بندر بن سلطان يكشف تفاصيل الرحلة الأخيرة للأسد إلى السعودية
روى رئیس الاستخبارات السعودية السابق وسفیر المملكة الأسبق لدى واشنطن الأمیر بندر بن سلطان، تفاصیل مثیرة حول واقعة اغتیال رئیس الوزراء اللبناني رفیق الحريري، وعلاقة الأخیر المتوترة مع الرئیس السوري بشار الأسد.
أوضح الأمیر بندر في سلسلة مقابلاته مع «إندبندنت عربیة»، أن بشار بدأ بعد تولیه رئاسة سوريا في القیام بتصرفات غريبة، أبرزها زيارة إيران، وحدوث تحركات غريبة لسوريا في لبنان، كما أن العلاقة القديمة بین بشار والحريري كان بها الكثیر مما يحمله بشار في صدره. وسرد الأمیر بندر قصة حدثت عام 2002، حیث عقدت القمة العربیة في بیروت، قائلا: «وصلتنا معلومات حول إمكان تنفیذ عمل إرهابي يستهدف طائرة الملك عبدالله ولي العهد آنذاك، خاصة أن الضاحیة الجنوبیة، منطقة حزب الله تمتد حدودها حتى سور مطار رفیق الحريري الدولي. اقترحنا على الملك عبدالله الذهاب إلى دمشق، والتوجه بالسیارة إلى بیروت من هناك. سُعد بشارّ الأسد بهذه الخطوة، و«في الطريق إلى لبنان بالسيارة تحدث الملك مع بشار بشكل شخصي وقال له: اسمع يا بشار أنت ورفيق الحريري واحد، وأنتما مثل أولادي، وأحمّلك مسؤولية أي شيء يحدث له، وقد أعذر من أنذر». وبعد مرور سنة ونصف السنة جاءت قصة التمديد للرئيس إميل لحود، ونجح الحريري في إقناع النائب وليد جنبلاط ونبيه بري وبعض المسيحيين بأنه لا ينبغي التمديد، فذهب مدير الأمن العام اللبناني جميل السيد إلى بري بإيعاز من بشار، ويبدو أن الزيارة كانت للتهديد، فوافق الجميع وصوتوا على التمديد.
وقال الأمیر بندر: «إن رستم غزالي ذهب إلى الحريري وأبلغه برغبة بشار في لقائه، فتشاور مع أكثر من شخص، فولید جنبلاط قال له لا تذهب، عُد إلى السعودية لفترة، وقال له نبیه بري إن ذهبت وحدث لك شیء فهم المسؤولون، وقتها قرر الحريري الذهاب إلى دمشق، وقبل أن يذهب التقى عبدالحلیم خدام الذي طلب منه عدم التعلیق على ما يقوله بشار وقال له: بعد أن تلتقیه عد إلى بیروت ثم اذهب إلى المملكة، لأنني أرى تحركات واجتماعات مريبة. وكان خدام يقصد اجتماعاً بین بشار والأجهزة الأمنیة وأطراف أخرى».
ويقول بندر: «عند دخوله على بشار، لم يجد الحريري الا غازي كنعان – الذي انتحر لاحقاً بثلاث طلقات في رأسه- وبدأ الأسد بالشتم والهجوم وقال له نفّذ كل ما يطلبه منك لحود، واذا كنت تعتقد أن علاقتك مع الملك عبدالله والسعودية، وجاك شيراك ستحميك «والله لأطبق لبنان على رأسك أنت ووليد جنبلاط». ومن كثرة الشتم والتهجُّم عليه نزف الحريري دماً من أنفه نتيجة الضغط. وبعد هذه الحادثة بأسابيع اُغتيل الحريري، فاتصل الملك عبدالله ببشار وأسمعه كلاماً قاسياً، وكان بشار يقسم بالله بأن لا دخل له، فجاء رد الملك: «إن لم تكن لك علاقة بالموضوع إذاً سلّم من لهم علاقة.. لا يمكن أن يحدث شيء في لبنان دون تدخل منك».
وواصل الأمیر بندر سرد قصة ما بعد اغتیال الحريري حيث بدأ المجتمع الدولي بالتحرُّك، وقال: «طلب مني الملك عبدالله الذهاب إلى بشار الأسد، فتوجهت إلیه في دمشق، وقلت له تعاون مع المحكمة الدولیة. فأجابني: «أخ بندر ما فیه دلیل، شو الدلیل». قلت له: هذا يعود للمحققین، لدينا علم بالزيارة الأخیرة لرفیق الحريري وماذا قلت له. فرد بشار: غیر صحیح، جاء وقال إنه يريد أن يستقیل قلت له هذا أمر يعود لك واستقال. قلت له: غیر صحیح، هو استقال ثم جاء إلیك بعدها.
وأوضح الأمیر بندر أنه نصح بشار بتفادي غضب الملك عبدالله، وأخبره بأن لجنة تحقیق دولیة ستتشكل، لكن بشار رد بأنه لن يسمح لضباطه بالذهاب إلى لبنان للتحقیق معهم.
الحرج مع باريس
وقع حرج بين الرياض وباريس تسبب به الأسد، ويقول بندر: «عُدت إلى سوريا، وأطلعت بشار على جدية الموقف وقلت له إن الحبل بدأ يقصر، وأنه لن يجد من يرد عليه السلام. قال لي حينها: أنا فكرت في الموضوع، وأوافق على أن تستجوب اللجنة الضباط بشرط استثناء ماهر الاسد وآصف شوكت، وان يكون التحقيق في جنيف أو فيينا، مع ضمانة بعودتهم إلى سوريا.
بعد حديث بشار ذهب بندر إلى باريس وأخبر جاك شيراك بموافقة الأسد، وبدوره أخبر شيراك الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان وصرح للإعلام بهذا التطور الأمر الذي أغضب بشار الذي أصدر عبر وزارة الخارجية السورية نفياً لما قاله شيراك،
وعن الحرج، يقول بندر انه جاءه اتصال من «الإليزيه» وانه قال لشيراك: «أنا أخبرتك بما حدث، ما صرحت به دمشق أو بشار بعد أن خرجت، لا أعرف عنه شيئاً، وبدأت أغلي وشعرت بالخديعة، واتصلت بالملك وأخبرته، وقال هذا لعب أطفال، وطالبني بالتوجُّه إلى دمشق. ويروي الأمير بندر انه حين وصل إلى دمشق استقبله وزير الخارجية وليد المعلم في المطار، وقال له بهمسٍ، كي لا يسمعهما السائق: «دخيلك هالولد بيدخلنا في المشاكل».
رفض استقبال بشار
الخديعة، والحرج بين فرنسا والسعودية دفع المملكة إلى أخذ موقف سلبي تجاه بشار، وعدم الترحيب به وتصديقه. فبعد الحادثة طلب بشار زيارة الرياض، لكن الملك عبدالله لم يوافق في بادئ الأمر، ولما وصل الأسد التقى بالملك على انفراد، ثم خرجا وكان ذلك في حضور عدد من الأمراء. وخرج الملك، وقال لنا اتفقت أنا وبشار، على أن يذهب رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري الى دمشق، وأن يستقبله بشار استقبالاً رسمياً ويسكنه في قصر ضيافة الرؤساء ويعطي توجيهات في لبنان، بعدم الاعتراض على أي قرار يتخذه سعد، وجميعكم شهود، فقال بشار باللهجة السورية: «اي نعم جلالة الملك». رد الملك، وهذا لا يمنع استكمال التحقيقات الجارية بشأن اغتيال رفيق، ورد بشار الأسد بالتأكيد».
وبعد ذهاب الحريري الابن إلى دمشق بشهر تقريباً انقلب بشار على كل الوعود وأعلنت سوريا أن التحقيقات التي تمت مع الضباط لن تعترف بها. بعدها طلب الأسد أن يأتي إلى السعودية مجدداً لكن الملك عبدالله رفض بداية ثم طلب من المراسم الملكية دعوة بشار، وقال «إن في خاطره شيء يريد أن يقوله له».
كاذب كاذب كاذب
وقال بندر: «في آخر زيارة له للسعودية.. قال بشار للملك عبدالله يا جلالة الملك، الحقيقة أنا لست عاتباً لكن اللبنانيين سيئون ويقول صحافيوهم إنك مستاء مني، وإنك تقول عني أحياناً كلاما ليس جيداً».
وتابع: «الأمير سلطان بن عبدالعزيز ابتسم، ولم يظهر الأمير نايف أي ملامح، وبدأنا جميعنا نلتفت إلى الملك منتظرين ما سيقوله. فقال له الملك عبدالله: بشار أنا أعرف عمك قبل والدك، ثم عرفت والدك، ولا تستطيع أن تقول عنه أي شيء غير أنه (حافظ) صادق، لم يكذب أبداً. أما أنت، فكاذب ثم كاذب ثم كاذب، كذبت على بندر وكذبت عليَّ وأنا أسامح في كل شيء إلا من يكذبون علي».
وقال بن سلطان إن الأسد «تفاجأ برد فعل الملك ورده»، وقال له «مرتبكا»: «لكن يا جلالة الملك أنا رئيس العربية السورية.. أنا رئيس العربية السورية».
لكن الملك عبدالله رد «منفعلا» وقال له «وإن كنت رئيس سوريا؟ فأنت كاذب وليس عندي ما أضيفه».
وذكر الأمير بندر أن الملك سلمان -كان أميراً للرياض وقتها- هو من أوصل الرئيس السوري إلى المطار.
ويقول الأمير بندر: بعد ذهابه (بشار) ظننا جميعاً أنه سيرد ولن يرضى بما قيل له. لكن الجميع استغرب كيف ظهر القلق عليه، وثنى قدميه تحت الكرسي من القلق حين كان الملك يقول له «أنت كذاب».
بوتين للأمير بندر: أنتم من كبّر رأس بشار
قال الأمير بندر إنه حين التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عام 2012، سأله الأخير عن سبب اهتمام السعودية ببشار الأسد، فرد بندر بأن السعودية ليست مهتمة، بل خائفة أن يكون بوتين هو المهتم، فضحك بوتين ثم قال: أنت الآن مقتنع أنني مهتم بهذا؟ وأضاف: «نحن لدينا اقتراحات، ولكن أنتم – السعوديين – الآن تدفعون ثمن تضخيم دور بشار، وأنتم من كبّر رأسه وذهبتم به إلى باريس ولندن، هل تعلم أنني دعوته أكثر من مرة لزيارة موسكو ولم يأتِ، ولكن أنا باق هنا، وستأتي اللحظة التي يأتي فيها بيديه وقدميه حبواً إلينا، وفي تلك اللحظة سنرى».
وعرضت موسكو حينها 4 نقاط، هي موافقة على تنحي بشار وتحديد الجهة التي من الممكن أن تستقبله هو وعائلته (اقترحت الجزائر)، وثالثاً ألا تطاله المحكمة الدولية، ورابعاً الاطلاع على من سيتكفل بالمصاريف في مقر إقامته