الله يغير علينا … بقلم محمد حبيب المحميد
لله تبارك وتعالى سننه في خلقه ، ذكر منها العديد في القرآن الكريم ، ومنها سنة التغيير “إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ” (الرعد ١١) ، وهي سنة شرطية؛ يقف تحققها على تحقق شرطها ، وشرطها هو حديث هذا المقال ، في أن يكون الإنسان متحركًا دومًا نحو الأفضل ، سائرًا بدرب التكامل ، طموحًا إلى الكمال ، إلى أن يصل إلى موطنه ، فهو ابن الجنة ، وفيها تلبى طموحه ويقف مطمعه ، ومن هنا فلا قيمة للمثل الدارج على الألسن (الله لا يغير علينا) ، مهما كان الواقع ايجابيًا -إن كان ايجابيًا- وفي النهاية “وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى ، وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى” (النجم ٣٩ – ٤٠).
ونحن نعيش أعياد الكويت الوطنية نحتاج أن نراجع واقعنا بأريحية ، هل نحن بحاجة إلى شعار “الله لا يغير علينا” أم “لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” ؟ في قضايا الأمة الإسلامية وعلى رأسها فلسطين هل نحن نؤدي دورنا المطلوب حكومةً وشعبًا وهيئات مجتمع مدني؛ أم نعيش واقعًا طائفيًا في تبني القضايا الإقليمية والعالمية ، بعيدًا عن كل المعايير الإنسانية والإسلامية ، بل وبدأ البعض بإستيراد الأزمات ليعيشها صراعًا مع شركاءه في الوطن ، بدل أن يعيشها تنافسًا في البرامج والرؤى السياسية ، لذلك “الله يغير علينا” نحو تبني إنساني وإسلامي للقضايا الإقليمية والعالمية ، وأن تكون البوصلة فلسطين من البحر إلى النهر حيث يكمن عدو الأمة الحقيقي المحتل .
وطنيًا هل العمل المشترك مفعل بين هيئات المجتمع المدني بحيث تتنافس البرامج السياسية وتتكامل لخدمة الوطن؛ أم القطيعة هي السمة الأساسية في العلاقات إلا في حال حضور المصالح الضيقة ؟ هل ثقافة التسامح والتعدد وقبول الآخر ضمن إطار الدستور والقانون والدولة المدنية يسود ساحتنا؛ أم محاولة تطويع كل ذلك لتفسيرات فئوية تخدم مصالح هنا وهناك هو الواقع ؟ “الله يغير علينا” لتعزيز العمل الوطني المشترك بين القوى السياسية والإجتماعية من خلال نشر ثقافة التسامح وتهذيب الإختلاف ، وفق الدوائر والمحاور المشتركة للعيش والمصير المشترك ، فذلك وحده كفيل بدفع عجلة الإصلاح ومن ثم التنمية في البلد ، وإلا فكل المعالجات لملفات الفساد ترقيعية .
الحريات التي نص عليها الدستور الكويتي وكفلتها المواثيق العالمية ، وقبل ذلك خلقها الخالق تعالى في الإنسان ، في واقعنا المنفتح على العالم ، هل هي في تراجع أم في تقدم وتنظيم ؟ هل في تبني قضايا الحريات العامة هناك عدالة أم كل حزبٍ بما لديهم فرحون ؟ “الله يغير علينا” لمزيد من الحريات المنضبطة كما نص عليها الدستور الكويتي ، ولمزيد من العدالة في تبنيها وفق معايير إنسانية وإسلامية ، حتى وإن خالفت قناعاتنا ، فالحريات لا تفصل على القناعات ، بل اختلاف القناعات هو تنافس تكاملي ضمن اطار الحرية المنضبطة ، ويسهم في ثراء البحث العلمي والتجربة الديمقراطية والرفاه الإجتماعي للمواطن .
قضايانا المحلية والتي تحتاج كل مفردة منها مقالات بل أبحاث مشفوعة بتوصيات علمية وعملية لحلها وتطويرها ، كترشيد العمل السياسي من خلال اقرار قانون الأحزاب مع ضمانات عادلة تحفظ السلم الأهلي والتعددية السياسية ، لنقل التجربة الديمقراطية من العمل الفردي إلى العمل الجماعي المنظم وفق برامج تخدم المصلحة الوطنية ، ألسنا بحاجة أن نقول هنا “الله يغير علينا” ؟ وكذلك القضية الإسكانية ، وقضية غير محددي الجنسية وبقية القضايا الحقوقية ، والقضايا البيئية بكل مجالاتها ، والتربية والتعليم والتي هي حجر الأساس في مشروع “لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” ، أليس كل ذلك يدعونا أن نقول “الله يغير علينا” ونبدأ بتغيير أنفسنا ونسعى سعينا ، وننتظر وعد الله لنا وهو الحق ، والله لا يخلف الميعاد .
لست هنا أعدد السلبيات من باب التثبيط ، ولم اغفل ايجابيات الواقع -وهي موجودة بفضل الله- من باب التشاؤم ، بل هي نظرة إلى الواقع بشكل مجمل ، ودعوة وطنية في أعيادنا العزيزة؛ إلى الحركة والنهوض لتغيير الواقع ، أما السلبي فإلى الإيجابي ، وأما الإيجابي فإلى مزيد ومزيد ، ومن يطمع في كرم الله لا يخيب ، ومن توكل عليه في عمله يصيب ، ومن كان وفيًا عَمِلَ لرفعة وطنه الحبيب ، رب اجعل هذا البلد آمنًا ، وارزقنا من الثمرات ، وألهمنا الرشد