المرأة .. النصف المستخلف … بقلم محمد حبيب المحميد
حقيقة الإنسان في الفكر الإسلامي ليست ذلك البدن المادي ، بل هو عارض على الإنسان ، وآلة للإستهلاك الدنيوي ، وإنما حقيقته تلك النفخة الإلهية ” فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ” (الحجر29) وهذه الروح التي بها صار الإنسان إنسانًا ليست من سنخ الأشياء التي تقبل التأنيث أو التذكير ، وهي حامل القيم والمبادئ والفكر والدين ، فإذا كان هناك معيارًا للتفاضل بين أصحاب هذه الروح ، يكون بمقدار حملها للقيم والمبادئ والفكر والدين .
لذا الشارع الأقدس جعل معيار التفاضل بين البشر هو ” إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ” (الحجرات 13) ، وحكم الله تعالى في سورة العصر على جنس الإنسان بالخسران إلا من حمل منهم دينه وقيمه وعمل صالحًا ” وَالْعَصْرِ ، إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ، ِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر ” ، أما التفاضل الجنسي بين الذكر والأنثى فليس له موضوع بالأصل ، فإن هذا التقسيم في الخلق هو تقسيم تكاملي ، ليمارس كل جنس دوره في الحياة ، أما المراتب العليا فتُنال بالعلم والعمل إن أردنا منطق القرآن والإرث المحمدي .
لذا فإن البحث في التفاضل والتساوي والتفاوت في المرتبة والمقام بين الجنسين ، بات بحثًا عبثيًا بعد أن طرح القرآن الكريم نظريته لأصالة الروح في الإنسان ، وصار لزامًا على الباحث أن يفتش عن القيم والمبادئ والتكاليف المنوطة بالإنسان كإنسان ، وبالتكاليف المخصوصة في كل جنس ، بحثًا يفتش في الأدوار المتبادلة نحو التكامل البشري الذي يسمو على التقسيم ، فالمرأة هي النصف الآخر المستخلف على الأرض من قبل الله تبارك وتعالى ، ولها أدوارها كما لها حقوقها طبق لخصائصها .
المشرع الأقدس هو الحكيم المطلق في تشريعاته ، فلا معنى للاعتراض على التفاصيل التي شرعها على المرأة وكذلك على الرجل ، نعم البحث العلمي في التشريع وحكمته وخضوعه للثابت والمتغير ، هو مطلوبٌ ومُمارس في الحواضر العلمية ، التي تخضع لقواعد فهم النصوص وتأويلها ، ومعرفة الثابت فيها والمتغير ، وهذا أمر تخصصي علمي غير متاح إلا لأهله كما في أي اختصاص ، أما الحديث المزاجي الخاضع للأهواء أو المنهزم لثقافات أخرى ، ففي الواقع العلمي لا قيمة له سوى الصفر وما دونه ، حتى وإن تسمى بمسميات جميلة كالعقلانية ، وهو عادة ما ينطبق عليه القول المنسوب لأبو حامد الغزالي “من لم يفرق بين ما يحيله العقل ، وبين ما لا يناله العقل ، فهو أخس من أن يُخاطب ، فيُترك وجهله” .
الإنسان في الفكر الإسلامي مخلوقُ مكلف ، له حقوقٌ تعينه على الواجبات ، وله واجبات تمنحه حقوق ، ولسمو مكانته إذ هو في جوهره تلك النفخة الإلهية ، كان هو بالنوع خليفة الله تعالى ، ويشترك في هذا التكليف وهذه الخلافة الذكر والأنثى معًا ، لذا كان الخطاب الإلهي الموجه للذكر والأنثى بصريح اللفظ قد فاق الخمسين موضع ، والخطاب الموجه للإنسان كإنسان بغض النظر عن جنسه بنداء (الذين آمنوا) فاق السبعين موضع إلا ما خُصص بالقرينة ، ولله تعالى في كتابه العزيز أمثال يضربها للناس ، وكان من ضمن تلك الأمثال مثل للذين آمنوا سيدتين جليلتين آسيا بنت مزاحم ومريم بنت عمران (عليهما السلام) ” وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ، وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ” (التحريم 11 ، 12) .
يقول الفيلسوف السيد محمد باقر الصدر أن ” مشكلة العالم التي تملأ فكر الإنسانية اليوم وتمسُّ واقعها بالصميم هي : مشكلة النظام الاجتماعي ، التي تتلخّص في محاولة إعطاء أصدق إجابة عن السؤال الآتي : ما هو النظام الذي يصلح للإنسانية ، وتسعد به في حياتها الاجتماعية ؟” وقد أجاب الدين الإلهي على هذا السؤال بنظريته الاجتماعية ، وليس المحل هنا في استعراض هذا النظام ومناقشات نظائره ، بل في ما هو المشترك في أدوار المرأة والرجل في هذا النظام الاجتماعي ، بما فيه من تفريعات سياسية واقتصادية .
وفي هذا السياق وضع الخطاب الإلهي المرأة في صف الرجل ” وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ” (سورة التوبة – آية9) فلها ولاية اجتماعية تأمر بها عن المعروف وتنهى بها عن المنكر ، ويطيعون الرسول (صلى الله عليه وآله) كناطق عن الله تعالى ، وكقائد لهذه الأمة والمجتمع ، ومسألة فرض الزكاة هي إنما كذلك تشير إلى استقلالية المرأة في الملكية ، وإلا لما فرض عليها ما فرض على الرجل في الأموال ، وهذا بيان واضح لحقوقها الاقتصادية وواجبتها مقابل تلك الحقوق ، أما التفصيلات الشرعية فموكوله كما أشرنا لحواضرها العلمية