الأضحية سنة مؤكدة وشعيرة من شعائر الله
الأضحية شعيرة من شعائر الله سبحانه وتعالى التي تتكرر في كل عام وتحديدا في موسم عيد الأضحى الذي يكون مسك الختام لموسم الحج.
والأضحية: هي ما يذبح من بهيمة الأنعام أيام عيد الأضحى تقرُّباً لله.
وسميت بذلك نسبة لوقت الضحى لأنه هو الوقت المشروع لبداية الأضحية.
أدلتها
ويدل على مشروعيتها ما يلي:
قوله تعالى «فصلِّ لربك وانحر» فقد فسرها ابن عباس – رضي الله عنهما – بقوله: والنحر: النسك والذبح يوم الأضحى، وعليه جمهور المفسرين كما حكاه ابن الجوزي في زاد المسير.
وحديث أنس – رضي الله عنه – قال: «ضحى النبي – صلى الله عليه وسلم – بكبشين أملحين، فرأيته واضعاً قدمه على صفاحهما يسمي ويكبِّر فذبحهما بيده» متفق عليه.
وعن أم سلمة – رضي الله عنها- أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئا». رواه مسلم
و عن البراء بن عازب – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلّم – قال: «من ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين». رواه البخاري.
وقد أجمع العلماء على مشروعيتها، كما حكاه ابن قدامة في المغني، واختلفوا في حكمها كما سيأتي.
حكمها
بعد الاتفاق على مشروعيتها اختلف أهل العلم في حكمها على قولين:
القول الأول: الجمهور إلى أنها سنة مؤكدة، واستدلوا بحديث أم سلمة – رضي الله عنها – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئا». رواه مسلم
ووجهة الدلالة: قوله (أراد) فتعليق الأضحية على الإرادة دليل على عدم الوجوب.
وقد صحّ عن أبي بكر وعمر – رضي الله عنهما – أنهما لا يضحيان مخافة أن يعتقد الناس أنها واجبة.
القول الثاني: ذهب أبو حنيفة والأوزاعي إلى أنها واجبة على القادر، ورجَّحه الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – واستدلوا: بفعل النبي – صلى الله عليه وسلم – والأصل الاقتداء به.
وقوله – صلى الله عليه وسلم -:«من وجد سَعَةً لأن يضحي فلم يضحِ فلا يحضر مصلانا». أخرجه ابن ماجه وأحمد والذي يظهر – والله أعلم – أنها سنة مؤكدة، وعليه جمهور.
مشروعيتها
الأضحية مشروعة لأهل البيت، لقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: (إِنَّ عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أَضْحَاةً) رواه أحمد وقال الترمذي: حسن غريب، وقال عبد الحق: إسناده ضعيف، وضعَّفه الخطابي.
فعلى هذا فيدخل فيها أهل البيت جميعاً، وقد صحّ عن النبي – صلى الله عليه وسلم – فيما رواه مسلم عن عائشة – رضي الله عنها – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال على أضحيته: «باسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمَّة محمد» فدلَّ ذلك على أن دخول أهل البيت في الأضحية جائز.
حكمتها
للأضحية حِكم كثيرة، منها:
1 – التقرب إلى الله تعالى بامتثال أوامره، ومنها إراقة الدم، ولهذا كان ذبح الأضحية أفضل من التصدق بثمنها – عند جميع العلماء – وكلما كانت الأضحية أغلى وأسمن وأتم كانت أفضل، ولهذا كان الصحابة – رضوان الله عليهم- يسمنون الأضاحي، فقد أخرج البخاري معلقاً في صحيحه: قال يحيى بن سعيد سمعت أبا أمامة بن سهل قال:»كنا نسمن الأضحية بالمدينة، وكان المسلمون يسمنون».
2 – التربية على العبودية.
3 – إعلان التوحيد، وذكر اسم الله عزّ وجلّ عند ذبحها.
4 – إطعام الفقراء والمحتاجين بالصدقة عليهم.
5 – التوسعة على النفس والعيال بأكل اللحم الذي هو أعظم غذاء للبدن، وكان عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – يسميه شجرة العرب. أخرجه سعيد بن منصور في سننه
6 – شكر نعمة الله على الإنسان بالمال.
التقسيم
جاء في ذلك أقوال عدة، منها:
– ورد عن ابن عباس» يأكل هو الثلث، ويطعم من أراد الثلث، ويتصدق على المساكين بالثلث».
– وقيل: يأكل النصف ويتصدق بالنصف.
– والراجح أن يأكل ويهدي ويتصدق ويفعل ما يشاء، وكلما تصدق فهو أفضل.
يجوز أن يهدي منها غير المسلم، خاصة إن كان يُرجى إسلامه، وعلى هذا فيجوز أن تهدي عاملاً أو خادمةً أو راعياً ولو كان غير مسلم.
شراؤها دَيْناً
يجوز شراء الأضحية دَيْناً لمن قدر على السداد، وإذا تزاحم الدَيْن مع الأضحية قدم سداد الدين لأنه أبرأ للذمة.
ويجوز أن تضحي عن غيرك العاجز بشرط إذنه، فإن لم يكن عاجزاً فالأصل أن الوجوب متعلق برقبته.
كما يجوز هبة الأضاحي للمحتاجين ليضحوا بها:فقد قسم النبي صلى الله عليه وسلم ضحايا بين أصحابه» رواه البخاري.
ففيه الدلالة على أن أهل الغنى يوزعون ضحايا على المعوزين لأجل أن يضحوا بها.
ويستحب من الأضحية أسمنها وأغلاها ثمنا، وأنفسُها عند أهلها، وعليه أن يتفحص الأضحية.
بيع جلدها
لا يجوز للمضحي أن يبيع جلد أضحيته؛ لأنها بالذبح تعينت لله بجميع أجزائها، وما تعيّن لله لم يجز أخذ العوض عنه، ولهذا لا يعطى الجزار منها شيئا على سبيل الأجرة.وقد روى البخاري ومسلم واللفظ له عَنْ عَلِيٍّ – رضي الله عنه – قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ، وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا وَجُلُودِهَا وَأَجِلَّتِهَا، وَأَنْ لَا أُعْطِيَ الْجَزَّارَ مِنْهَا. قَالَ: نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا.وقال الشوكاني رحمه الله في «نيل الأوطار»: «اتفقوا على أن لحمها لا يباع فكذا الجلود. وأجازه الأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور، وهو وجه عند الشافعية قالوا: ويصرف ثمنه مصرف الأضحية.
ويجوز إعطاء الأضحية للجمعيات الخيرية لصرفها على الفقراء، لكن الأفضل أن يضحي الإنسان بنفسه، ويتولى توزيعها.