يوميات جرح …بقلم سامي توفيق سليقة
بنيتي حبيبتي:
أسعدت أوقاتاً وبعد: فبين الحين والآخر وكلما ضاقت الدوائر بي أستنبش دفاتري القديمة علني ادخرت فيها شيئا يهدئ من قلقي على شيخوختي وهرمي فلا أجد سوى أبيات من الشعر، أو مزق من شوارد نحوية قضيت ساعات من التنقيب والبحث عنها فأسكن قليلا.
و في أحايين أخرى، أحاول أن أستذكر حسابات لي في بعض المصارف التي تعاملت معها فأخرج بما يلي: الوارد صفر و الخارج صفر!.
لكنني اليوم أفقت على إشعار يعلمني أن لي رصيدا، جوهرة خبأتها لي الأيام في بلد بعيد وهي أنت، فقلت سبحان الذي خزائنه مملوءة، و لا يضيع عنده مثقال ذرة من خير و بر.
أجل لقد جزيتِ في دنياك خيراً والحمد لله، و ستجزين مثله في الآخرة إن شاء الله لأن الدرب سالكة بين دنيانا وآخرتنا يا حبيبتي فطوبى لك و لأحبتك و مريديك. ثم استجمعت ذاكرتي قليلا وقلت لدي ارصدة من لآلئ و جواهر في بقاع عديدة، حيث نقيم بعيداً أيضاً، فلم يزدها الارتحال إلا صفاء و لمعانا. أحبتها كثر، و يدها ممدودة للخير في كل اتجاه للأقربين والأبعدين.
اتذكر واحدة في الوطن يفوح عطرها في كل مكان. كانت عصامية مع زوج عصامي، عملا من اللاشيء أشياء و أشياء رائعة؛ تركا بيت الأهل لا يملكان سوى العزيمة و الثقة بالله فأعطاهما من نعمه و رضاه.
أتذكر اخرى في الوطن أيضا ،ما غيرتها سنوات الغربة السبع عشرة فظلت عينا على بيتها تبنيه قشة قشة، وعينا على بنيها ترعاهم و تربيهم. لسان الاقربين والأبعدين يلهج ثناء وحمداً لها.
أتذكر ثالثة صمدت أمام قسوة الأيام، فعضت على الجرح و صبرت وآمنت بربها وبان الفرج يعقب الضائقة، فكان لها ما أرادت وارتحلت بغية تحقيق مستقبل زاهر لأبنائها، وحياة كريمة لهم.
أجل هذه هي جواهري، وهذا هو الرصيد الذي سمحت لي به الأيام، لا أحسد أحداً، و لسان حالي قول الشاعر:
لو كانت الدنيا لغيري كلها ولي همو ما كنت بالمغبونِ.
دمت بخير لوالدك