الكويت في شعر الوقيان … بقلم الباحثة / ريم محمود معروف
الكويت بلدٌ صغيرٌ بمساحته كبيرٌ بمبدعيه من الأدباء والشعراء والمثقفين الذين تباروا في التغني بحبه ، فكتبوا بأقلامهم أجمل الكلمات ورسموا بمخيلاتهم أروع الصور الشعرية التي أبرزت مكانة الكويت في قلوبهم وعقولهم ابتداءً بالنشيد الوطني الكويتي لشاعرنا أحمد العدواني الذي نجح في تجسيد أحاسيسه وأحسن اختيار ألفاظه وتراكبيه بدقه متناهية وعناية فائقة ، فكانت كلمات النشيد في 25 فبراير1978 واستمرت إلى يومنا هذا تصويراً لعواطفه ومشاعره الوجدانية :
وطني الكويت سلمت للمجد وعلى جبينك طالع السعد
يا مهد آباء الأولى كتبوا سفر الخلود فنادت الشهب
الله أكبر إنهم عرب طلعت كواكب جنة الخلد
مروراً بكلمات تلك الأغنية الرائعة والتي نالت شهرة واسعة ” بلادكم حلوة ” والتي قدمت من خلال مسرحية ” السندباد البحري ” تلك الكلمات لصاحبها الشاعر عبد الأمير عيسى والتي تفيض عشقاً وشوقاً وتغوص في أعماق القلب وتخترق الأحاسيس وتتجاوز الحدود :
بلادكم حلوة حلوة حلوة
بس الوطن ما له مثيل
لو عنّه سافرنا الشوق يرجعنا
حب الوطن غالي والعيشه فيه جنة
وليس انتهاءً بشاعرنا الدكتور خليفة الوقيان ، فالشعر هو لغة قلبه ومرآة نفسه وترجمة لإلهامه وخياله ، يبتغي به كمال الحياة وينشر به الجمال والخير ويبين به طرق السعادة ومواطنها .
فالشعر عنده حيّ لا يهرم لا يموت بل يزداد مع الزمن نضارة وتوهجاً وتطوراً فشعره هو عرضٌ لتأملاته وفلسفته في الحياة وموقفه من قضايا إنسانية وفكرية عامة ، فهو يدرك قيمة الأشياء ويصورها لنا صوراً جمالية تطربنا وتغذي خيالنا .
يعد الشاعر الوقيان من أبرز الشعراء الكويتيين ، فهو شاعر أثرى الساحة الأدبية الكويتية منذ عام 1966 إلى يومنا هذا ، فقد كان عصر الشاعر عصراً ثقافياً وفكرياً وأدبياً شهدته الكويت في تلك الفترة فقد ظهر بعد جيل الشعراء أحمد السقاف وأحمد العدواني ومحمد الفايز وعلي السبتي وخالد سعود الزيد ، فنال صيتاً في محافل الشعراء على المستويين المحلي والعربي حيث وليّ مركزاً قيادياً في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب وأميناً عاماً لرابطة الأدباء الكويتيين ،
ولا يزال عطاؤه مستمراً من خلال إبداعه ومن خلال نشاطاته في رابطة الأدباء في الكويت ، ومشاركاته العديدة في أبحاث ودورات مؤسسة البابطين الثقافية ، وترأسه وفود الأسابيع الثقافية الكويتية محلياً وعربياً ومشاركته في المؤتمرات ، وكتاباته في الصحف اليومية ومقالاته الأدبية والاجتماعية ذات المضامين في القضايا الإنسانية الهامة التي تتردد صداها في شعره فهو صاحب رأي مستنير وفكر راسخ سديد ، وقد حقق بكتاباته الشعرية والنثرية شهرة واسعة وحاز بآرائه إعجاب الكثيرين، وقد أشاد كثير من النقاد والأدباء العرب بشاعريته وبإبداعه الفني الذي جعله يقف في عداد أبرز شعراء الوطن العربي
فهو شاعرٌ عربي ُّ مطبوع متوقد ينفتح لكل ما حوله من دنيا الناس ودنيا الطبيعة فهو القائل معرفاً بنفسه ( بقصيدة إشارات من ديوانه مختارات خليفة الوقيان ) :
أنا شاعرٌ
لا أخبئُ في حضن بيتي َ
في نبض قلبي
في صدر طفلي
غير العروبة عشقاً قديماً
وهماً مقيماً
غير مكتفٍ بذلك فقد انطلق مع غيره من الشعراء الكويتيين مسجلاً ثورات إخوانه العرب التحررية – مسطراً بذلك أجمل عبارات الإجلال والتقدير لتلك الثورات الحرة ، داعياً إلى الوحدة العربية ، فكان بحثه الذي نال به درجة الماجستير ( القضايا العربية في الشعر الكويتي 1977 ) مصداقاً لذلك، إضافة إلى ديوانيه ( تحولات الأزمنة والخروج من الدائرة) .
فالناظر في معجمه الشعري يجده متغنياً حباً وشوقاً لكثير من المدن العربية ( بيروت ، صنعاء…إلخ ) أما فلسطين التي تربعت على عرش القضية العربية وعرش قصائد شاعرنا ،
وبذلك استحق بجدارة جائزة القدس من الاتحاد العام للكتّاب والأدباء العرب 4/2/2017 (شاعر القدس) ، فلما كان هذا تغنيه بالعواصم العربية ولم تغب في شعره فكيف بالكويت التي هي في قلبه وعقله ، فالكويت حاضرة ماثلة في ألفاظه وعباراته وصوره منذ أول قصيدة نظمها ،
فانطلق الشاعر مع زملائه الشعراء يسجلون مشاعرهم اتجاه الوطن وأبرز ما يمر به مجتمعهم ووطنهم من أحداث ، فكانت أولى قصائد الوقيان ” هزار الجهراء ” التي نشرت في مجلة الكويت في إبريل 1966 ، وجاء ديوانه ” المبحرون مع الرياح ” 1974 فقد آلم الشاعر أن يرى فئات من أبناء قومه غارقين ضائعين متخبطين تسرح في أشرعتهم الريح لا ينصاعون لحكم العقل ولا يأتلفون في سبيل الوطن فناداهم قائلاً في قصيدته( المبحرون مع الرياح من ديوانه الذي يحمل الاسم نفسه) :
الريحُ تسرحُ في شراعكُمُ غرباً وأبحرُ فيكمُ شَرقا
إنيّ سأرشقكم إذا حُرِقت أجفانُكُم بأزاهري رَشْقا
قلبي لكم في كل مفترقٍ زيتُ السراج بليلكم يشقى
أما قصيدته ( مذبحة الفواكه من ديوانه الخروج من الدائرة )هذه القصيدة التي كتبها الوقيان بعد حادثة تفجير المقاهي الشعبية بالكويت ، هذا الحدث الأليم الذي وقع في 11 يوليو 1985 والذي استهدف أرواح الأبرياء الذين اعتادوا قضاء عطلة نهاية الأسبوع مع عوائلهم في تلك المقاهي، صور تلك اللحظة الحاسمة التي يتوقف فيها كل شي وتأتي النهاية الأليمة المفزعة، فقال :
وفي لحظةٍ
توقّفَ في ظّلها كل شيءٍ
نداءُ المؤذّنِ
هدهدةُ الأم للطفل
عزفٌ لآنية الشاي
قرقرةُ ” القُدْو”
إلى قوله:
مُضرّجةً بالدماء
بأشلاءِ أطفال المراجيح
عاش الوقيان في أحضان الوطنية وتيارالحماسة الوطني الذي ذاب في كيان الجماعة فأخذ يطرح قضايا الإنسان الكويتي ،فنجده يعلن كغيره من الشعراء ويصورالواقع السياسي الذي مرت به الكويت بعد حل مجلس الأمة في 1986، والذي كان يمثل صوت الشعب فأخذ يصورالحاجة لعودة المجلس من خلال قصائد ذات دلالة رمزية ،فقال في قصيدته (زيارة من ديوان الخروج من الدائرة) :
تأتينَ
يا شمسَ الشتاءِ
بسمةً من السماء
باقةً من الضياء
ثرّة الحنانْ
فتعشبَ القفارُ
ترتدي حُليّها
فستانَها الجديدْ
لموعدٍ فريدْ
تورّدت من خَفَرٍ له شقائقُ الخدودْ
وعانق النوارُ في تدلُّه ثغورَ الأقحوانْ
يستمر الشاعر بتسجيله الأحداث التي يمر بها وطنه الحبيب الكويت، فنجده في قصيدته (هنيئاً لكم من ديوانه حصاد الريح ) التي كتبها إثر حادث اختطاف الطائرة الكويتية الجابرية الذي وقع في 5 ابريل 1988 فقال:
هنيئاً لكم أيها “المسلمونْ”
تكفّنتُم بدماء النفوسِ
التى حرّم الله أنْ تُقتلا
خطبتم هوى الحُور
في جنّبات النعيمْ
بمهرٍ عظيمْ
دموعِ الثكالى
ونوْح الأيامى
وحزنِ الصغير
انفعل الشاعر مع الأزمة السياسية التي تعرضت لها الكويت من جراء احتلال العراق في 2/8/1990 والذي استمر قرابة السبعة شهور، واهتز وجدانه لما عاناه وطنه وشعبه من مصاعب، فانطلقت كلماته تصور تلك المعاناة وتجسد فداحة ما حدث في حق وطنه في قصيدته ( برقيات كويتية من ديوانه حصاد الريح ) فقال :
أيها القادمون مع الليلِ
إن العروق التي نزفت
فوق رمل الكويتْ
لم يكن نبضها
غيرَ خَفْقِ العروبةِ
في كل بيتْ
ويمضي في قصائده ( نشيد لأطفال الكويت من ديوان حصاد الريح) قائلاً :
يا جحفلَ الظلامِ والدمارِ والمحنْ
يا مَنْ يروع الطير في أوكارها
ويسرق الطعام من منقارها
هل كنت تدري أيّ معنى للوطن ؟
وقد تحولت مشاعر الحزن واللوعة التي اكتوى بنارها إلى مشاعر فرح وبهجة إثر تحرير بلاده في 26/2/1991 ، بعد معاناة قاسية مريرة فتجسدت صورة الكويت المضيئة مرة أخرى في قلب الشاعر بعدما انقشع الظلام وزال الاحتلال، فالشعور بالتسامي على الجرح وألم العدوان بالثقة والعزم والتحدي والإصرارهو الوطن الجديد- الكويت الجديدة المحررة – فالكويت كانت وستبقى أرض الحب الكبير تنتصر فيها الحياة على كل ما يشوه جمالها ونضارتها، فكان “نشيد لأطفال الكويت” من ديوانه حصاد الريح مسك ختام الشاعر وفرحته بالنصر والعودة والتحرير:
نحن ابتسامةُ الكويت في الفرحْ
نحن أبناءُ الكويتْ
نحن أزهارُ الحديقهْ
نحن أنوارُ الحقيقهْ
أرضنا كانت وتبقى
دوحةَ الحبّ الكبيرْ
بلادُنا منارةُ الحضارهْ
وموطنُ الجمالِ والنضارهْ
سماؤها ملاعبُ الطير
وبحرها منابعُ الخير
والمجدُ للكويت يا رافعَ السماءْ
هذا الصدق الفني جعلنا أمام شاعر من الطراز الأول عرف أسرار الجمال الفني واللغوي والتصويري والموسيقي وقدرعليه فاستحق أن يُقدّر ويُكتب عنه .