الفنان التشكيلي العراقي مخلد المختار في ذمة الله
غيب الموت في النمسا أمس، الفنان التشكيلي العراقي مخلد المختار، عن عمر ناهز 69 عاما، بعد صراع مع المرض، بحسب رئيس جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين قاسم سبتي.
وذكر سبتي أن “الفنان التشكيلي مخلد المختار فارق الحياة فجر الجمعة في النمسا بعد أن كان في غيبوبة خلال الأيام الماضية نتيجة صراعه مع مرض في الكبد”. وأضاف سبتي “الفن التشكيلي العراقي فقد بذلك واحدا من الأسماء الفنية المهمة في تاريخه وخريطته”.
ولد مخلد المختار في العام 1948 في مدينة الموصل لأسرة تميزت بحبها للفن إذ كان أبوه من أشهر الخطاطين آنذاك، وترعرع في أزقتها وحاراتها الشعبية والتحق بكلية الفنون الجميلة في جامعة بغداد في العام 1968 ليدرس فن الرسم، وتخرج منها في العام 1973.
وأكمل المختار دراسته في أكاديمية روما للفنون في إيطاليا، وحصل هناك على شهادة الكفاءة الفنية من المركز الفني الإيطالي.
شغل المختار عدة مناصب مهمة، فكان عميدا لكلية الفنون الجميلة في جامعة بغداد ورئيسا لجمعية التشكيليين العراقيين ونائبا لرئيس اللجنة الوطنية للفنون التشكيلية العراقية بين عامي 1998 و2003. وغادر بعد هذا التاريخ إلى الأردن قبل أن يستقر في النمسا.
عرف الفنان مخلد المختار بحضوره العالمي ومشاركاته المتعددة في الكثير من المعارض العالمية وحصل على جوائز وميداليات عدة فضلا عن مقتنيات فنية موجودة في متاحف ومؤسسات عالمية.
وتفرد المختار الذي تتلمذ على يد فنانين عراقيين رواد أمثال فائق حسن وإسماعيل الشيخلي وحافظ الدروبي، باهتمامه بتاريخ العراق القديم والحديث وعكس ذلك في أعماله ولوحاته المتميزة برمزيتها لذلك التاريخ.
وقبل أسبوعين من رحيله، أقامت منظمة المغتربين العراقيين (فرع النمسا) معرضا شخصيا للفنان العراقي المغترب بعنوان “جمالية الخط العربي”، متكونا من 50 لوحة تشكيلية مختلفة القياسات ومتنوعة الاستلهامات، حيث زاوج ما بين جمالية صورة الخط العربي بأنواعه، وتجربته التشكيلية الرمزية الذي عرفها المختار سابقا.
ونقلت صحيفة “العرب” اللندنية، تضامن جميع الفنانين العراقيين داخل العراق وفي المهجر، مع الفنان العراقي المغترب بالنمسا مخلد المختار، وذلك لتحديه الكبير لمرضه المزمن، لكي يواصل إبداعه الإنساني في تجربته الجديدة التي أقامها في معرضه الجديد المعنون بـ”جمالية الخط العربي”.
وقالت الصحيفة إن لوحات الفنان مخلد المختار تعتمد على التصميم الهندسي المتوازن في ما بين الرموز والأشكال والألوان.. وجميعها مستمدة ومنطلقة من مشاهد تأريخية ومن صور التراث الفلكلوري العراقي الأصيل، الزاخرة بالمفردات والرموز العظيمة، والمآثر الخالدة، والحنين إلى الماضي بمشاهده الزاهية، واتساع مواضيعه والتلذذ بمعاني صوره المجيدة.
وأضافت أن المختار استخدم طوال تجربته بعض الاستعمالات والمقارنات ما بين الرؤية التشكيلية الخاصة، ووجدانية التعبير الأدبية.. مستشفيا من ذلك لنفسه خطا متميزا ونمطا متفردا في أسلوبه من خلال تقنياته الفنية التي تدعو المتلقي إلى محاولة اكتشاف أبعاد ومضامين اللوحات التي تحمل في طياتها أسرار ودلالات ورموز وألوان وإشارات لتمنحها عمقا تأريخيا عزيزا، وبريقا زاهيا لحاضرنا ومستقبلنا المشرق في توليف وتكوين رائع، فقد أستقى من ذلك ملامحه المتممة من جغرافية العراق، أرضه، هوائه، تربته.. مكانه وزمانه بشكل عام، مضيفا إليها مأساة وصمود أبناء العراق، من خلال سنين الحروب المتوالية والعدوان البغيض والدمار الشامل والحصار الظالم، لتنتهي بالطائفية وسخافتها.
وبينت أن المختار يقول عن عن تجربته “بقدر ما بالإمكان، بحثت في الأفكار، وتأملت الأشياء وما بين العرض والطول، وجدت المساحات، وأن لكل مساحة موضوعا، أو أكثر من موضوع، يتضمن أشكالا متشابهة أو مختلفة، ومن خلال الرؤية الخاصة بي، وجدت الدافع الذي اقترنت به الأشياء، ولكل شيء لغته الخاصة، المتعلقة بحدث، أما تفسير الحدث، قد لا يأتي متفقا مع الأشكال المباشرة للأشياء، فتحدث عملية التغيير، وإخراج الأشياء في ثوب آخر، سواء أكانت الأشياء مرئية أم ملموسة، أو قد تكون مجرد خيال”.
ويضيف “حين الانشغال بالمحيط الذي نبحث فيه، نجد أن ليس هناك شيء اسمه الفراغ، وعالمنا غير محدود، ينطلق من مركزية الإنسان والأرض، وعندما نريد أن نعبر عن هذا العالم، وباستقلالية شخصية، بدأت بنقطة، وأخذت أتابع خطاها ومسارها، فجاءت هذه الولادات، التي تشاهدونها، لوحات وأعمالا فنية تجاوزت زمن الحالة التي كنت أعيش في نقشها على مساحة بيضاء، بعد أن استمتعت بجوهر الأشياء، بعيدا عن الحياة التقليدية والرتابة”.