فهد العثمان وصناعة النجاح … من الدمعة إلى القمة … بقلم د. سلطان الحريري
بعد انتهاء ورشتي التدريبية في مؤتمر: ( من القراءة إلى الإبداع) التي أقامته مؤسسة ( المفكرون الصغار) الإماراتية، بالتعاون مع مدرسة دسمان ثنائية اللغة التي كانت بعنوان:( تنمية مهارات إلقاء النصوص الإبداعية) تمنيت لو أنني اطّلعت على كلمة السيد فهد العثمان رئيس مجلس أمناء جامعة الشرق الأوسط الأمريكية التي ذاع صيتها في الآفاق؛ وما ذلك إلا لأنني كنت أبحث عن المميزين في الإلقاء والتحدّث لأتّخذهم نماذج تطبيقية للمتدربين، وكانت كلمة العثمان تجسد خير تجسيد لفكرة مفادها أن(صدق الإنسان مع الآخرين لا يكون إلا بصدقه مع نفسه). والصدق شديد على النفس؛ ولهذا قال ابن القيم: ” فحمل الصدق كحمل الجبال الرواسي، لا يطيقه إلا أصحاب العزائم، فهم يتقلّبون تحته تقلّب الحامل بحمله الثقيل، والرياء والكذب خفيف كالريشة، لا يجد له صاحبه ثقلًا البتة؛ فهو حامل له في أي موضع اتفق، بلا تعب ولا مشقة ولا كلفة، فهو لا يتقلب تحت حمله ولا يجد ثقله”. وأنا ممن يشدهم الصدق، ولا أقصد صدق الناس معي، بل صدق الناس تجاه أنفسهم.
دون استئذان دخلت كلمات العثمان القلوب، ودمعت لها العيون، وتداخلت المشاعر بالقيم؛ فما أصعب الحديث في المشاعر المتجسدة بالقيم، فغالبا لا نجد مثلها إلا عند الصامتين، ولكنها مع العثمان تحوّلت إلى رسائل إيجابية مفعمة بالتسامي الروحي. وقد انطبق عليه قول الشاعر:
والمرءُ ليس بصادقٍ في قولهِ حتى يؤيدَ قولهُ بفعالهِ
إن مثل هذا النموذج عصي حتى على الدارسين؛ لأنه يخرج عن منطق: (افعل ولا تفعل)؛ فهو ليس بحاجة أن يقول للخريجين في جامعته: عليكم أن تفعلوا كذا لتكونوا ناجحين، أو يضع لهم وصفة في النجاح كما يفعل الكثير من المنظرين، ولكنه صبّ في قلوبهم تجربة مميزة عصية على الرفض، وكأنني به يريد أن يقول لهم بعد أن صارع الحياة وصرعها: إن الصعود قد يبدأ بالسقوط، وإن الحلاوة قد تبدأ بالمرارة، مصداقا لقول الشاعر:
دَبَبْتُ للمجدِ والساعون قد بلغواجَهْدَ النفوس وألقَوا دونه الأُزُرا
وكابدوا المجد حتى ملَّ أكثرُهم وعانقَ المجدَ مَن أوفى ومَن صَبَرا
لا تحسَبِ المجدَ تمرًا أنتَ آكلُه لن تبلغَ المجد حتى تلعَق الصَّبِرا
لا أريد أن أتوقف عند تحليل كلمة العثمان كاملة، بل أريد أن أتوقف عند (الإنسان القيمة) في كلمته، فهو منذ أول كلمة عبر عن شخصية متزنة، تسير على هدي بوصلة القيم رغم مرارة الحياة، ووعورة الطريق، فقد توحدت تلك القيم مع ذاته بثباتها في مسيرة حياته؛ حتى منحته شعورا بالسعادة في وقت كانت السعادة عصية على من مروا بمصاعب مثل مصاعبه، وأبعدته عن الإحباط والمثبطات حتى أصبح هو من هو في عالم تتزاحم فيه القضايا، فلا ينتصر فيها إلا الأسمى. ولا أريد أن أتوقف عند القيم المعروفة لكل البشر، ولكنني أريد أن أتوقف عند القيم الجمالية التي طفحت فيها كلماته؛ تلك القيم التي تجعل الإنسان باحثا عن الإبداع والتميز في كل عمل يقوم به، منذ دمعة الوالدة على(دشداشته) إلى لحظة تقبيل رأسها أمام ملايين البشر الذي رأوا وسمعوا تلك الكلمة.
لقد كان العثمان في كلمته مثالا للقدوة التي يمكن للشباب أن يقتدوا بها، وأسوة يحتذى بفعاله، وقائدا يسار على منواله، ورائدا يترسم الشباب طريقه ومساره. وبرزت معالم القدوة في كلمته في تجسيد المثال الحي، واختياره لتجربته لتكون ذلك المثال، والمثال الحي يثير في النفس قدرا كبيرا من الانفعال الموصل إلى الإقناع المتجذر.فضلا عن التوجيه غير المباشر بالابتعاد عن سارقي الأحلام، في بلد يمكن للأحلام أن تتحقق لشبابه بما تقدمه الدولة من تسهيلات وهبات لا ينكرها إلا جاحد.
لقد كان العثمان أنموذجا للمثل المتكاملة للتأسّي والاقتداء في الوقت الذي يقف فيه الكثير ممن هم في مثل موقفه ليلقوا كلمات مكتوبة لهم، وليست بأقلامهم، وقد جاء في المثل الإنجليزي: ” Actions speak louder than words”، وترجمته:” صوت الأفعال أعلى من صوت الأقوال”. فشتان بين الكلمات الجوفاء الموسّدة في تابوت السطور، من حيث كونها لا تستند إلى الصدق، بل تجنح إلى الافتعال والتصنع والتكلف، وبين كلمات مغموسة بتجربة الصدق مع الذات ومع الآخر. والعثمان جسد بكلمته الصادقة المعنى الذي جسده فيكتور فرانكلين الذي مفاده: (حينما تدفعك المعاناة إلى صياغة فهم جديد للحياة).
قالت كلمته دون أن ينطق بالكلمات: سنة الحياة أن تكون حافلة بالمفاجآت، (خيرها امتحان، وشرها اختبار)، وأنت أيها الشاب اسعّ إلى الفرح بالمنح الذي ستنسيك المحن، ولا تيأس فاليأس قاتل للأحلام؛ يفقدك الصبر عند الشدائد، ويحرمك من التلذذ بالأمل، والعاقل من يستثمر المحن والمنح، ففي رحم الأولى مولود للثانية. وفي الختام لقد شكّل العثمان في كلمته أنموذجا للقائد الإنسان الناجح المحب لوطنه، المتسامي على الصغائر، العارف بمعالم الطريق الذي يسير فيه، وتلك سنة الناجحين.
د. سلطان الحريري
دكتوراه أدب عربي – مدرب مدربين في التنمية البشرية [email protected]