“الحب فى زمن السالمونيللا”…. بقلم يونان وليم
حقا إنها قصة كل يوم و قصة كل جيل و قصة كل “مرحلة جامعية” …إنها بأبسط تعبير .. الحياة التى تعيد ذاتها مرارا وتكرارا دون توقف …
_ “أحمد” يحب “منى” حبا مفعما بالرومانسية والمشاعر الجياشة ؛ حبا كذاك الذى يملأ كتب الشعر والغزل؛ و “منى” تبحث عن الإستقرار تحت جناحى هذا الحب الجميل وغطاءا يوفر لها الأمان بكل صوره ؛ “أحمد” شاب مثقف ويكتب الشعر فى محبوبته لكنه يعيش فى عالم إفتراضى موازى للواقع ويعمل فى وظيفة بسيطة وقد يحتاج لقرنين من الزمان_على أفضل تقدير_ من العمل الدؤوب حتى يوفر نفقات الزواج.. بينما تحلم “منى” بعش الزوجية “الثلاثة غرف وصالة” على أرض الواقع الذى يترجم لغة الحلم إلى لغة مفهومة ؛ وأطفال يجرون ويلعبون حولها ؛ “أحمد” يبذل أقصى جهد لديه ليجمع ويدخر القروش المعدنية كى يمتلك سيارة فارهة بالنسبة له ك “فيات ١٢٨” لكن “منى” تحلم بالسيارة المرسيدس ذات العيون الجذابة أحدث موديل ؛ فأحلام “أحمد” الكبيرة مهما علا سقفها لن تصل إلى أبسط أحلامها …نعم إنها الحقيقة العارية…حقيقة الواقع المؤلم..
_”أحمد” يقسم ل”منى” بكل ما يؤمن به وبكل العقائد السماوية أن حبه يتحدى كل الصعوبات ويقهر جميع العقبات .. والمستحيل ما هو إلا وهم لن يقف فى طريق حبهما مادام الحب موجودا والقلوب لا تزل فسيولوجيا نابضة _ ولكن الفقر ذاك العدو اللدود الوغد ملتهم قصص الحب الشهيرة كالثقب الأسود الذى يبتلع النجوم والعوالم التى حوله دون شفقة أو هوادة _ كان بالجوار يسترق السمع مترقبا ومتلصصا؛ ضاحكا بل ساخرا منهم ؛ منتظرا للحظة مناسبة كى ينقض على فرائسة وينل من وجبتة السمينة المكونة من شخصين بالغين (أفضل منال)؛
_ وتحت ضغط أسرى خانق للفتاة _بالأخص من والدتها السيدة “فضة” _بدأ الحب يتضاءل ويتضاءل يوما بعد الآخر حتى أوشك على الإختفاء من المشهد تماما؛ ولم يعد يرى بالعين المجردة وأصبح كالكائنات المجهرية وحيدة الخلية_ وحيدة فى الحياة دون رفيق أو سند _ الذى عندما أدرك ضعفه لملم بقاياه وقفز من الشباك هاربا تحقيقا للمثل الشعبى الشائع “إذا دخل الفقر من الباب هرب الحب من الشباك”..
_ وبالطبع أمام مبادرة أول عريس قابلتة “منى” فى طريقها سلب عقلها ولعب بإحتراف على أوتار مشاعرها بما يمتلكه من لباقة وخفة ظل مصطنعة وبالطبع مظاهر الغنى _فهى الأهم_ فإنبهرت بمظهره دون جوهره وشعرت بدوار الإنجذاب ؛ فلم يبطئ الرجل وأخرج من عباءتة مفاتيحا براقة تفتح أبوابا مغلقة صدأت أقفالها بفعل الزمن الغادر ؛ ووضع تلك المفاتيح البراقة على طاولة المفاوضات على سبيل الإستعراض وبعض الصكوك الخاصة بالإستقرار والأمان(أى الزواج) وصك الحرية من الإحتياج أو العوز ووعد بفسخ العقد المبرم مع صديق عائلتها وأجدادها الدائم ( الفقر اللعين) وقطع جميع الخيوط التى تربطهم به ..ويا لها من صفقة رابحة..
_وأمام هذه الاغراءات التى لا تقاوم رضخت الفتاة المسكينة وقبلت شروط الصفقة وعلى الفور إنطلقت إلى “أحمد” المسكين وهى تعلم جيدا نتيجة هذا اللقاء عديم الجدوى.. ربما كى لا تندم يوما على لقاء الوداع مع من أحبته ؛ وربما بدافع من كبريائها كى توصل له رسالة إنها لاتزل جذابة وهناك من يرغب بالزواج منها ويحلم بها غيره ؛وراحت تهدده وتنذره بقطع العلاقة بينهما إذا لم يحقق لها ما تطلب من شقة وسيارة ومال يضمن لها مستقبلها .. وبالطبع جاء الجواب بالنفى الغير مفاجئ بالنسبة لها ؛ وبعد حوار طويل فيه من العتاب ما يملأ كتبا كبيرة .. ألقت له دبلته الذهبية عيار ال ١٨ فى الهواء مع بعض من نظرات الإزدراء واللوم على ما مضى من سنوات عمرها هباءا مع غازل الهوى ..
وإنتهى هذا المشهد برحيل الفتاة بسرعة نحو بيتها فى لقاء لم يزد عن ١٠ دقائق أنهت فيها قصة حب عمرها ١٠ سنوات أو أكثر….
إنحنى الشاب البائس إلى الأرض والدموع تملأ عينيه وتكاد تحجب رؤيته وتعوق بحثه عن دبلتة الذهبية التى تحمل داخلها سنوات عمرة والكثير من ذكرياته الجميلة كأنها “ذاكرة كمبيوتر حاملة للمعلومات(فلاش ميمورى) “…
(لطالما حيرنى ذلك المشهد الدرامى فى فسخ الخطوبات عن بحث الطرف المنبوذ _والدموع فى عينيه_ عن دبلته اللى ألقاها له الطرف الآخر ربما فى وجهه دون رحمه ..فلماذا يبحث عنها ..فليذهب الخائن بدبلته إلى الجحيم !!!! …لكنها الذكريات اللعينة )
_بكى أحمد بحرقة على ما فقده وعلى ما أصاب عالم الحب الذى غزته بكتيريا المادة ؛ بيعت المشاعر بحفنة من الدولارات
؛ و بيع البشر فى سوق النخاسة ؛ من يدفع أكثر يشترى ومن ليس له يشترون ما لديه …
_ فبظهور السيد “سليمان” الذى غير مجرى الأحداث بالطبع
ذلك_ الكائن اللزج_ الذى جاء فى الميعاد المحدد إلى البيت حاملا فى يده اليسرى علبة ” الجاتوه بالكراميل” وفى جيبه علبة حمراء من القطيفة يبرق داخلها خاتم “سليمان” _الذى ربما يسكنه جنى خادم يحقق لك دائما ثلاثة أمنيات أيا كانت عدا الحب والصحة وطول العمر _ وبوكيه الورد البلدى الأحمر فى يده اليمنى متظاهرا بقدر من الرومانسية_ كهؤلاء الشباب الصغار اللذين يحتفلون بالفلانتين الأحمر _ راسما إبتسامة على شفتيه تشبه شفتى الأرنب النيوزيلاندى الأبيض الذى يقبض على جزرة برتقالية_فالنساء تعشق الورود وتعجب بذلك العريس من حاملى الورود أكثر من حاملى الشهادات وحاملى الهدايا الذهبية أكثر من حاملى سلاح العلم _ فقط يبقى شيئا واحدا أنتظر أن يقدمه “سليمان” الجذاب ليكمل إبهار الحاضرين وهو تقديم “فقرة الساحر” التى فيها سوف يضع يده فى قبعته السوداء وعصا سحرية فى يده فيتمتم بكلمات غير مفهومة ثم يبتسم للجمع بإبتسامة المشعوذ المريبة ويخرج يده فجأة ممسكا بأرنب برى من أذنية وسط تصفيق حار من السادة الحضور فيقدمه_الأرنب_ هدية لأم العروس لتقوم بعمل “ملوخية بالأرانب” فى وجبة الغداء ..
_الطريف فى هذا المشهد هو الإنبهار المبالغ فيه لوالدة منى السيدة” فضة” التى تصفق بحرارة وتلقى بالزغاريد كألسنة النار فى أرجاء الشقة وترقص كمن يقدم ذبيحة ل “أبوللون وأرطاميس” ؛ فالعريس القادم سوف يغدق على العروس وأم العروس_ بالطبع_ بالخيرات والنعم والهدايا وربما تتزوج الجنى نفسه الذى يسكن خاتم “سليمان” ….
_تحاول منى أن تقنع ذاتها بأنه _أى سليمان_عريس متكامل لا ينقصة شئ ويجب الحفاظ عليه بشدة ؛ فهو غنى ومهذب وراق ويبدو رومانسيا بقدر كبير وربما ينظم الشعر أيضا كالحبيب السابق؛ بالطبع هذا هو العريس المنتظر محقق الأحلام والأمنيات ل “منى” _ومحطم الأحلام ل “أحمد” _…
_ووسط الضجيج والصخب من الزغاريد المتلاحمة وصوت الأغانى الشعبية التى تصدر من سماعات ال “دى جى” المزعجة التى تستطيع إيقاظ الكائنات الفضائية_ من النوم_ التى تسكن مجرات أخرى بالقرب من مجرتنا… والقادرة أيضا على قتل الديناصورات لو كانت لاتزل على قيد الحياة….
حشد من النساء والرجال والأطفال من الجيران جاءوا لتهنئة “منى وعريسها” فى حفل خطبتهما وهما يرقصان ويتمايلان تحت الأضواء والورود…
_فجأة إقتحم “مجدى” المشهد بعنف هاجما بشراسة على “منى” يهز كتفيها بشدة وهى فى غرفة نومها فى فراشها ؛ ليوقظها من سباتها العميق كى لا تتأخر على موعد عملها فلقد إستقيظ الجيران جميعا من جراء صوت المنبه المزعج للغاية فى غرفتها ولم تستيقظ هى بعد…
_فركت منى عينيها ونظرت إلى مجدى_أخيها_ الصغير البالغ من عمر خمس سنوات …
متسائلة… أين المعازيم؟…..أين الهدايا؟….أين سليمان ..؟
يا إلهى …حلم……
أين أحمد …؟؟؟؟؟؟؟؟
أين أنت يا حبيب العمر