المصالح تقتضى عالم متعدد الأقطاب.. بقلم الشيخة حصة الحمود السالم الصباح
” فى السياسة ليس هناك عدو دائم أو صديق دائم ! .. هناك مصالح دائمة “… هذه المقولة السياسية الشهيرة سواء اتفقنا أو اختلفنا حول مدى صحتها ولكن تبقى حقيقة ثابتة منذ فجر التاريخ ، فالإنسان دائمًا وأبدًا يبحث أولاً عن ما يؤمّن له بقاءه وأمنه ورخاء عيشه ثم يرتب بعدها أولوياته بما تقتضيه أيضًا مصلحته ولن يُؤْثِر مصلحة الآخرين عليه إلا فى مخيلة الحالمين بالمدينة الأفلاطونية الفاضلة أو منشورات الحكم والمواعظ فى العالم الافتراضى على شبكات الإنترنت.
لذلك أصبحنا واقعيًا نعيش فى عالم لم ولن يعترف بالمثالية خاصة فى السياسة والاقتصاد نظرًا لسرعة الأحداث وتقلبها وما يتبعها من تقلب المواقف وفقًا لما يقتضيه الظرف الراهن من الحسابات المعقدة والمتقاطعة .
لقد جاء قرار منظمة ” أوبك بلس” بخفض إنتاج النفط بمقدار ٢ مليون برميل يوميًا هو تعبير حقيقى لما سبق ذكره فى مقدمة المقال ، وهو القرار الذى تعتبره الإدارة الأمريكية دعمًا من دول المنظمة لروسيا فى الحرب الأوكرانية بل واعتبره أعضاء فى الكونجرس الأمريكى عملا عدائيًا ضد الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين ، إلا أن ممثلى دول منظمة الأوبك يرون فى هذا القرار خطوة استباقية لتأمين سعر النفط وخلق توازن بين العرض والطلب فى ظل توقعات بالركود الاقتصادى المحتمل فى العام القادم على أقل تقدير .
ولكن يرى بعض المحللين أن القرار له بعد سياسى آخر وهو أن دول الأوبك تريد إضعاف موقف إدارة بايدن وحزبه الديموقراطى قبل الانتخابات النصفية للكونجرس وتقوية جبهة الجمهوريين وأيضا إنهاء هيمنة أمريكا والنظام العالمى ذو القطب الواحد وخلق نظام عالمى جديد متعدد الأقطاب تُراعى فيه لعبة توازن المصالح ، ويبرز فى هذه الأحداث موقف المملكة العربية السعودية والتى اتهمتها الإدارة الأمريكية صراحة بالإنحياز للموقف الروسى وبالغ بعض أعضاء الكونجرس فى رد الفعل بضرورة سحب القوات الأمريكية من الشرق الأوسط ووقف صفقات التسليح للمملكة العربية السعودية ، ولكن الوضع الحالى يؤكد أن المملكة وأشقاءها من دول الخليج وأعضاء منظمة الأوبك لن يلتفتوا كثيرًا لصياح إدارة بايدن وتهديداتهم ، وخاصة أن السعودية والإمارات أصبحا يتمتعا بثقل دولى ونفوذ سياسى واقتصادى لا يستهان به ومصدر قوة لمن يتحالف معهما وأصبحت منطقة الخليج هى المنطقة الجغرافية الأهم ، وأثناء كتابة هذا المقال يقوم رئيس دولة الإمارات سمو الشيخ محمد بن زايد بزيارة إلى موسكو للتباحث مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين لمحاولة التوصل لحل سياسى فى الأزمة الأوكرانية يجنب العالم كوارث الحروب ، وأيضًا هناك جهود دبلوماسية قطرية فى نفس الشأن .
والسؤال الموجه للجبهة الداخلية فى وطنى العزيز الكويت والمتصارعين والمنقسمين حول مجلس الأمة ، إلى متى سنظل غارقين فى مشاكلنا الداخلية وأشقاءنا يصنعون التاريخ على المستوى العالمى ؟! ماذا جنينا من مناخ الديموقراطية والحرية إن كنا نسئ استغلالها بهذا الشكل الذى يؤخرنا كثيرًا ولا يقدمنا خطوة واحدة للاستقرار؟! ومتى نوحد جبهتنا ونعلى مصلحة الوطن لكى نعيد الكويت لمكانتها المرموقة على المستويين الإقليمى والعالمى ككيان فاعل فى مسرح السياسة الدولية بما يليق بظروف المرحلة الراهنة ؟!!
أشقاءنا فى مملكة البحرين وسلطنة عمان يعملون فى صمت لنهضة أوطانهم ، وقطر ستنظم كأس العالم الشهر المقبل كأول دولة عربية وإسلامية تنظم هذا الحدث الكبير ،أكثر دول العالم الآن توحد جبهتها الداخلية من أجل تحالفات إقليمية ودولية تمهيدًا لتحديات مستقلبية سياسية واقتصادية .
لطالما دافعنا عن الحرية
والديموقراطية فى مقالاتنا ولكن إن كانت الحرية بهذا الشكل الذى تتقدم فيه المصالح القبلية والحزبية والطائفية على مصلحة الوطن وعموم الشعب الكويتى فلتذهب هذه الديموقراطية غير مأسوف عليها لكى تخلو الساحة من الانتهازيين ، نتمنى عودة الكويت إلى مسارها الطبيعى المعروف فى هذه المرحلة التاريخية الدقيقة .
وفى ختام مقالنا هذا نتوجه بالدعاء إلى المولى عز وجل بأن يمتع بموفور الصحة والعافية والدنا حضرة صاحب السمو الشيخ نواف الأحمد الصباح أمير البلاد وولى عهده الأمين صاحب السمو الشيخ مشعل الأحمد الصباح حفظهما الله ورعاهما وأن يعينهما على ولاية أمرنا وقيادة سفينة الوطن إلى بر الأمان وأن يرزقنا سبل الهداية والرشاد .