً في تأسيس الصرح الإسلامي، وسلاحًا أخلاقيًا وتربويًا انتفعت به الأمة في تشكيل الوعي وترسيخ القيم. فمن رحم دورها التربوي والدعوي خرجت الأجيال، وبحضورها استقام ميزان الأخلاق، وحين أدّت رسالتها كما خُلقت لها نهضت الأمة وازدهرت، وحين أُبعدت عن فطرتها أو جُرّدت من دورها اختلّ التوازن، وتراجعت المجتمعات بخسارة أحد أهم أعمدة البناء الحضاري.
في هذا السياق الحضاري تبرز سموّ الشيخة سعاد الصباح بوصفها نموذجًا للمرأة المثقفة التي جمعت بين الفكر والموقف، وجعلت من الكلمة أداة وعي ومسؤولية. لم تكن شاعرةً تكتب من برجٍ عاجي، بل مثقفةً منخرطةً في قضايا وطنها وأمتها، تدرك أن الثقافة التزامٌ أخلاقي، وأن الشعر رسالة، وأن الكلمة، حين تُقال في لحظة تاريخية فارقة، يمكن أن تتحول إلى فعلٍ مؤثر في مسار الأحداث.
آمنت الشيخة سعاد الصباح بأن الدفاع عن المرأة لا يكون بالقطيعة مع منظومتها القيمية، بل بالانطلاق من داخلها، وبإبراز قدرتها على العطاء والبناء دون صدام مع الهوية. فجاء خطابها متزنًا واعيًا، منحازًا للإنسان، ومدافعًا عن حق المرأة في التعليم والمشاركة والكرامة، باعتبارها شريكًا أصيلًا في نهضة المجتمع، لا تابعًا ولا هامشًا.
وقد تجلّى هذا الوعي بأوضح صورة خلال الغزو الصدامي الغاشم للكويت، حين تجاوزت الشيخة سعاد الصباح حدود الموقف العاطفي، وبادرت إلى مخاطبة الرأي العام الغربي بلغة العقل والحجة. فاستأجرت ساعات بث على إحدى المحطات البريطانية، برفقة سموّ الشيخ عبدالله المبارك الصباح، لتعرض عدالة القضية الكويتية، وتدافع عن حق الوطن في السيادة والاستقلال. في ذلك المشهد تحولت الكلمة إلى سفير، والثقافة إلى أداة مقاومة، والوعي إلى خط الدفاع الأول عن الوطن.
وعلى الصعيد الإنساني والاجتماعي، عُرفت الشيخة سعاد الصباح بقربها من محيطها الأسري، وحرصها على صلة الرحم، واهتمامها بالتفاصيل الإنسانية التي تُبنى عليها المجتمعات السليمة. كما أولت التعليم عنايةً خاصة، انطلاقًا من إيمانها بأن بناء الإنسان هو الأساس الحقيقي لأي نهضة مستدامة، وأن تقدم الأمم يُقاس بمدى استثمارها في العقول لا بالشعارات.
وقد تُوِّجت هذه المسيرة الثقافية والفكرية مؤخرًا بتكريم دولي رفيع، حين مُنحت وسام الفنون والآداب برتبة ضابط من فرنسا، تقديرًا لإسهاماتها الأدبية والفكرية، في احتفاء يعكس حضورها الثقافي العابر للحدود. وجاء هذا التكريم بحضور الشيخ مبارك العبدالله المبارك الصباح، في دلالة على احترام الدولة للفكر، وإيمانها بدور الثقافة في تعزيز صورتها الحضارية.
إن تجربة سعاد الصباح تؤكد أن المرأة، حين تؤمن بدورها، وتتمسك بقيمها، وتُحسن توظيف الكلمة، قادرة على أن تكون قوةً ناعمةً مؤثرة، وصوتًا وطنيًا مسؤولًا، وجسرًا حيًا بين الأماني والواقع. وهي نموذج لامرأة جعلت من الكلمة موقفًا، ومن الثقافة رسالة، ومن الانتماء فعلًا لا شعارًا.



