غدا …إحياء اليوم العالمي للتوعية بمرض التوحد
يحيي العالم غدا، اليوم العالمي للتوعية بمرض التوحد 2017 تحت شعار ” نحو الاستقلالية الذاتية وتقرير المصير “، ويهدف الاحتفال هذا العام إلي مناقشة السياسات والنهج التي يجري العمل على تنفيذها في ما يتصل بالوصاية والسبيل أمام المصابين بالتوحد إلى تقرير المصير والأهلية القانونية.
وتعترف اتفاقية الأشخاص ذوي الإعاقة بحق الأشخاص ذوي الإعاقة في الاستقلالية الشخصية. وفضلا عن ذلك، أبرزت الاتفاقية حق الأشخاص ذوي الإعاقة في التمتع بأهلية قانونية على قدم المساواة مع آخرين في جميع مناحي الحياة. والأهلية القانونية هي أداة فاعلة في التعرف على الشخص بوصفه إنسانا ذي شخصية كاملة، يمتلك الحق في اتخاذ القرارات وإبرام العقود، ومع ذلك، ينظر إلى قدرات معينة على أنها ضرورية للاستقلالية الذاتية، مما يضع حواجزا أمام الذين يعانون من مرض التوحد في المشاركة المجتمعية.
وتشير احصائيات منظمة الصحة العالمية إلي أن عدد المصابين بالتوحد وصل إلي 67 مليون مصاب ومع تزايد نسبه الإصابة بها حول العالم.
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد حددت في ديسمبر2007 بموجب قرارها 139/62، يوم 2 أبريل بوصفه اليوم العالمي للتوعية بمرض التوحد لتسليط الضوء على الحاجة إلى تحسين حياة الإطفال والبالغين الذين يعانون من هذا المرض، بما يكفل لهم التنعم بحياة كريمة على أكمل وجه ، وبدأ الاحتفال به لأول مرة في عام 2008.
وقد أعلنت الجمعية المصرية لتقدم الأشخاص ذوى الإعاقة والتوحد ، عن إقامة حدث عالمي احتفالا باليوم العالمي للتوحد 2 أبريل ، حيث تقوم الجمعية باضاءة معابد الأقصر التاريخية الشهيرة “معبد الأقصر- معبد الكرنك” باللون الأزرق ، وهو اللون المعبر عن التوحد وهو التقليد الذي بدأته ودعت إليه منظمة “التوحد يتحدث” منذ عام 2010 تحت شعار “إضاءة باللون الأزرق” وتتم إضاءة أكثر من 200 مبنى في العالم باللون الأزرق (اللون المعبر عن التوحد) لتسليط الضوء على اضطراب طيف التوحد.
وأشار أنطونيو غوتيريس الأمين العام للأمم المتحدة في رسالته، إلى أنه في هذا اليوم العالمي للتوعية بالتوحد، دعونا جميعا نلعب دورًا في تغيير المواقف تجاه الأشخاص الذين يعانون من التوحد والاعتراف بحقوقهم كمواطنين، والذين يحق لهم مثلهم مثل أي شخص آخر المطالبة بهذه الحقوق واتخاذ قرارات بشأن حياتهم ووفق ما يفضلون. ولنجدد الوعد الذي قطعناه على أنفسنا في خطة التنمية المستدامة لعام 2030 بألا يخلف الركب أحدا وراءه وبأن نضمن للناس قاطبة فرصة المساهمة كأفراد فاعلين في إقامة مجتمعات يسودها السلام والرخاء.
وأضاف غوتيريس، وكما تشير اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، فإن الأهلية القانونية والاعتراف المتساوي أمام القانون هي حقوق متأصلة يتمتع بها الأشخاص المصابون بالتوحد على قدم المساواة مع الأعضاء الآخرين في مجتمعاتنا. وكذلك في ممارسة هذه الحقوق وحريتها في اتخاذ خياراتها الخاصة، دعونا نضمن أن نوفر التسهيلات والدعم اللازمين للأشخاص المصابين بالتوحد .
ويعتبر التوحد من أصعب الإعاقات الإنمائية والتطورية، واكتشفه الطبيب النفسى الأمريكى “ليو كانر” عام 1943، بعد ملاحظته عدد من الأطفال الذين يتصفون بعدم قدرتهم على التواصل مع الآخرين، ورفضهم تغيير الروتين بالإضافة الى حركات نمطية مكررة وميلهم إلى العزلة، وقام بتسمية هذا الاسم مشتقا من الكلمة اليونانية “autism” والتى تعنى النفس أو الذات.
ويظهر التوحد خلال الثلاث سنوات الأولى منذ الولادة، ويعرف بأنه عجز يعيق تطورات المهارات الاجتماعية واللغوية والتواصل اللفظى واللعب التخيلى والإبداعى نتيجة اضطراب عصبى يؤثر على الطريقة التى يتم من خلالها جمع المعلومات ومعالجتها بواسطة المخ.
ويقدر انتشار هذا الاضطراب مع الأعراض السلوكية المصاحبة له بنسبة 1 من 500 طفل ، وتزداد نسبة الإصابة بالتوحد بين الأولاد عن البنات بنسبة 1: 4، ولا يرتبط بأى عوامل عرقية أو اجتماعية، ومع هذا التطور التكنولوجى الرهيب، أصبحت وسائل التعليم متاحة لتدريب الطفل التوحدى، لكن يظل نسبة كبيرة لا تعرف أعراض هذا الاضطراب.
وفى الماضى كان يعتقد أن التوحد ناتج عن انهيار العلاقة بين الأم وطفلها، بمعنى أن تكون قد عجزت عن تزويد أطفالها بالحب والحنان، إلا أن ظهرت دراسات وأبحاث تؤكد أن هذا السبب ليس له أساس، وأن العوامل البيولوجية تكمن وراء التوحد وليس العوامل النفسية والبيئية، لذلك يعتبر التوحد حاليا مصنف ضمن الاضطرابات الجسمية وليس الاضطرابات الانفعالية.
وهناك العديد من الأعراض قد تكون مؤشرا لإصابة الطفل بالتوحد، لكنه ليس بالضرورة إذا ظهر عرض منهم أن يكون الطفل مصابا بالتوحد، ومن أبرز هذه الأعراض : الاستجابة غير الطبيعية للحواس الخمس تجاه المؤثرات الخارجية، مثل خوفه من الأصوات المزعجة فيسد أذنه، يرفض ويقاوم إذا حاول أحد لمسه أو احتضانه، غير مدرك إذا نادى عليه أحد لا يعرف اسمه وتختلف هذه الأعراض من طفل لآخر؛ الاضطراب فى اللغة والتواصل والكلام ، مثل ترديد الكلام كالبغبغان، كلام مبهم غير مفهوم، لا يفهم لغة الإشارات ؛ الفشل فى تطوير علاقات اجتماعية طبيعية،ويعنى عدم تفاعلهم مع المحيطين كباقى الأطفال.
ويفضل أن يكون وحيدا منعزلا عن نفسه فى عالم خاص به ؛ تأخر واختلاف مراحل النمو، وتختلف مراحل النمو عند طفل التحد عن قرنائه من الأطفال الطبيعين، وخاصة فى الجوانب الاجتماعية والعقلية واللغوية ؛ التعلق بالأحداث بشكل غير طبيعى، وتظهر هذه الأعراض إذا لوحظ الطفل متعلق بلعبة ما أو بطعام ما أو تكرار حركات روتينية كاللف حول جدران الغرفة أو تحريك يده بطريقة معينة.
ومن الممكن أن يصاب الطفل بالتوحد منذ ولادته، ولكنه يكون ظاهرا فى سن 3 سنوات، ومعظم الأطفال المصابين بالتوحد يكون نموهم طبيعيا ثم يبدأ فى الانحدار فى تطور نمو اللغة الطبيعية له، وهذه من الجائز أن تكون بداية أعراض الإصابة. وبالنسبة للشفاء، التوحد ليس مرضا عضويا يمكن الشفاء منه كالأنفلونزا، لكنه إعاقة تطورية ناتجة عن خلل فى الأعصاب، لكن يتم تأهيل الطفل من خلال المراكز المتخصصة وبمساعدة من الوالدين، حتى يعتمد على نفسه فى قضاء احتياجاته الأساسية كدخول الحمام وارتداء ملابسه، وأيضا تدريبه على برامج تنمية التواصل والتركيز واللعب والتقليد.
وهناك العديد من أشكال التوحد لكنها تقع جميعا تحت مسمى “طيف التوحد” ولعل أشهرها: متلازمة أسبرجر: وتكون فى الأطفال الذكور بنسبة أكبر ؛ متلازمة ريت: وتكون فى الأطفال الإناث بنسبة كبيرة ؛ اضطرابات النمو العامة غير المحددة ؛ اضطرابات الطفولة الذهنية.
ويتم تشخيص التوحد من خلال الملاحظة المباشرة لسلوك الطفل من خلال الأخصائيين فى المجال، وتقييم سلوكياته ومتابعتها، ودراسة تاريخ نموه، وجمع المعلومات من والديه والمحيطين به، ثم عمل أشعة تخطيط للمخ وأشعة مقطعية، وأيضا بعض الفحوصات الطبية لمعرفة إذا كان هناك أمراض عضوية تتشابه أعراضها مع التوحد. أما من يشخص التوحد فهو فريق كامل من الأطباء (أعصاب – نفسى – نمو وتغذية) وأخصائيين اجتماعيين ونفسيين وتخاطب وتعليمى وعلاج وظائفى، ويجب أن يكون الفريق وحدة واحدة حتى لا يتم التشخيص خطأ.
ويتم تشخيص التوحد من عمر 3 سنوات وحتى 6 سنوات، من خلال ملاحظة التفاعل الاجتماعى وضعف العلاقات الاجتماعية مع المقربين من الطفل وخصوصا والديه، وأيضا ضعف التواصل اللفظى والحركى مع المحيطين به، وتشمل قائمة التشخيص عدة اختبارات منها: يتصرف الطفل وكأنه لا يسمع، لا يخاف من الخطر كأن يلعب فى النيران أو يسير فى الشارع دون اعتبار لدهسه، لا يفضل أن يحتضنه أحد حتى لو كانوا والديه وإخوته، ضحك فى أوقات غير مناسبة، البكاء والغضب دون معرفة الأسباب، لا يهتم بمن حوله، نشاط زائد وحركة كثيرة بدون ملل أو تعب، مقاومة فى تغيير الروتين للعالم الذى يعيش فيه، لا ينظر فى عين من يتحدث إليه، الاستمتاع بلف الأشياء ودورانها، عدم استطاعته التعبير عن الألم الذى يصيبه.
وينبغى على الوالدين أن يتقبلوا الأمر ويسعوا لتأهيل طفلهم حتى يتأقلم مع المجتمع، وقراءة الكتب والأبحاث عن التوحد والعمل على تطوير علاقتهما مع الطفل وتأهيله للاندماج المجتمعى من خلال التدخل المبكر والتعليم واللعب. ويجب على الوالدين بمساعدة فريق الأطباء والأخصائيين، تدريب الطفل على استخدام الحمام فى نفس العمر الذى يتدرب فيه نظيره من الأطفال الطبيعيين، وأيضا تدريبه على العناية بذاته وارتداء ملابس وغسل أسنانه وتصفيف شعره من خلال القيام بهذه الأعمال أمامه ومطالبته بتقليدها، وكذلك تعليمه تناول الطعام وتدريبه على مسك الملعقة جيدا.
وهناك العديد من البرامج التأهيلية والعلاجية للطفل من الممكن تطبيقها كاملة أو بعضها ومنها: التعليم والتدخل المبكر؛ طريقة العلاج السلوكى “لوفاس”؛ طريقة تتش؛ طريقة فاست فورود ؛ التدريب على التكامل السمعى ؛ العلاج بهرمون السكرتين ؛ العلاج بالأدوية. ولكن هذه الأدوية لا تشفى لكنها تستخدم للحد من حالات النشاط المفرط أو الاكتئاب والخمول، وهى محاولات لتنشيط مراكز أخرى فى المخ. كما يجب علي الأسرة تطوير المهارات اللغوية لطفل التوحد ، ويتم ذلك عن طريق تعليم الطفل أجزاء الجسم عن طريق المجسمات والكروت واللعب؛ ألعاب الألوان، وتهدف لتعليم الطفل الألوان الرئيسية ونطقها؛ لعبة التقليد، مثل معرفة أصوات الحيوانات وتقليدها؛ الأغانى السهلة والبسيطة ذات اللحن المميز؛ الكلام المستمر مع الطفل حتى يكتسب كلمات ولغة.
وكشفت إحصاءات أجراها كل من “مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها” و”المركز الوطني الأمريكي للإحصاءات في مجال الصحة” (إن سي اتش اس)، عن ارتفاع كبير في معدلات الإصابة بمرض التوحد في الولايات المتحدة في العام 2014.
وأظهر التقرير أن نسبة انتشار التوحد لدى الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 3 سنوات و17 سنة ارتفعت من 1.25 % في الفترة بين عامي 2011 و2013، إلى نسبة 2.24 % في العام 2014. وأثار ارتفاع معدلات التوحد بين الأطفال الأميركيين الكثير من الجدل في السنوات الأخيرة، وأرجع الخبراء الإرتفاع إلى التشخيص المبالغ فيه، بينما عزاه آخرون إلى العوامل البيئية المحتملة التي تؤثر على نمو دماغ الطفل.
وقال جيل ايشر رئيس جمعية التوحد في سان فرانسيسكو، مايهمنا ليست الأرقام التي تتغير من عام إلى أخر، لكن تلك التي تتغير من عقد إلى أخر، معتبرا أن حقيقة أن لدينا طفل من بين كل 45 طفل يعاني من التوحد، هي كارثة في كل المقاييس.
في حين أشارت إحصائيات مركز التحكم بالأمراض في الولايات المتحدة الأمريكية بإصابة ما بين 2– 6 بين كل 1000 طفل بالتوحد ، بمعنى بين إصابة لكل 500 حالة إلى إصابة لكل 166 حالة .
ويلاحظ أن هذا العدد في ازدياد مضطرد حيث أن معدل زيادة نمو إعاقة التوحد من 10 إلي 17 % سنويًا، ويزيد بمعدل أربع مرات لدى الذكور عن الإناث، ولا يتأثر بالخصائص الثقافية أو العرقية أو الاجتماعية، كما أن مستوى الدخل الأسري، ونمط المعيشة، والمستوى التعليم لا تؤثر على نسبة حدوث الإعاقة.
كما أنه من الملاحظ عند مرجعتنا للدراسات الحديثة في نسب انتشار اضطراب التوحد نجد أنها قد تصل في بعض الولايات الأمريكية إلى إصابة في 110 حالات, بمعدل زيادة قدره 634%, ولعل أحدث الدراسات المتعلقة بنسب انتشار التوحد تشير إلى أن هناك إصابة بين كل 148 حالة, وبمراجعتنا لبعض الدراسات الحديثة نجد أن نسبة الانتشار ثابتة في معظم دول العالم.
ففي اليابان مثلًا تتراوح نسب الإصابة ما بين إصابة لكل 110 حالات, وفي المملكة المتحدة والتي قدرت الجمعية الوطنية للتوحد فيها نسبة الإصابة من إجمالي السكان بإصابة لكل 110 حالات, وقدر مجلس البحث الطبي في بريطانيا نسبة الإصابة بحالة لكل 166 حالة في الأطفال تحت سن ثمان سنوات, وفي كاليفورنيا التي تعتبر من أكثر الولايات دقة فيما يتعلق بدراسات نسب انتشار التوحد تضاعفت النسب خلال عامين لتصل من 10360 إلى 20377 حالة, كما أوضح التقرير أن الزيادة في عدد حالات التوحد الكلاسيكي كانت بواقع 634%.
وعند مقارنتنا لنسب انتشار اضطراب التوحد مع الإعاقات الأخرى نلاحظ أن هناك فارق واضح, يدل على أن التوحد هو احد
الإعاقات النمائية الأكثر والأسرع انتشارًا بين مختلف الإعاقات الأخرى, فنسبة انتشار سكري الأطفال تصل إلى إصابة لكل 500 حالة, ومتلازمة داون إصابة لكل 800 حالة, كما أن اضطراب التوحد أكثر شيوعًا من سرطان الطفولة والذي يمثل إصابة لكل 300 إصابة, وأكثر من الشلل الدماغي إصابة لكل 275 حالة, وأكثر من الإعاقة السمعية إصابة لكل 999 حالة, وأكثر من حالات الإعاقة البصرية إصابة لكل 1111 حالة. كما أن هناك بعض الاضطرابات المصاحبة للتوحد من مثل الحالة الطبية والتي تمثل ما نسبته 6% وتتضمن الشلل الدماغي, ومتلازمة داون, والسل, كما أن ما نسبته 35% من الأطفال المصابين بالتوحد يعانون من الصرع.
وقد أشارت دراسة أجرتها “جامعة جنوب الصين للتكنولوجيا” أظهرت وجود ارتباط بين وزن المرأة الحامل وبين احتمال إصابة الجنين باضطرابات سلوكية وصحية، ومنها مرض التوحد.
وكشفت الدراسة إصابة طفل من كل 100 مولود لأم بدينة باضطرابات التوحد، وإنه كلما زاد وزن الأم الحامل، زادت فرصة إصابة طفلها بالمرض بنسبة 50 % ، مقارنة بالحامل ذات الوزن الطبيعي.