انتحار “فاطمة” … بقلم : رباب عبيد
انه يوم صحفي جديد من حياتي , لربما كان موفقا بالنسبة لي لتمكنى من الحصول على التصريحات الصحفية وإكمال بعض التحقيقات الخاصة , وكوننا نعيش تفاصيل الحياة بحلوها ومرها …فلابد ان تجتمع كأعلامي والموت مرات ومرات اما من خلال عملك كصحفي ,او ورود أخبار عاجلة تفيد بانفجار في مكان ما وقد يترأس الخبر عنوان عريض ومانشيت مؤلم ” انفجار يسفر عن قتل 400 الى … ” او ” أكثر من 250 طفل وامرأة قضوا في غارات وهكذا ” لربما نتحدث هنا عن قتلى وضريبة حرب بين دول اقليمية وعالمية يدفع بها الابرياء حياتهم وقودا لإشعال الحروب .
ومؤخرا وفي البؤر الجغرافية الملتهبة بالحروب , ورد الكثير من الأخبار ان هناك الكثير من الفتيات العذروات اللاتى نفقن بانتحار من اعلى سطح البناية او متن بتناول السم القاتل خوفا من فقدان عذريتهن مبكرا وذلك للوحشية الانسانية التي ترسخ في أذهان المحاربين عبر الزمان والمكان , ان النساء والقاصرات من غنائم الحروب وحق مشروع متناسين التشريعات السماوية في ذلك , ولا أعنى بالسطرين ا لآنفين توجها معينا ولكن تسليط الضوء على شريحة مهمة وبنية تحتية للمجتمعات والأكثر استهدافا النساء والأطفال للقتل والتنكيل والتشريد جدير بالبحث فهم يدفعون ثمن قاعدة الأبرياء حصاد الحروب .
ولكن جاء ” انتحار فاطمة وموتها ” بشكل مختلف فالمكان “أمن وأمان” والعدالة الآلهية والاجتماعية في الكويت قائمة والأسرة من هذا الزمان والبيوت أسرار فلماذا الانتحار ؟ , اليوم الاثنين .. رجعت يومها الى المنزل بعد يوم من العمل الصحفي الشاق وبتمام الساعة الخامسة عصرا , بدأت التصفح عل جهاز كمبيوتري الخاص لمواقع التواصل الاجتماعي وإذا بي أجد خبرا مؤلما ” عاجل انتحار فتاة مصرية في منطقة المهبولة تبلغ من العمر 14 عاما ” آلمني الخبر لا لانى لم أقرأ الأخبار المؤلمة سابقا ولم أعمل على نشرها بعد صياغتها ولكن لأسباب عدة “اولها “انها الساعة الخامسة لم تمضي 3 ساعات على رجوعها من المدرسة كان لابد لفاطمة أنها تعكف على دراستها الآن استعدادا لامتحاناتها القصيرة المقبلة , انا أتصدى اليوم بمقالتي هذه ” لمعالجة خبر انتحار فاطمة وغيرها اعلاميا ” لأسباب شخصية واعتبارية مهنية وإنسانية , لأن ” المنتحرة فاطمة لم تنتحر ولكني أراها قتلت على حد رأيي الشخصي , كأم وإعلامية وعضوة في مبادرة رائدات السلام تلك المبادرة النسائية التى انطلقت من الكويت منذ أشهر الى كل العالم , والتي تعنى بالمرأة ودورها في السلم والحرب – القرار 1325, كما أنى تطوعت للعمل مع حملة “أحميني” الشبابية الكويتية , والتى تعنى بمناهضة العنف ضد الأطفال … وليس هذا فقط بل لأن ” فاطمة ” أعرفها شخصيا عن بعد فهى طالبة لم تتخرج من المرحلة المتوسطة الى الآن , رأيتها مرتين خلال حضوري لمدرسة أبنتي والتى تكبرها بسنوات , مرة لأخذ لابنتي ورقة طبية وذلك منذ عام تقريبا .. ومرة أخرى للحصول على أذن دخول للفصل لان يومها تأخرت كريمتي عن موعد طابور الصباح ورأيت ” فاطمة ” والتي بخبر انتحارها أعطت عناوين كثيرة لن يفهم حقيقتها الا ” المرحومة الطفلة فاطمة ” رأيتها ولن انسى ” ابتسامتها الجميلة , حينها لم تدرك ان بعد عام ستعلن المواقع الالكترونية خبر وفاتها تحت “مانشيت” فتاة مصرية في الرابعة عشر تنتحر من الدور الرابع اعلى البناية وسط ذهول أخوها وأختها ” ولم ينتهي .
بضعة أسئلة تطرح نفسها ما الداعي لانتحار ” فاطمة ” وهي طفلة مازالت تكبر … وكيف استطاعت أن ترمي بنفسها من الأعلى , وهل رأت رصيف الشارع مسبحا يمتلئ بزرقة مياهه , ولو قلنا انها الفتاة الحديدية الم تخاف من ان يرتطم جسدها الممشوق رصيف الشارع , ام انها ضحية ” القهر الاجتماعي والفراغ العاطفي الأسري , والنرجسية التي يتمتع بها الذكور في أغلب أسرنا العربية والمستقبل مجهول بين هذا وذاك وكله مازال يغفو على وسادات بناتنا , اما لخوف من الغد او خوف من الآت , يا هل ترى ؟ انتحرت أم قتلت ؟ ولماذا … تضاربت الأقوال بين الاعلام الذي أعتبرها منتحرة وأقاويل مختلفة بأنها ” رمت بنفسها ألما من ضرب جلادها … هاربة لأحضان الموت من ألم الجسد , ولكن من سيحاكم جلادها ومن سيحاكم من أعطاه السوط لجلدها ولو بالتعنيف اللفظي وليس الجسدي , انها الحقيقة يبدو اننا سنعود لظاهرة ” وأد البنات ” عبر أساليب عصرية , ومهما كان السبب وكان الداعي لضربها او تأديبها فلابد ان ألم التأديب كان أقوى وأشد من السفر الطويل الى عالم الآخرة …. انتحار فاطمة وغيرها بسبب القهر الاجتماعي والغياب العاطفي والاحتضان الأسري الحقيقي التي تعاني منه الكثير من الفتيات بسبب عدم تفهم الأهل لرغبات بناتهن في سن حرجة يؤدي الى الضياع في عالم تتلاقفه أمواج الرذيلة والفساد والجنس والمغريات والمنتشر على مرأى وبتصفيق حار من قبل الاعلام ووسائله وقنواته الاباحية الحديثة وأفلام ” سي السيد ” القديمة في غياب التوجيه الأسري والديني والعرفي للأدوار الأسرية التى تقع على عاتق كل فرد في الأسرة وللعادات والتقاليد ” ومهما بلغت عصبيتنا العربية والشرقية ” فهل نقتل بناتنا بأيدينا ” انها نهاية العالم وإقبال الآخرة بالفعل .
ودعونا نتساءل ما دور المدرسة بعد هذه الحادثة الآليمة , بكل تأكيد الصدمة كبيرة ولن تنسى ” فاطمة ” ومقعدها الدراسي وضحكتها ووقفتها في باحة المدرسة , وصوتها في الفصل ومازالت صديقاتها يبكينها …
من المفروض ان تعقد الندوات الترشيدية للأهالي والطالبات اللاتى عاصرن ” فاطمة ” وحياتها بكل تفاصيلها ولعموم الطالبات في المدرسة والمدارس الثانوية والمتوسطة بشكل عام ندوات توعوية , وحقوق وواجبات الأهل و حول حقوق الفتاة في الدين والدستور , اضافة الى بث الرسائل التوعوية في أهمية احترام ثقافة الحوار بين أفراد الأسرة والتعبير عن الرأي بشكل صريح بدون قيود وباحترام متبادل في ظل الإنصات الواعي ومعرفة البعد من طرح الفتاة لاى موضوع تريده والتأكيد على أهمية الاحتضان الأسري العاطفي ,,, ان اعداد الفتاة الصالحة لأسرتها ومجتمعها والتي تتمتع باستقلالية الفكر واتخاذ القرار وفق الضوابط الدينية والاجتماعية , امر ضروري وذلك عبر ادماجها بأجواء ايجابية من الملتقيات والندوات والترفيه النفسي لها ودعوة المختصين النفسيين لمعالجة الضغوط النفسية للطالبات داخل المدارس والوقوف على اسبابها , ومحاسبة المقصرين من الأهل والقائمين على العملية التربوية بالتعنيف الجسدي واللفظي.
فاطمة قتلت ولم تنتحر ان لم تقتلها اليد فقد قتلها غياب الاحتضان الآسري العاطفي والتوعية التربوية المدرسية …الفتاة هى ماضي وحاضر المستقبل ..
الأم مدرسة ان اعددتها … أعددت شعبا طيب الأعراق
للمراسلة على :
Email:[email protected]
الله يرحمها
كلام صحيح وواقعي في عصرنا الحالي ✋☺️