أهم الأخبارالأسبوعية
الوعىّ بوابة الجحيم.. أكثر السعداء هم الحمقىَ …بقلم نفين عباس
ما الذى يميزنا عن غيرنا؟
سؤال حاولت التفتيش عن إجابه له لكننى لم أتوصل لإجابة شافية.. فكل واحد منا يرى نفسه أفضل من غيره
ولكن من منا تراه الدنيا أفضل لتعطيه ما يستحق ويتمنى..
أتعلمون يا أصدقائى.. أن الدنيا تقتل الطيبون بلطف شديد وبطريقة منمقة تجعلهم يتعفنون مللاً فى إنتظار الموت!
لكن بالنهاية.. لماذا جئنا؟ ولماذا نعيش؟ وماذا بعد الموت؟
فى الحياة نلتقى بأناس يترك كل واحد منهم بداخلنا علامة، قد تكون فى البداية علامة جيدة، مبشرة بقدوم حياة أفضل، ثم تتحول لندبة غائرة داخل قلوبنا لا مناص منها
الوعى بوابة الجحيم على أصحابه، فالشخص الذى يعىّ جيداً ما يدور حوله قد حكم على نفسه بالتعاسة الأبدية حتى ينتهى من رحلته الكئيبة فى الحياة أو يُنهيها!
يقولون أن البكاء بعد صمت طويل يدل على قوة الشخصية.. إذاً، هل البكاء ضعف أم قوة! وهل الدموع ستريح أصحابها عندما يشاهدون أنفسهم فى مرآة الحقيقة مختلفين تماماً عن ذى قبل
الدنيا تكسرنا جميعاً بطرق مختلفة وأشكال متنوعة، كل الأوجاع لا يحاسب عليها الأخرون، فهى بالنهاية أوجاع الدنيا
إنها تقتلنا ببطئ شديد.. ترسل جنودها لتعجيل النهاية.. مهما بلغت درجة الوجيعة والمرار سيبقى الإنسان صامتاً حتى يصل لمرحلة التأقلم على الوجع، فلا يكترث بعدها بما يدور حوله، لقد نجحت الدنيا بالفعل فى قتله حتى فى أحلك الظروف
من غير العادل أن لا يتقاسم الظالمون الظلم والمتجبرين الألم، فالدنيا غير عادلة بما يكفى لتوجع من أوجعونا، إنها تهدى أحلامنا التى سعينا لتحقيقها لأخرين أقرب منا وأفضل منزله
بالرغم من أنهم لا يستحقون ذلك فى كثير من الأوقات، إلا أنها تهديهم أحلامنا فقط لتُوجعنا..
أنا لا أملك إجابة عن هدف الحياة من ذلك، فقد أكون أنا وغيرى أهدت الحياة أحلامنا عشرات المرات أمام أعيننا لأخرين دون أن نحرك ساكن
قد لا أروق للبعض فى الحياة فقط لأننى لا أشبههم، لكننى فى كل الأحوال تيقنت بأن أفضل ما أعطيه لنفسى هو الإنعزال فى تلك الفترة
كثرة الضغط تولد الإنفجار، ومع الضغوط المتتالية نفقد بريق أعيننا وقدرتنا على التخيل شيئاً فشيئ
فى لحظة تشعر بأنك غير مرئى فى تلك الدنيا، أو إنك متهم لا يحق له الدفاع عن نفسه، أو كمن يحمل مفتاح للسعادة لا يجد بابه
قد أُنعت بما ليس فىّ وأحزن، لكن “وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ”، فبقدر كرهى لذلك النعت، إلا أنه قد رفع من قدرى، جعلنى أرى الأمور أكثر وضوحاً، أصبحت أكثر نضجاً
أصبح الجميع بالنسبة لى أكثر لطفاً وتهذيباً حتى وهم يهزؤون بى، أنا لا أقلل من شأنهم.. لكننى أرى أنهم يجهلون الحقيقة، فالسعداء هم الحمقى، أما التعساء فهم أمثالى الأكثر وعياً وإدراك، ما أصعب الإدراك على من يعرف الحقيقة وحده، إنه شخص شديد الحزن والعزلة والوحدة، يقرر الذهاب فى رحلة طويلة لا يعرف منها أى محطة يجب عليه التوقف فيها
فى الماضى تألمت كثيراً لدرجة أننى تخدرت من شدة الألم، كنت أعتقد حينها أن السرير الأبيض يمكن أن يميز حزنى، لكننى بدوت مضحكة أمام نفسى حينما أدركت أن السرير الأبيض حمل الكثير من المتعبين والمهمومين قبلى ولم يفرق بين أوجاع أى واحد منهم
بقدر تعمقنا فى الحياة بقدر ما تأتينا الأوجاع محملة بالحقيقة، ما أجمل أن تعيش أحمق متشابه مع غيرك فى الحماقة، فعزة النفس والتفتيش عن الحقائق يجعلك أكثر أهل الأرض إدراكاً وتعاسة، أما الحماقة لا تبنى منك سوى شخص أحمق لا مبالى شديد الهدوء والطمأنينة والسعادة
الواعى شخص جاهل تماماً بنفسه، لا يعلم حقيقة حالته، لقد إستسلم لتعاسة سيطرت عليه بالكامل، فالحقيقة أقوى من أن نكون أقوياء عليها!
لا محيد عن أنك سترى أشياء جَمة عن الأخرين تجعلك ترى نفسك مختلفاً وغريباً فى نفس الوقت، ستشعر أنها تجتاح كل جوارحك حتى تصل لدرجة اللا وعى التى تجعلك لا تلاحظ وجود أى أحد حولك
ستجلى الكثير من التفاصيل الصغيرة فى حياتك، كالتفكير فى المستقبل أو حظك العاثر أو دورك فى الحياة، ستستوى جميع الأمور فى عينك، ستصبح غير معنياً بأى شيئ، وقتها سترسل نظرك لبعيد لتجد كل المصابيح مطفئة، ستشعر حينها براحة لم تعهدها من قبل، فالإضاءة ستظهر أمام الأخرين ملامحك الحزينة التى أردت أن تخبئها عن الجميع
سيتحدث حولك الحمقى بأمور مثيرة تراها أنت مملة، سيضحكون ساخرين لكنك لست معنياً، ستستولى عليهم الحماسة لكنك لا تكترث، ستجلس لجوارهم طوال الليل لكنك لا تنصت إليهم أو تسمعهم، ستفضل القراءة بالنهار، لأن الليل موحش كثيراً للوحديين، أفكار النهار لا تتساوى مع أفكار الليل فهى سريعاً ما تتلاشى وتمر مع رغبتك فى أن تسهر الليل وحيداً
بالرغم من أن الواعى لا يشعر بأى شيئ حوله، إلا أن بإستطاعته تمييز الألم، ذلك الألم الذى ينقله لعالم أخر يجعل الموتى يجلسون لجواره يشاركونه كافة أموره، إنها القوة التى تجعلنا نقرر الإنتقال للأحلام التى لا تتحقق إلا بصعوبة
قد يسخر البعض ويرى أنه مجرد حلم سخيف، لكنه الحلم الذى أظهر الحقيقة الوحيدة فى الدنيا، وطالما عرف الإنسان الحقيقة الأزلية فما أهمية ما فعله إذاً فى السابق! الحياة التى يتسابق عليها الجميع ويعلىّ من شأنها يستطيع الإنسان أن ينهيها بطلقة
فى البداية قد تحاط بظلمة شديدة، لكن الحقيقة أفضل لك ألف مرة من السقوط الشاهق والمتكرر فى دوامة الأحلام التى لا تتحقق بين الحمقى وتستيقظ عليها لتجد نفسك بالنهاية دائماً ممتثلاً فى نفس مكانك
قليلون فقط بإستطاعتهم إجتياز الماضى دون حمل الكثير من ذكرياته، فالوعى يظهر الصورة الكاملة من الوهلة الأولى، ويجعلك تقبل الأمور دون إعتراض، لأنك ببساطة حصلت على الإجابات التى تفتش عنها بين السطور حتى وإن أضطررت بأن تعيش بين الناس بقلب لا يخلو من الأحزان
الشجاعة الواعية سريعاً ما تتحطم أمام جدار الواقع الأحمق الممتلئ بالقيود، إنه إحساس مميت كشخص دفن حياً والجميع أمامه لا يحرك ساكن..
تظل فيه بعد دفنك وحيداً لا تستطيع الحركة أو النجاة، لا تشعر بشيئ ولا تنتظر شيئ، لا يهم بعدها كم عدد الساعات أو حتى الأيام والسنوات التى قضيتها وأنت وحيداً، كل ما يحدث حولك ليس إنتقام منك، لكنه عقاب من الدنيا على وعيك فى زمن كثر فيه الجبناء والحمقى
الصورة الحقيقية التى يستحقها كل منا فى عالم مليئ بالصراعات والشر تجعله مع مرور الوقت شخص إنطوائى غريب الأطوار، فى البداية يكون شجاعاً حتى أمام الموت نفسه ثم يزداد الظلام فى قلبه كلما كثر وعيه ليأتى للموت مرة أخرى لكنه ضعيفاً مهزوز الكيان
قد يدمر كل واحد منا فى رحلته، لكنه حتماً لم يهزم، فقد مكثنا طويلاً فى جبهتنا ندافع عن أحلامنا، إختلاف ملامحنا ما هو إلا نتاج للشر الذى يحيط بنا، فكل شر بداخلنا بدأ ببراءة، كالبحر الزمردى والأشجار الباسقة الخضراء وزغاريد الطيور التى تحولت إلى عواصف ورياح خريف ونعيق غربان
رسالتى إلى كل واعى.. أحتضن الشمس قبل أن يحل الظلام، أترك الهدوء والتعمق للأكثر بئساً وتشتتا منك، إغفر قبل فوات الأوان، إعتبر أن كل ما تسمعه ما هو إلا رنين نغمات من السعادة التى لا تلطخها الخطيئة أو الشر، إنتقل بين البشر وكأنك تعيش فى الجنة، إضحك ككثير ممن يضحكون حولك حتى وإن إرتكبوا آثام لا تغفر أو تنسى، أن لا تعرف كل الأشياء هو نعيم الدنيا فلا تلقى بنفسك إلا التهلكة