الإنسانية العوراء … بقلم محمد حبيب المحميد
اضراب الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال ، هو صرخةٌ في ما تبقى من ضمير أمةٍ مزقتها الفتن الطائفية والعرقية شر ممزق ، وعاثت فيها مؤامرات أعدائها حتى احتاجت لمثل هذه الصرخة ، هذا الإضراب الذي أعلن عنه مجموعة من الأسرى الفلسطينيين معلنين عن مطالبهم الإنسانية المحقة من العدو الصهيوني ، الذي ما عاد عدوًا في أدبيات بعض جماهير من أمتنا ، هذا الإضراب هو إضراب عن الذل الذي لبسته الأمة ، وإضراب عن مقاييس المجتمع الدولي العوراء ، وإضراب عن الإعلام الموجه نحو كل قضية إلا فلسطين والقدس عروس العروبة والإنسانية ، وإضراب عن المعارك العبثية وحروب المستكبرين بالوكالة التي أنهكت المنطقة واستنزفت مواردها .
المجتمع الدولي الذي تباكى بنفاقٍ وقح على حوادث ليستثمرها لمشاريعه في المنطقة ، على حساب الإنسان وكرامته ، يتجاهل تماماً الانتهاكات الصهيونية لأبسط حقوق الإنسان في سجونه ، فلم تتوقف حالات الإضراب في تلك السجون منذ مدة ليست بالقصيرة ، إلى أن بدأ الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال يوم الإثنين اضرابهم المفتوح متضمنًا مطالبهم ، ولن تسمع استنكارًا أو إدانة أو حتى إشارة وتوبيخ لكيان الاحتلال الغاصب من قبل هذا المجتمع الدولي الفاسد ، وليس عليهم عتب في ذلك بقدر ما على أمتنا العربية والإسلامية ، التي تتفاعل مع كل القضايا التي يُراد لها أن تتفاعل معها على حساب قضيتها المركزية .
الإنسانية العوراء التي تتعامل بها حكومات المجتمع الدولي وتوابعها ، بكت بدموع التماسيح على ما جرى في خان شيخون ، وأما المجزرة التي ارتكبتها أدواتهم وصبيانهم في حافلات الفوعة وكفريا ، فلم تعنِ لهم شيء ، هذا التوقيت المتقارب بين الحادثتين ، كشف عن صلافة هذه الحكومات في تنفيذ مشاريعها السياسية ، وما حديث المبادئ والإنسانية إلا غطاء تحته جيفة الأجندات ، ولا كرامة للإنسان ودمه إلا في أدبيات مستهلكة لا واقع لها ، ومن المخزي أن هذه الحالة المسخ تنتقل إلى بعض جماهير الأمة المضللة ، ودوننا مواقع التواصل ، التي تطبل لمجزرة وتبكي لأخرى .
الفاعل في خان شيخون وفي مجزرة كفريا والفوعة هو واحد بالنظر إلى المكاسب التي تأملوها والأساليب الواحدة التي انتهجوها ، فالغدر وقتل الأطفال والنساء والشيوخ ، هو من شيم عصابات الإرهاب ومن خلفها ، لا من اليوم فقط بل منذ فجر التاريخ ، مجانين التعصب والإرهاب هم أهل الغدر والقتل والمثلة ، وما مجريات الأمور بعد هذه المجازر إلا أدل دليل لكل لبيب على الفاعل الحقيقي المستفيد ، الفاعل الذي لا يريد لسوريا والمنطقة الاستقرار ، والضحية هو الإنسان والإنسانية التي أصبحت غلافًا لكل قبيح .
الإضراب الذي بدأه حوالي ألف أسير فلسطيني هو خيارهم الأخير لمقاومة الاحتلال وإرهاب الكيان الصهيوني كما صرح بذلك الأسير مروان البرغوثي ، فهل تعود الأمة بجماهيرها وحكوماتها إلى هذا الخيار ، ليكونوا للظالم خصمًا وللمظلوم عونًا ، هل تقود الجامعة العربية أحلافًا للضغط على المجتمع الدولي لوقف الإنتهاكات الصهيوني ؟ هل تنعقد قمة إسلامية طارئة لبحث الحالة الإنسانية في فلسطين ؟ وهل تنعدل بوصلة المواقف لدى الأمة في معرفة العدو من الصديق ؟ وهل من قدس الأقداس سننطلق لنوقف نزيف الدماء والموارد والنفوس في صراعات لا تبقي ولا تذر ؟ أم أن كل ذلك أضغاث أحلام ؟
الحمدلله على وعده الحق وطوبى لمن لبى نداء الإنسانية الحق.
بسم الله الرحمن الرحيم.
وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ . الأنبياء (105)