إجرام بلا حدود.. بقلم الشيخة حصة الحمود السالم الصباح
حدث ما تخوفنا منه منذ سنوات ، وكتبنا نحذر من عواقب الخطاب العدائى والطائفى فى منطقة الشرق الأوسط الملتهبة ، وأن لغة المصالح وثقافة الهيمنة والاستبداد لن تفلح أبدًا وأن الخطاب الإنسانى ولغة السلام هما الضمان الوحيد لاستمرار الأمن العالمى ، وأن إشعال وقود الحرب أيسر بكثير من إيقافها ، لأن هذا النوع من الصراع الإجرامى ليس له خطة أو حدود يمكن التوقف عندها ولكن فقط مزيد من الضحايا الأبرياء وخاصة من النساء والأطفال والشيوخ والعجائز الذى أصبح قتلهم مجرد أرقام غير تقديرية على صفحات وشاشات وسائل الإعلام وأصبح الضمير الإنسانى فى حالة تبلد وجمود بعد أن فقد حرارة الإيمان بأهمية الحفاظ على الأرواح المقدسة و أبسط حقوق الإنسان فى الأمن والعيش الكريم.
يقف العالم على مدار السنوات الماضية وهو يشاهد بصمت مخزى ما تفعله آلة الحرب الصهيونية تجاه شعب يدافع عن أرضه ويدافع عن أعدل قضية تحرر وطنى فى العصر الحديث ، يشاهد العالم يوميًا قصف لكل مقومات الحياة ودك المنازل فوق رؤوس قاطنيها الأبرياء ولا يحرك هذا العالم ساكنًا أمام هذه الأشلاء المتطايرة لأطفال أبرياء فى عمر الزهور كل جريمتهم فى نظر المحتل أنهم وُلدوا فى هذه البقعة الجغرافية.
ورغم هذا الصمت السياسى والدبلوماسى المريب يبقى هناك أحرار فى هذا العالم تشتعل فى قلوبهم معانى الرحمة والإنسانية ، حتى أن بعض أفراد الجالية اليهودية فى أمريكا ( رابطة يهود ضد الصهيونية) قامت باقتحام الكونجرس مطالبين بوقف فورى لإطلاق النار ووقف جريمة الإبادة الجماعية فى غزه ، وهو دحض لمزاعم وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن الذى صرح بأن زيارته لإسرائيل جاءت كيهودى متعاطف وليس مسؤول سياسى ، وهو الذى رد عليه الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى بأن اليهود تم اضطهادهم فى أوروبا وجاؤوا للشرق الأوسط وعاشو واندمجوا مع جيرانهم من المسلمين والمسيحيين وكانوا جزء من النسيج المجتمعى !
هذه المظاهرات من الشرفاء فى أنحاء العالم تظهر بوضوح سقوط ورقة التوت عن هذا النظام الصهيونى المجرم الذى فقد صوابه وأضاع كل فرص السلام فى الشرق الأوسط و أوصل المنطقة إلى نقطة اللا عودة وذلك بدعم أمريكى بريطانى متهور لا يريد إلا إزكاء نار الحرب التى ستحرقهم قبل أن تحرقنا ، وأن هذا الغضب المكتوم سوف ينفجر فى وجوههم وسوف يتم استهدافهم ولن يكونو فى مأمن كما يعتقدون ، لأن حرب الوجود والبقاء يخسر فيها الجميع إلا أصحاب الحق والمدافعين عن وجودهم .
والحقيقة أن هناك محاولات للعودة إلى السلام ووقف إطلاق النار ، حيث تستضيف المملكة العربية السعودية الشقيقة برعاية صاحب الجلالة والفخامة جلالة الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله مؤتمر لمنظمة دول مجلس التعاون الخليجى ورابطة الآسيان لبحث سبل التعاون فى كافة المجالات ، وقد ألقى صاحب السمو الملكي ولى العهد ورئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان كلمة عبر فيها عن غضبه وألمه وندد باستهداف المدنيين وقصف المستشفيات والبنية التحتية وقد وافقه الرأى جميع المشاركين الكرام من قادة دول الخليج وجنوب شرق آسيا فى البيان الختامى للمؤتمر بضرورة الوقف الفورى لإطلاق النار وعدم استهداف المدنيين فى الحروب وفقا لاتفاقية جنيف وضرورة ادخال المساعدات الإنسانية من غذاء ودواء وعدم استهداف محطات الكهرباء والماء اللازمة لأسباب الحياة وقيام دولة فلسطينية على حدود ٤ يونيو ١٩٦٧ عاصمتها القدس الشرقية.
والمتابع جيدًا لردود الأفعال العالمية على هذه الجرائم الصهيونية يدرك أن العالم أصبح يفرق بين الأديان التى تدعو للسلام و حرية العقيدة من جهة وبين الأنظمة والمنظمات المتطرفة التى تتخذ فكرها العدوانى الإقصائى عن الدين ستارًا لأعمالهم الإجرامية وأهدافهم الاستيطانية التوسعية على جثث الأبرياء ، هذا النظام العالمى الجديد الذى ينتهج المخطط الشيطانى الماسونى أصبح واضحًا للجميع باستهداف الأبرياء وخاصة الأطفال إما بالقتل أو بنشر سمومهم الملوثة لفطرة الأطفال النقية ، ونشر الإلحاد والفكر المادى البحت والقضاء على كل المعانى الإنسانية والقيم الأخلاقية التى هى مقاصد كل الأديان السماوية .
ولذلك يجب على كل أحرار العالم أن يقفوا صفًا واحدًا ضد هذه الحرب الشرسة كلٌّ فى موقعه ، الجندى بسلاحه والكاتب بقلمه والسياسى بضميره والمواطن بانتمائه ورجال الدين المستنيرين بمواعظهم الإنسانية الراقية، الكل مسؤول أمام الله ونحن فى امتحان وابتلاء يجب أن نتحمله ونتحمل مسؤولياتنا ولو بأضعف الإيمان، نسأل الله التوفيق والسداد وأن يعيننا على ما نحن فيه ، ولله الأمر من قبل ومن بعد.