أمتنا وطائفتكم .. بقلم محمد حبيب المحميد
كم هو سيء أن تعيش أمة ما أزمة فكرية أو أخلاقية ، ولكن ما يفوق السوء سوءً؛ أن يبرز من ينظر لصوابية هذه الأزمة الفكرية والأخلاقية، والأبلى أن يُجذر لها دينيًا، ليستعصي على أهل العقل والحكمة انتشال مثل هذه الأمة من أزمتها التي تعيش، بعد أن انقلبت مقاييسها تمامًا، وصار المنكر معروفًا والمعروف منكرًا، ليبدأ جهد الإصلاح من دون الصفر بإعادة المفاهيم إلى مدلولاتها الحقيقية أولًا، ثم الدعوة إلى تأصيلها عمليًا، وقلع جذور تلك الأزمة من أساسها، والمسؤلية الأكبر هنا على المؤسسات الدينية والثقافية في التصدي للتجذير الديني لكل انحراف وكشف كل دجال، بل والمبادرة في نشر الحقيقة القرآنية الإلهية النبوية كما هي للناس، وهذا طريقٌ وعرٌ في زماننا وكل زمان، ومليءٌ بالمواجهة، بل هو طريق ذات الشوكة.
طغيان العاطفة على العقل يفقد أي شخصية اتزانها المطلوب في اتخاذ المواقف والقرارات الراشدة، لغياب الوعي العاقل اللازم في تلك المواقف والقرارات، فالرّشد نابع من العقل والعلم، وتنزله العاطفة إلى الميدان العملي، أما الطامة الكبرى إذا ما أصبحت العاطفة صاحبة القرار، حينها تفقد الشخصية رشدها، وهكذا إذا كانت العاطفة طاغية في الأمة ككل، ستفقد الأمة اتزانها المطلوب، ويفقدها ذلك ريحها بين الأمم، وأما إذا ما كانت مثل هذه العاطفة من نواتج الصراع الطائفي، فالأزمة معقدة ومركبة ومقدسة، وهذا واقع حال أمتنا العربية والإسلامية، التي تنازعت ففشلت فذهب ريحها، وفي كل يومٍ من الفشل والتراجع، تزداد حدة السعار الطائفي، وكأن لا يوجد من شخَّص الداء الطائفي كعلة للفشل، مع كثرة المخلصين الذين بُحت أصواتهم، إلى أن انزلقت الأمة نحو المنحدر الخطير، وانجرفت نحو من زيف الفكر والواقع، وحرّف المفاهيم والمصطلحات، ونظّر للتشرذم والشتات، فعاث الدجالون فسادًا في كل ميدان.
أحد مصاديق المنحدر الخطير في تزيف الواقع بتحريف المفاهيم، هو ذلك التنظير الإقصائي الذي يقضي بإخراج طائفة ما من مفهوم “الأمة”، لتصبح المواجهة التي ينظر لها شياطين الطائفية؛ بين الأمة وتلك الطائفة، تحت شعار نحن أمة وأنتم طائفة، تمهيدًا وتنظيرًا لسلب الحقوق والإضطهاد الديني والإستبداد السياسي، وقبل بيان زيف مثل هذا الطرح، نستطرد في نقطة مهمة، فإن كان المقصود هو العدد الكبير للأمة مقابل العدد القليل للطائفة، فمنطق القرآن كان دومًا “وقليل من عبادي الشكور” ، بل ومن منطقه “وأكثرهم للحق كارهون”، فليس معيار الحق والباطل كمي بل هو كيفي، وهذا التنظير الشيطاني يكشف عن ضيق أفق صاحبة، الذي لم ولن يرى إلا نفسه وطيفه ولونه، حتى ردَّ على نبي الله الأعظم محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو يحسب نفسه من أتباعه.
نعم ردّ على النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) صاحب دستور وميثاق المدينة، الوارد السيرة النبوية لابن كثير وكذلك لابن هشام وغيرها من مصادر المسلمين، ميثاق المدينة الذي اعتبر ذلك المجتمع المتعدد عرقيًا ودينيًا أمةً واحدة، بينما ضاق التكفيريون ذرعًا بمن هم من نفس طائفتهم فضلًا عن الطائفة الأخرى، لمجرد اختلاف الموقف السياسي.
مراجعة ميثاق المدينة والذي حوى ٢٧ بندًا في العلاقة بين المسلمين وأصحاب الملل الأخرى؛ يكشف عن سمو الفكر السماوي المحمدي قبل أكثر من ١٤٠٠ عام، وانحطاط الفكر التكفيري اليوم، وهو المدعي زورًا وبهتانًا عظيمًا انتماءه للنبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وواقعه العملي خلاف ذلك تماماً، بعد أن زين لهم شياطين الطائفية سوء أعمالهم بتنظيرات اقصائية لا نصيب لها من الدين والعقل.
نعم هكذا عاش المسلمون التعددية والتسامح، وهكذا قتل التكفيريون كل ذلك قبل قتل الإنسان، فأي نبي يتبع هؤلاء؟!.. بعد أن أخرجوا الطوائف المخالفة لهم من الدين، وجعلوا أنفسهم ناطقين باسم رب العالمين، واستحلوا دماء المسلمين تحت شعار “أمتنا وطائفتكم..”، ودماء كل أصحاب الملل والنحل، هؤلاء المنظرين عبثوا بمفهوم الأمة ليبرروا للقاتل ويعبثوا بعقول المغرر بهم، واستغلوا عواطف الناس في ظل ظروف سياسية لاهبة، فتاجروا بدين الله ودماء عباده، وبدأت الأمة بمفهومها الزائف تحارب الأمة بمفهوم محمد بن عبد الله النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم).
محمد حبيب المحميد
عضو المكتب السياسي
حركة التوافق الوطني الإسلامية
مقال مليء بالمفاهيم السماوية التي يفتقدها من ابتعد عن السماء وأخلد إلى الأرض واتبع هواه والكاتب يدعوا لتفعيل ميثاق الانسانية الذي لا يختلف على مفاهيمه بني البشر ولكن اين من يعي … ولتعيها اذن واعية