آن أوان الأحزاب … بقلم محمد حبيب المحميد
مسألة اشهار الأحزاب من أركان الديمقراطية الصحيحة التي تضمن التعددية السياسية وبالتالي إثراء الواقع بالإختلاف والتنافس ، وتؤدي إلى انضاج العملية السياسية عند اشهارها قانونيا بشروط وقواعد عدة ، لعل أهمها تداول المراكز القيادية للحزب بالاقتراع الحر و تكوين نظم أساسية ولوائح عمل معلنة وخطاب سياسي يعرض متبنياته وبرنامج عمله ، وجمعيات عمومية تحاسب دوريا وتقارير إدارية ومالية تضمن الشفافية و تخضع للمحاسبة و التقييم .
كذلك من أهم شروط وقواعد إقرار الأحزاب أن تكون مستقلة ماديا عن المخصصات الحكومية لتكون كذلك سياسيا ، ولتتطابق مع تعريف هيئات المجتمع المدني ، لا أن تكون هيئات حكومية بلباس أهلي ، لتتمكن من العمل بحرية وإستقلالية تامه ، وحتى يصدق عليها الصفة الأهلية ، فكيف يعمل الحزب المعارض مثلًا وهو ممول من الحكومة ، والأهم في شروط وقواعد اشهار الأحزاب هو النص على احترام وقبول إرادة الشعب المتمثلة في دستور الدولة كشرط أساس في الإشهار و العمل .
كما إن العمل الحزبي العلني الذي يتم تقنينه توافقيا من قبل المجتمع والدولة ، ويتم وضع المعايير له من حيث قواعد العمل والإشهار والشفافية ، والمساءلة بخصوص المتبنيات والأعضاء و وسائل العمل ونظمه وآلياته ، سيتحمل المسئولية الأدبية والسياسية و القانونية عن كل ما يصدر عن الحزب لمجتمعه ، من باب ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم من خلال خطابهم السياسي وأدبياتهم عموما.
قبل مناقشة تقنين الأحزاب وجب أن نضع في عين الإعتبار النظرة المجتمعية للأحزاب ، الناتجة عن التجارب السيئة حولنا ، وبالتالي تهيئة المجتمع لقبول الفكرة ، حيث أن التجارب لا تعكس بالضرورة صورة واضحة وجلية عن جوهر الحقيقة ، إنما صورة عن أنواع الممارسات ، التي قد تكون كصورة وشعار ديمقراطية إلا أنها تنتهك الديمقراطية باسمها ، ولابد من الإلتفات أن الكويت صاحبة ريادة ديمقراطية في المنطقة وبالتالي يمكن لنا أن نقدم نموذجا إيجابيا للأحزاب وللعملية الديمقراطية تختلف عن جل التجارب السيئة .
كذلك وجب توعية المجتمع حول أهمية اشهار الأحزاب ، الذي بات ضروريا في المجتمع الكويتي لتنضيج العملية السياسية ككل ، والبرلمانية خاصة حيث تشهد الساحة البرلمانية الكثير من الأخطاء في الممارسات والأولويات لسنا بمجال نقدها هنا ، إلا أنها بلاشك عائدة إلى فردية العمل السياسي والبرلماني ، العاجز عن تقديم تصور واضح حول الإصلاح والتطور ، والعاجز عن تحقيق ذلك في حال وجد التصور ، وتقديم قوانين لاشهار الأحزاب ومناقشتها وتمحيصها هي خطوة إيجابية لها دور مهم في الخروج من مرحلة التنظير إلى الترجمة الفعلية للإصلاح ونقل العملية الساسية نقلة نوعية للأمام .
إذا كنا نريد أن نتفاءل في القيام بتجربة حزبية ناجحة ، يجب أن نستفيد من الدول التي نجحت في تجربتها الحزبية ، كاليابان و الهند والولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وغيرها من الدول الشرقية و الغربية ، التي سمحت لكل التوجهات والأيدلوجيات بما فيها الدينية واللادينية بممارسة حقهم السياسي في تكوين الأحزاب ، ولم تقيدهم إلا بقيود القانون والدساتير والسلم الأهلي ، إذ من أهم أسس وأولويات الديمقراطية هي الحريات الفردية و العامة والتعددية السياسية والفكرية وصونها ، والنظام الديمقراطي يقوم على حرية الإنسان ، وبالتالي لا يجوز التعرض لهذا الحق المقدس بأي مبرر ، حيث أنه ركن أساس فإذا تم التعرض له لا يكون النظام ديمقراطي .
المشرع الكويتي أولى هذه الحريات والتعددية أهمية كبرى وضمنها لكل فرد في المجتمع ونذكر من الدستور المادة (35) التي تنص على ” حرية الاعتقاد مطلقة، وتحمي الدولة حرية القيام بشعائر الأديان طبقا للعادات المرعية على إلا يخل ذلك بالنظام العام أو ينافي الآداب” وكذلك المواد رقم (36) و(37) و (39) و (43) التي سعت لصون وحفظ حرية الرأي والبحث العلمي وحرية الصحافة والمطبوعات وحرية المراسلة والتواصل وحرية تكوين الجمعيات والنقابات ، وهذه الحريات تتفق مع الدين الإسلامي كما تتفق مع مبادئ الديمقراطية .
نحن بحاجة إلى ترشيد العمل السياسي الكويتي ، خصوصا في ظل ما تشهده الساحة السياسية الكويتية من مشادات سلبية وتجاذبات برلمانية ، عطلت عملية التشريع لعدد من القضايا المهمة لتنمية الوطن و المواطن ، مقرونة بعدم استقرار حكومي ، وغياب برنامج عمل للسلطتين التنفيذية والتشريعية على المستوى الإستراتيجي للدولة ، فلابد من الإقدام على حل هذه المشاكل التي تتعرض للإستقرار في المجتمع ، ولابد أن تكون الخطوة متكاملة وشاملة و توافقيه كي لا تكون كما يقال في المثل الشعبي (تزيد الطين بله) ، أي تكون بشرطها وشروطها .