الاعلام أداة حرب وسلام.. بقلم الشيخة حصة الحمود السالم الصباح
يتفاعل الإنسان طوال الوقت مع ما يدور حوله فى بيئته المحيطة بالأخذ والعطاء إيجابًا وسلبًا ، هذا التفاعل مداره يكون حول احتياجاته المعرفية التى تكون الباعث الحقيقى لترتيب أولوياته وتحديد توجهاته ، وتكوين وعيه وآراءه إزاء القضايا المحلية والإقليمية والعالمية.
وهنا تكمن قوة وسائل الإعلام فى توجيه الرأى العام حتى صارت سلاحًا يحدد مسارات للحرب وأخرى للسلام حسب ما تقتضيه مصالح الأنظمة والمؤسسات التى تقبض على نواصى الشعوب بإمتلاكها لهذا السلاح الرهيب الذى أصبح الفكاك من تأثيره بالغ الصعوبة .
ولكن دعونا نفرق بين وسائل الإعلام التقليدية ذات التأثير المحدود من صحف وقنوات إخبارية ووسائل إعلام ذات تأثير قوى عبر مواقع الإنترنت والتى يتابعها ملايين الشباب وخاصة جيل z والذين تتراوح أعمارهم بين ١٨ و٢٩ عام وهو الجيل الأقوى حاليا على وجه الأرض ، هذا الجيل الذى بدأ من حيث انتهى سلفهم ، هو الجيل الذى ساهم بشدة فى فوز دونالد ترامب رئيس أقوى دولة فى العالم حسب تصريحاته لوسائل الإعلام . يقول دونالد ترامب أن إبنه بارون الذى يبلغ من العمر ١٨ عام قد نصح والده فى حملته الإنتخابية بترك وسائل الإعلام التقليدية التى لا يتابعها الشباب والتوجه إلى الظهور عبر لقاءات بودكاست التى يتابعها ملايين الشباب عبر الانترنت ، وخاصة أن دونالد ترامب قد حصل على ٣٦% من أصوات جيل z فى انتخابات ٢٠٢٠ مقابل ٦٢% لمنافسه جو بايدن ، وقد استجاب ترامب لنصيحة إبنه الشاب الصغير وأجرى ١٢ لقاءًا حواريًا عبر برامج بودكاست رفعت أسهمه بين الشباب وحصل على ٤٨% من أصواتهم مما صنع الفارق مع منافسته المرشحة الديوقراطية كاميلا هاريس ، وعاد ترامب مرة أخرى للبيت الأبيض بنصيحة إبنه أحد أبناء جيل z.
وإن تحدثنا عن الإعلام وقوة سيطرته على الشعوب فسوف تعود بنا ذاكرة التاريخ إلى حقبة الحرب العالمية الثانية والتى شهدت بداية التأثير السلبى للإعلام فى توجيه الرأى وخاصة السياسة الدعائية للحزب النازى والتى خلفت إرثًا مهولًا من الأكاذيب أسست لمرحلة انتقل فيها الإعلام من مجرد وسيلة لنقل الأحداث وكشف الحقائق إلى أداة لنفخ نيران الحروب وتهديد السلم المجتمعى ، وأصبح هذا الدور السلبى للإعلام يتطور حتى بلغ ذروته بعد الحرب الباردة فى مطلع التسعينات والذى ظهر بوضوح فى الحروب الأهلية على أساس طائفى أو عرقى وخاصة حروب البلقان وحروب وسط أفريقيا والتى راح ضحيتها ملايين الأبرياء، وللأسف سيطر الإعلام السلبى وانتشر لأنه يستهدف غريزة الإنسان فى البحث عن المعلومة والخبر فى المناطق المشتعلة وذلك تحقيقا للمكاسب المادية والشهرة والانتشار.
ولذلك نقول أن الإعلام الإيجابى الهادف هو معركة الشرفاء الذين يهدفون إلى تحقيق السلم الأهلى والمجتمعى ، وأن الكتاب والإعلاميين وكل من ينتسب لهذا المجال الهام وجب عليهم القيام بدور فاعل وحقيقى وعدم الإكتفاء بدور الشاهد على الأحداث والناقل لها ، فالكاتب والإعلامى فى مجتمعه كالطبيب الذى يعالج جسد المجتمع من أمراضه بلا كلل أو ملل.
ونعود مرة أخرى إلى جيل z ودوره فى تحويل مسار الإنتخابات الأمريكية لصالح المرشح الجمهورى دونالد ترامب لنقول أن هذا الجيل هو الذى سوف يقود العالم فى المستقبل القريب وأن الإهتمام بهم واحتواءهم إيجابيا هو الذى سوف يرسم خارطة طريق مستقبل هذا العالم الذى نحن جزء منه وليس بمعزل عن ما يدور فيه ، وأن التقليل من شأنهم وعدم استغلال طاقاتهم لصالح الأمن الوطنى سوف يكون توجه خاطئ لن نستطيع تفادى ننائجه السلبية.
وسائل الإعلام التكنولوجية والذكاء الاصطناعى أصبحا أمر واقع ، وقوة الدول سوف تقاس باهتمامها بشبابها وتحديدا هذا الجيل الواعد الذى يجب أن نستغل طاقاته ونحترم واقعه ونحتويه بمد جسور الروابط بيننا وبينهم بما يتناسب مع قيم وتعاليم ديننا الحنيف والحفاظ على الصلوات والتقوى تطبيقًا لدعاء نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام ( اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الّتِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلْ الحَيَاةَ زِيَادةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلْ المَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ).