لقد قتلتنى مرتين! … بقلم نفين عباس
لقد قتلتنى مرتين!
فى الأوقات الأشد صعوبة وعزلة، يتفجر داخلنا إحساس إما بطاقة نستطيع بها إجتياز الوقت أو عجز كلىّ عن إدراك ما يحدث
فى السابق كانت أحلامى كبيرة وأحيان أخرى كانت مستحيلة، لكننى أجتهدت كثيراً من أجل تحقيقها، لقد ركضت كثيراً للحاق بها لكننى لم أستطع، ومع خيبة تلو الإخرى بدأت أشعر بالإرهاق والتعب، يوماً بعد يوم أعجز، حتى تملك منى إحساس كاملٌ بالعجز عن المضى قدماً
كثرة الأوجاع تقتلنا ببطئ، تظهر للأخرين ملامحنا المرهقة وتألم قلوبنا فى وقت نلجئ للكثير من النوم حتى نخفى خيبات الأمس من على ملامحنا لكن دون جدوى! فرقٌ شاسع بين الراحة والألم الصامت بمسكنات
فى السابق كنت أحب أشياء كثيرة لكنها رحلت بالرغم من تمسكى الشديد بها، لم يجدى الركض خلف الماضى شيئ، وصلت لنقطة البداية من جديد لكننى محملة بأوجاع وهزائم وعقل لا يتوقف لحظة عن التفكير
فى المرة الأولى شعرت بالألم يجتاحنى من كل حدب وصوب، كانت أوجاع تشبه كثيراً خروج الروح من الجسد، رحلة طويلة محملة بالأحلام والمخاطر التى أعلمها جيداً لكننى مضيت..!
على أى حال.. كنت مخدوعة عندما ظننت أن دموعى قد توقفت أخيراً بعد جرح كنت أظنه لا يبرأ أبداً، لكنها عادت لتنهمر من جديد فى عالم يقتلنى ببطئ شديد وبقوة لا أعلمها
إننى أتكئ على أوجاعى، أسير وحيدة فى طريق به الكثير من الوجوه الغريبة التى لم أعتقد أننى كنت سأتعرض لها، إننى أؤمن كثيراً بالأقدار، لكننى عاجزة عن إستيعاب ما يدور حولى أو لى
إنتظرت رسائل كثيراً لكنها لم ولن تصل، ودعت أشخاص لم يكن فى الحساب أن نفترق، كنت أحرص على الجميع حتى أعدائى! لم يتبقى لى حتى جدارى الذى كنت أستند فى السابق عليه، لقد قتلتنى الحياة مرتين، لكن المرة الثانية لم أكن أعلم أنها ستكون بتلك الوحشة والقسوة والقوة فى آن واحد
كنت أعتقد أن بإستطاعتى تجاهل الماضى، أن كل الأشياء يمكن تجاوزها حتى الأشخاص، لكن فجأة إنتهى شغفى بالحياة، أصبح وجهى أكثر شحوباً وكأننى سلبت روحى على يد أخرين ولم يكونوا مضطرين
لم يعد بإستطاعتى سوى النوم بقليل من المسكنات لأوجاعى التى لا تهدأ، أعتذر كثيراً لنفسى التى أصبحت على قناعة تامة بأن هنالك شيئ ما يحاك ضدها من القدر، لم يعد هناك إستثناء، فكل شيئ أصبح متشابه تماماً، الوجوه، أمس اليوم وغداً، حاولت الهروب بالتركيز على من يعانى أكثر منى لكننى لم أجد أحد سواىّ يتألم!
لا أحد أبداً يعلم ما أمر به سوى نفسى المتعبة، حتى ظلى الذى يتجول فى الأرجاء حولى يتركنى جسداً فارغاً فى الظلام
أعلم أننا فى الحياة نمر بكل الأشياء، لكن كثرة الخيبات يمكن أن تنهى كل شيئ صنعناه من أجل أنفسنا يوم، ستجد بالنهاية نفسك غريب عن كل من حولك ولن تحصل على شيئ بين تلك الحشود سوى المزيد من الأوجاع، تقرر فى لحظة العزلة عن العالم وتمر السنوات دون أن تفكر فى العودة من جديد، فالوجوه هى نفس وجوه الأمس والتفاصيل هى نفس التفاصيل المرهقة التى لا تترك لنا بالنهاية سوى الكثير من الأوجاع التى لا طاقة لنا بها
كل واحد منا بداخله حكاية، يمكن أن يروى تفاصيلها للغير أو يقرر الإحتفاظ بها داخل قلبه خشية أن ينزف من جديد، كل التعازى الحارة والصادقة لتلك المآسى والأوجاع التى تمكث فى صدورنا ولا نستطيع البوح بها
قد أكون فى نظر البعض سيئة فى القليل من العادات، لكننى بالرغم من كل ذلك مازلت أحتفظ بإنسانيتى فى عالم فقد كل أشكال الإنسانية.. إننى وحيدة تماماً لكننى راضية ومتعايشة مع فكرة الوحدة والعزلة، قد أبدو غير مبالية أو مهتمة، لكن لا أحد يعلم حجم المعارك التى أخوضها كى تشرق علىّ شمس يوم جديد
فى الوقت الحالى أنا لست متشائمة، بل متعبة وخائفة، فأنا لم أعد قادرة على العودة للنوم من جديد، وكأن لدى وجهة واحدة فقط يجب على أن أمر منها بالرغم من كل الصعاب
الجميع دون إستثناء يمر بأيام يشعر فيها بثقل على صدره، لا يستطيع فيها تحمل حتى الذين يحبهم، فبعد فترة من إهدار الصبر على أمور كان من المفترض أن تمر دون أن ندقق فى تفاصيلها نجد أنفسنا محاطين بالخيبات والوحدة والإرهاق، تصبح متعباً لدرجة أنك لا تستطيع حتى مناقشة الأخرين فى أخطائهم تجاهك، تصيبك عدوة اللامبالاة التى تجعلك شخص سلبى يقابل أى إعتراض أو موافقة بالتبلد واللاشعور، خاوٍ من كل مظاهر الحياة وكأن حياتك ومن فيها لا يعنيك، خاصة وأننا نشكل هويتنا الخاصة بالكلمات والمواقف والأفعال، لكن مع مرور الوقت نصبح من فاعلين لأصحاب ردة فعل باردة تجاه كل شيئ يحدث
لست من الأشخاص الذين يؤمنون بفكرة أن الإنسان لديه شريك روحى يكمله، لقد خلقنا وحيدين، وبإستطاعتنا أن نعيش وحيدين تماماً كما ندفن وحيدين!
أنا أعلم جيداً الشعور بالألم والخذلان الذى يصيبكم، أعرف تلك النغزة التى تدب فى القلب عندما نتعرض لخيبة جديدة، لقد مررت بكل تلك المراحل كثيراً من قبل، كنت أشعر أننى أواجه عاصفة دون أن أستخدم حقى فى حماية نفسى منها أو حتى الإنهيار أمامها والإستسلام
بداخل كل واحد منا خيبة، علاقة مزيفة، صداقة هشة، أحلام معلقة، وعود فى مهب الرياح، أماكن لا ننتمى لها، أشياء لسنا ملزمين بها ولا نستحقها، لكننا نضطر لمعايشتها حتى نقضى عليها أو تقضى علينا!
أنا أريد أن أصبح تافهة، فالتفهاء هم الأكثر سعادة وراحة، كل ما هو جدىٌ وعميق لم أخرج منه إلا بألم، الإدراك بشع خاصة حين تكون فى عالم يمتلئ بهذا الكم المروع من المنافقين الذين يضيقون عليك الخناق يوماً تلو الأخر، فينعكس بالنهاية كل شيئ على ملامحك وحواسك، وتفقد شغفك ورغبتك شيئاً فشيئ، تتحول من إنسان مقبل على الدنيا إلى شخص صامت سوداوى لكنه لا يؤذى أحداً سوى نفسه، قاتم المزاج، حزين النفس، قابعاً فى أحد أركان غرفته، يشعر كل ليلة بنفس الشعور وكأن الحياة لم تعد تناسبه، لا يجد بالنهاية سبيلاً للخروج بنفسه من تلك المحزنة المتكررة، ولا ملجئ ينجده من حزنه وقلقه وخوفه وخيباته المتوالية، يقابل كل شيئ بنفس الصمت الذى حدث بالأمس دون أن يفكر فى حل
مواساتى لكل من يشبهنى…