احرقوا بذار التعصب ..وعالجونا بالحقيقة… بقلم د. يونان وليم
بداية هناك تعريفا بسيطا لصفة “التعصب” فهى تنسب إلى العصابة (بضم العين) التى توضع على عينى الثور الذى يدور بشكل مستمر مربوطا فى ساقية أو محراثا يدويا؛ يدور فيه دون توقف إلا بإذن من يأمره ..
فلا تعطيه أى مجال لا للراحة او التفكير في الهدف او الغاية مما يفعله (حتى لو لو كان هدفا ساميا من وجهة نظر آمره)؛ كل ما يجب عليه فعله هو الاستمرار بالدوران فى ذلك المسار او الفلك الذى رسمه له الآخرون؛ليس من حقه التفكير اطلاقا فالتفكير بمثابة جريمة تمرد ف عليه تنفيذ الأوامر فقط ..
هل يصح أن يصبح الإنسان “سيد المخلوقات ” هكذا على هذه الحالة !!!!
يلغى عقله ويتمثل بالكائنات غير العاقلة.!
ففى دراسة لعلم نفس “المتطرف” وجد انه شخص مسلوب الارادة مقيد الفكر قد مر بعمليات متكررة ل “غسيل مخ” وإعادة برمجة عقلية ليصبح آلة تنفذ أوامر من برمجه ؛ ففقد بالطبع ميزة العقل والتفكير التحليلى والقدرة على التعلم أو الإبداع…
للأسف فالكل يحاول جاهدا ان يحولك الى ذلك الشخص القمئ المتعصب الأحمق الذى يرى الحياة والامور والاشخاص بمنظور ضيق ومحدود … نظرة فيها من التمييز ما يجعلك ترفض بشدة ان تصبح هذا الكائن السئ فتسعى
جاهدا لطرد تلك الروح الشريرة مهما تكلف الأمر من وقت أو مجهود …
(جعلونى متعصبا)
فالمتعصب شخص منبوذ ؛عليك الابتعاد عنه وتجنب أى مجال للحوار معه و يفضل عدم رؤيته حفاظا على سلامك الداخلى… والغريب فى الأمر أن غالبية هؤلاء الجهلاء الحمقى هم من حملة الشهادات العليا ؛ وكأن التعليم فتح لهؤلاء آفاقا واسعة للدراية و الإلمام بجميع فروع وأركان “علم التعصب” ودراسته بشكل علمى من بحث دقيق فى مدارس التعصب القديم منها والحديث والمزج بينهما لولادة عقلية جديدة فيها جميع ألوان وصفات”المتعصب الدارس الأحمق الذى يواكب العصر”
فتجد بين هؤلاء مثلا ذلك “الأستاذ الجامعى” الذى يؤذى _عن عمد _تلاميذه المتفوقين ويحطم معنوياتهم _لإختلافهم معه فى المعتقد الدينى أو الفكر السياسى أو حتى فى التشجيع لفريق كرة قدم_ بالأخص فى الكليات العملية التى يكون فيها الاحتكاك مباشرا بينهما فى الاختبارات العملية أو الشفهية ” وتجد أيضا المعلم الذى يتفنن فى إيذاء الأطفال الأبرياء عن طريق زرع بذور الفرقة والتمييز فى عقولهم ؛ فيشكل عقلية مريضة لطفل برئ لينظر الى طفل آخر بنظرة دونية نظرا للونه أو عرقه أو دينه أو جنسيته فيقتل طفولته بدم بارد…
كذلك الطبيب الذى يفرق بين مرضاه متناسيا قسمه الجليل وشرف المهنة؛ والسياسى الذى ينطق بكلمة الحق التى تخدمه مصالحة السياسية فقط؛ وتجد الاعلامى الفاسد الذى يتسبب فى تعتيم الحقائق وينادى دوما بعدم وجود أية مشكلات حقيقية فى مجتمعنا ويطرح طوال الوقت بدلا منها مشكلات الفنانين والفنانات العظيمة وكيف أن أسعار عمليات التجميل أصبحت باهظة فعلى الدولة تخصيص جزء من ميزانيتها فى التأمين الصحى لتصبح على نفقة الدولة….
والمؤرخ الذى يكتب التاريخ كيفما يحلو له فيرفع هؤلاء وينكل بهؤلاء وهو فى قمة الشعور بالرضا وراحة الضمير فهو يخدم مبدأه أو معتقده السامى الذى يكرس حياته لخدمته…
كل هذا الدمار الذى قد يحل بالمجتمع من كل هؤلاء المتعصبين _ أقصد المتطرفين بالمعنى الدقيق_.
بالطبع توجد أمثلة رائعة فى تلك المهمن من هم على النقيض تماما ممن ذكرتهم ولكننا نذكر السئ فقط منهم كمتسبب أو مشارك فى جريمة التعصب..
فالتعصب أو التطرف هو بذرة الإرهاب التى تحمل داخلها جميع الصفات الجينية له ؛ فاذا ما وجدت تلك البذرة البيئة الصالحة التى فيها الغذاء والماء والهواء (أى احتياجاتها الكاملة للنمو) نمت وكبرت وتفرعت اغصانها بل والاخطر من ذلك إنها سوف تجتذب جميع الكائنات الضالة من حولها لتتغذى من ثمارها وتستظل بظلها …
لقد خلقنا الله جميعا مختلفون وذلك لحكمة إلهية ؛ لنحيا فى تناغم وانسجام ؛ يكمل بعضنا الآخر ؛نعم مختلفون ولكننا لسنا متخلفون فالإختلاف ليس مرضا مجتمعيا بل هو صور من صور الرقى المجتمعى الإنسانى وتحضر الشعوب ؛ فقبول الآخر مهما إختلفت معه هو مقياس لرقيك وتحضرك ؛ فعندما تستمع للحن جميل تعزفه مجموعة من الآلات الموسيقية فى “تخت شرقى أو أوركسترا غربية” تجد تنوعا وابداعا من الجميع يعطى للحن الصادر جمالا فوق جمال وطربا أكثر من سماعه بآلة موسيقية واحدة…
فمن أنت حتى تصدر أحكاما أو تنفذ عقوبات على من حولك بحجة إمتلاكك “للصواب المطلق”..أيها المتعصب!!
(الساكت عن التعصب هو شريك فى هذه الجريمة)
فالكثير ممن لديهم صلاحيات التصدى لهم وانقاذ المجتمع منهم؛ يغسل يديه أمام الحشد معلنا انه برئ من تلك الجريمة ومن هؤلاء…!!
فالأمراض المجتمعية أشبه بالأمراض الوبائية التى تحتاج “لترصد” دائم من قبل جهات مختصة دورها الأساسى هو الاكتشاف المبكر لتلك الظواهر وسرعة الابلاغ عنها والتعامل الحكيم معها ووضع أقصى درجات العقاب لمرتكبى تلك الجرائم يحد من تكرارها بل حدوثها ويقضى عليها فى مهدها..
فهى تهدد نمو المجتمع وتعرقل تقدمة وتنتج أجيالا فيها من الأمراض ما يكفى لنشر العدوى لكل من حولنا من الدول المحيطة؛ بل وللعالم أجمع ؛ والأمثلة لذلك كثيرة وصور نتاج التعصب أكثر فيها من الدمار ما يصف الوضع كاملا؛كل ذلك بسبب التهاون فى علاجها منذ البداية…
فالمرض لا يعالج بالتستر عليه بل بالاعتراف به وعرضه على المختص لتحديد العلاج المناسب ؛ العلاج هو “بالحقيقة” وليس بالستر عليها كما يفعلون ؛فالمرض يكبر ويستفحل وفى انتشارة يسمم بدن المجتمع ؛ وهنا يصبح العلاج مستحيلا ؛ وعلاج المستحيل دائما بالمعجزات..والمعجزات نادرة الحدوث…
فاحذر من التعصب فهو نار آكله لكل من حولها تبدأ بأكل الجاف_ أولا_لكنها لن تشفق على الاغصان الخضراء (صدقنى) بعد أن تنتهى من الجاف طبعا..ففى النهاية ستحرق الجميع.
إدفنوا رؤوسكم فى الرمل كما تشاؤون …حتى يعبر الحريق… إن كنتم تعتقدون أن ذلك أفضل الحلول..!!!
وإذا أصبح “كل يبكى على ليلاه” ؛ إحترق الجميع وضاع “هو وليلاه” المنشودة…
قد اعجبتنى كلمات الشاعر الشاب “أنيس شوشان” التى قال فيها عن مبدأ “نبذ الإختلاف ” كخطوة فى علاج المجتمع من التطرف:_
لأن بضرورة الإختلاف ما يوما……. إعترفنا
كأن الإختلاف صار عار أو ذنبا إياه …إقترفنا
ها نحن قد غرقنا في الخلاف و من قبحه جميعنا ….قد غرفنا
ها نحن في تشويه بعضنا البعض….. إحترفنا
لأننا ما يوما عرفنا أن الأختلاف…. ثراء؛
أن الإختلاف …عطاء ؛أن الأختلاف ..وجود؛
أن الإختلاف…. بقاء.
يا ابن آدم خالفني ….و إختلف عني
يهوديا , مسيحيا أو مسلما ؛ شيعيا كنت أم سنيا أو حتى وإن كنت دون معتقد ……..
أبيضا كنت….. أو أسود
فقط كن أنت ….و لا تكن هم
دع ذاتك تسمو ….وعانق عمق الحلم
يا ابن آدم خلقك الله …مختلف
فبربك بإختلافك….. إعترف
و في تفردك …..إحترف
كن خليفة الله على الأرض…. بإختلافك
ولا تتبع ذاك القطيع
عش حرا يابن آدم فهذه الأرض للجميع