أهم الأخباركتاب

البحرين ..جزيرة الحياة ومنابع الخلود.. بقلم الشيخه حصة الحمود السالم الحمود الصباح

 

منذ أن عُرفت البحرين بأرض الخلود، ظلّت حكاياتها تنساب كنفحات النسيم من قلب التاريخ، تلامس الأرواح قبل السمع، حيث وُلدت دلمون؛ المملكة التي ارتقت من أسطورة إلى ذاكرة تتوارثها الأجيال. وليس غريبًا أن يعرفها السومريون كأرض الآلهة والفردوس والخلود والحياة، وأن ترتبط بها أقدم ملحمة شعرية في التاريخ؛ ملحمة جلجامش، التي بحث بطلها عن سرّ الخلود في أعماق بحر دلمون، حيث عشبة الحياة التي حصل عليها، ثم نام على الشاطئ. وتحكي الملحمة أن حية دلمون خرجت من البحر، وأخذت العشبة، وغيّرت جلدها، وغاصت في الأعماق لتُخفي في جوفها عشبة الحياة التي بحث عنها الملوك، واحتفظت بها الأعماق سرًّا لا يُباح إلا لمن يستحق الخلود.
هذه الجزيرة التي جمعت الحقيقة بالخيال، ويُقال عنها أسطورة لا لأنها خيال، بل لأنها حضارة حقيقية نسجت حولها الشعوب القديمة هالةً من القداسة والرموز؛ فجمعت بين أثرٍ ثابت وحضورٍ يقترب من الأسطورة. بدا الزمن نفسه خادمًا لجمالها، يهيئ لكل جيل حكاية جديدة تُروى على ضفاف الخليج.
وكان الماء قلب هذه الأسطورة النابض؛ فعيون البحرين العذبة تفجّرت بين الأمواج كأنها نبعٌ سماويّ يبدّد قسوة البحر بعذوبته. منها شرب الغواصون قبل أن يغوصوا إلى اللؤلؤ، ومنها ارتوى الصيادون بعد صراع مع الأمواج، بينما وقف التجار العابرون مذهولين أمام جزيرة تجمع في آنٍ واحد الملوحة والعذوبة، والصلابة والرقة، والواقع والأسطورة. لقد بدت البحرين منذ فجر التاريخ وكأنها تمنح زائريها حياة ثانية؛ حياة يهبها الماء وتزكّيها الروايات.
ومن رحم هذا الإرث العميق، وُلدت البحرين الحديثة، لا تنفض عن كتفيها غبار الماضي بل تحمله تاجًا فوق رأسها. وفي ظل قيادة جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وبهمة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ارتقت المملكة لتصبح جسرًا بين حداثة الحاضر وعبق التاريخ، تجمع في نهضتها روح دلمون وبصيرة المستقبل. وكأن عشبة الحياة عادت، ولكن في هيئة علمٍ ورؤيةٍ وعزيمة، فيما ظلّت حية دلمون رمزًا خفيًا لحماية الأرض وصون هويتها من تقلب الأزمان.
تواصل البحرين كتابة فصلها الجديد بثباتٍ يليق بتاريخها، وبرؤيةٍ تعانق آفاق المستقبل من غير أن تبتعد عن جذورها الأولى. وكأن دلمون في يومها الوطني تعود لتمنح الحاضر روحها، فتصبح عشبة الحياة رمزًا لنهضة تُبنى بالعلم والإرادة، وتظل المملكة جزيرة تجمع البحر والإنسان والتاريخ في نسيج واحد؛ لا تحرسها اليوم حية دلمون، بل يحرسها إخلاص أبنائها وقوة انتمائهم وسلمهم الاجتماعي.
وفي بهجة هذا اليوم العزيز، أتوجّه بالتهنئة القلبية إلى مملكة البحرين وشعبها الكريم، شعبٌ تربطه بالكويت روابط أخوّة متجذّرة تتجاوز حدود الزمن؛ فمن دروب القوافل القديمة إلى حاضر التعاون ووحدة المصير، ظلّ الشعبان الكويتي والبحريني شريكين بالقلب والوجدان والروح والدم. وفي عيد البحرين الوطني، تتجدّد الأمنيات بأن يبقى هذا الوطن مزدهرًا آمنًا، وأن تبقى الروابط بين الشعبين قوية راسخة رسوخ الجزر التي شكّلتها أمواج الخليج؛ تلك الجزر التي أرست على شواطئها الحضارات المتعاقبة معالمها، فكتبت تاريخها وتركت آثارها شاهدةً على عظمة هذا الوطن عبر الزمن..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى