انطلاقة الرشد …بقلم محمد حبيب المحميد
الفكر الإستراتيجي في إدارة الدولة ومؤسساتها هو اليوم ما يميز الدول المتقدمة عن غيرها ، إذ تحتاج الدول إلى خطط استراتيجية شاملة تصنع على يد خبراء ومختصين كلٌ في دولته ، لدراسة مكامن القوة واستثمارها ومواطن الضعف وتحويلها إلى فرص وإلحاقها بمكامن القوة ، وتربط هذه الإستراتيجيات بطبيعتها بميزانيات الدولة فتسهم في ترشيدها عبر صرفها في مواردها المثمرة والمنتجة بدل الهدر العبثي في مشاريع متبعثرة ، فالخطة الإستراتيجية منظومة شاملة مترابطة بعضها البعض لإدارة الدولة نحو الهدف المرسوم بالخطة ، لتكون مؤسسات الدولة متوازية ومترابطة في عملها .
وتخضع مثل هذه الخطة سواء كانت للدولة أو المؤسسات إلى تقييم لما سبق لتقويم ما يأتي ، لتكون الخطة حيةً على أرض الواقع ، وتحاكي المستجدات وتعطي مرونة للمشرفين عليها وللمؤسسات العاملة ضمنها ، والمؤسسة التعليمية هي إحدى مؤسسات الدولة التي ينبغي أن تكون إستراتيجية التخطيط ضمن إطار الخطة الإستراتيجية للدولة ، لتكون هناك ملائمة بين مخرجات هذه المؤسسة وبين حاجات سوق العمل على المدى الزمني لهذه الخطة الإستراتيجية الشاملة للدولة التي بطبيعتها ستحدد ما تحتاجه الدولة في سوق العمل للمستقبل وبالتالي تنظم عملية مخرجات التعليم .
يعتمد تطوير العملية التربوية والتعليمية في جميع جوانبها على ارتباطها برؤية استراتيجية شاملة للدولة ، فالتربية والتعليم عملية هدفية لبناء الإنسان أما كيفية البناء فتحدده معطيات الخطة الإستراتيجية للدولة وما ترمي إليه من نتائج ، وبذلك تمكن المسؤلين من سد الفجوة بين مخرجات التعليم وحاجات سوق العمل الناتجة عن العشوائية في هذه المخرجات ، وإن كانت الفائدة متحققة ذاتيًا للإنسان بتحصيل العلم ولكن زكاة العلم بعطاءه ونفعه للمجتمع ، وهذه الفائدة تتحقق في عطاءه لما يحتاجه المجتمع .
ملائمة مخرجات التعليم لحاجات سوق العمل مهمة جدًا في حل مشكلات تعتبر تقليدية في الكويت ، كمشكلة البطالة الناتجة عن عدم حاجة سوق العمل للكثير من مخرجات التعليم ، ومشكلة نقص الأيدي العاملة الناتجة عن عدم توافر مخرج تعليمي مناسب لسد النقص ، ومشكلة الإعتماد الكبير على العمالة الوافدة الناتجة عن نقص المخرجات التعليمية لسد حاجات سوق العمل ، وما هذه الإشكالات إلا نتيجة حتمية للعشوائية في العملية التعليمية التي لابد من تنظيمها لآثارها الوخيمة على المجتمع بمجالاته ، فمشكلتي البطالة والإعتماد الكبير على العمالة الوافدة تعتبر مشاكل متشعبة تورث الدولة والمجتمع مشاكل أخرى من الناحية الإجتماعية والسياسية والإقتصادية ، ومشكلة النقص في سوق العمل تعتبر من أهم العراقيل أمام تطور الإقتصاد الوطني .
ومن هنا فربط مخرجات التعليم بحاجات سوق العمل يعتبر اليوم نقطة الإنطلاق لإصلاح العملية التربوية والتعليمية لأنه سيوجه سياسيات المؤسسة التعليمية منذ البداية في مناهجها وطرائقها ، إلى التعليم الجامعي والتطبيقي ، وهو نقطة المفصل في عملية الربط ، ولذا ينبغي أن يكون القائمين على التعليم الجامعي والتطبيقي على إطلاع كامل بحاجات سوق العمل لتكون على إثره سياسة القبول والتوزيع على الكليات والتخصصات والإبتعاث