تقرير : صيف العرب الأطول والأكثر حرارة
فصل الصيف بات الأطول في تاريخ البشرية، اذ لم يعد مقتصر نظرياً على نحو 3 أشهر فقط، بل بات يمتد في أغلب الدول العربية الى أكثر من 5 أشهر، وذلك بفعل اضطراب مناخي تفاقمه عوامل التغيرات المناخية المقلقة.
وحسب نتائج تقرير تحليلي للمركز (csrgulf) بناء على قاعدة معلومات مختلفة من مصادر دولية، فانه من المتوقع استمرار تسجيل أرقام قياسية لدرجات حرارة مرتفعة غير اعتيادية لسطح الأرض والهواء خلال فصل صيف هذا العام في أغلب الدول العربية مع احتمالات أكيدة بتسجيل فترات ذروة قياسية أسوة بصيف العام الماضي أو أكثر وتمتد في بعض الدول الى منتصف الخريف، وهو ما يدفع الى زيادة القلق وتوقع مخاطر نشوب الحرائق وتوسع ظاهرة الجفاف، مع زيادة مخاطر صحية على حياة الانسان خاصة الأطفال وكبار السن الفئة الأكثر هشاشة ازاء التعرض لدرجات حرارة قياسية.
المنطقة العربية دون استثناء وخاصة الشرق الأوسط تعتبر بين أكثر مناطق العالم التي باتت تشهد تحولات مناخية ملموسة لعل أبرزها قدوم الصيف قبل اوانه وتداخله مع فصلي الربيع والخريف، حيث يبقى متوسط الحرارة في أغلب دول الشرق الأوسط من شهر مايو الى نهاية سبتمبر وبداية أكتوبر فوق معدل 30 درجة في النهار[1]، مع إمكانية ملامسة ذروة قد تتعدى 50 درجة خاصة بين يوليو وأغسطس[2] في بعض المناطق. وتبقى دول مثل الكويت والعراق والسعودية بين أبرز المناطق العربية المرجح تسجيل فترات ذروة تفوق 50 درجة مئوية[3]. الكويت على وجه الخصوص بين أكثر بقاع العالم العربي المدعوة لتخفيف وطأة الاحتباس الحراري والانبعاثات الغازية بسبب تداعياتها القلقة على صحة الحيوان والانسان مستقبلا[4]. ويعتبر الكويتيون أكثر العرب عرضة لمخاطر الاحتباس الحراري مالم تقلص الدولة من تعويلها على القطاعات الملوثة والمسببة للانبعاثات الغازات الدفيئة. اذ أن البلد يصنف من أكثر بقاع الأرض تسجيلا لفترات ذروة للحرارة خلال الصيف. وما يراكم مشكلة زيادة الحرارة استمرار توسع الأنشطة البترولية وتقلص المساحات الخضراء على حساب الزحف العمراني والحضري. وهو ما يفرض على الحكومة الكويتية تفعيل أولوية حيوية لزيادة الرهان على انتهاج مسار تنموي بديل صديق للبيئة.
على صعيد آخر، تعتبر الحكومات العربية بشكل عام مدعوة لزيادة تعزيز معايير الأمن والسلامة للمنشئات ضد مخاطر الحرائق مع أهمية رصد تحديث مخاطر التعرض لذروة الحرارة أثناء العمل أو التنزه أو السباحة. ومن المرجح أن يزيد الطلب على مياه الصالحة للشرب وللاستخدامات المنزلية الأخرى.
وتعاني المناطق والمدن الصحراوية أكثر من غيرها من موجات حرارة قياسية متوقعة خلال هذا العام[5] مع مخاوف جدية من زيادة العواصف الرملية، وهو ما يدفع بعض المناطق خاص في الشرق الأوسط والخليج العربي الى حتمية اتخاذ تدابير وقائية تقيد الأنشطة السياحية أو الانشائية المعرضة لمخاطر الحرارة. كما باتت مراجعة عيوب شبكة الطرق ضرورية من أجل تفادي مخاطر الحوادث والانزلاقات جراء الأضرار التي تلحقها فترات ذروة الحرارة القياسية بالأسفلت.
تكرار فرضية صيف حار جدا هذا العام مثل العام الماضي أمر وارد جدا كما تنبئت به أرصاد جوية دولية[6]. حيث أن موسم صيف 2022 تحت التأثير المستمر لـظاهرة La Nina، مما يكشف عن صيف حار جدًا وجاف يتطور لأجزاء من بقاع كثيرة في العالم. لكن من غير المرجح أن تكون حرارة هذا الصيف قياسية مقارنة بالصيف الماضي بسبب ظروف النينيا المعتدلة القوية في الجزء الأول من العام والتي من المتوقع أن تستمر للأشهر الستة المقبلة على الأقل[7].
لكن توقعات الصيف الحار خاصة في منطقة آسيا والشرق الأوسط تدفع الى التحذير من تداعيات الحرارة المرتفعة على الانسان والمنشآت خلال هذا الصيف تزامنا مع احتمال زيادة اقبال الناس في العالم العربي على قضاء عطلة الصيف والاصطياف في البحر والتعرض أكثر من العام الماضي للشمس وخاصة فترات الذروة التي تجتذب المصطافين والراغبين في السباحة.
وعلى الأرجح أن الأفراد قد يُقبلون أكثر من العام الماضي على الاصطياف والخروج للتسلية والترفيه خلال فصل الصيف، وذلك بسبب تخلي أغلب الحكومات العربية عن القيود المفروضة بسبب جائحة فيروس كورونا، وخاصة على مستوى التنقل وارتياد الأماكن السياحية على عكس صيف العام الماضي، وبالتالي توقع زيادة مخاطر التعرض لخطر زيادة الحرارة القياسية، وأيضا زيادة توقع مخاطر الحرائق بسبب عامل طبيعي أو بشري بالنظر لزيادة احتمال النشاط الترفيهي والخدماتي خلال هذا الصيف.
عموما تمثل تداعيات الحرارة المرتفعة تهديدات محدقة بالمنطقة العربية والعالم خاصة في ظل تباين جهود الاستعداد للطوارئ وسلامة المرافق والمنشئات وقدرة التدخل السريع وتباين قدرة التعامل مع الكوارث الطبيعية بسبب هشاشة البنى التحتية[8] في ظل استمرار تعمق التضرر بتداعيات التغيرات المناخية خاصة في دول الخليج التي باتت الحرارة فيها عاملا مقلقا للاستثمار والسياحة والصحة العامة خلال أشهر الصيف الممتدة لفترات أطول من غيرها في مناطق أخرى.
ولم تعد آثار الاحتباس الحراري تنحسر في ارتفاع درجات الحرارة بل باتت مسؤولة عن زيادة ظواهر مناخية متطرفة كعدم انتظام تعاقب الفصول وتواتر الكوارث الطبيعية كالفيضانات والحرائق[9] بفعل التعرض لدرجات حرارة مرتفعة، وذوبان الثلج والفيضانات وصولاً الى الزلازل والبراكين وحتى الأوبئة، حيث أن أغلب أوبئة المستقبل مثل covid 19 قد تضاعف مخاطرها التغيرات المناخية ونسب التلوث المرتفعة خاصة على مستوى الماء والهواء[10].
وتهدد توقعات موجات الحرارة المرتفعة مؤشرات سلامة البنى التحتية وصحة الأفراد، حيث باتت تنبه بعض التوصيات الدولية بتوخي الحذر من تداعيات مرضية للتعرض للحرارة المرتفعة[11]، كما تعتبر الشركات الصغيرة والمتوسطة من بين أكثر المشاريع المهددة بالتأثر المباشر بالتغيرات المناخية القاسية خلال فصل الصيف خاصة تلك المعتمدة على الأنشطة الموسمية وصاحبة التمويل الضعيف والمعرضة للانكشاف الحاد على المخاطر.
ويعتبر قطاع التأمين أكثر القطاعات الرابحة وأيضا المتأثرة بالمخاطر المناخية العالية خاصة الأضرار المحتملة للكوارث التي تسببها ارتفاعات الحرارة كالحرائق[12]. وبسبب مخاوف الحكومات والشركات من التعرض لمثل هذه المخاطر خلال فترات ذروة الحرارة، من المحتمل زيادة الاقبال على خدمات التأمين على سلامة المنشئات. مع ذلك برزت حاجة ماسة للوقاية المسبقة كزيادة الرصد والمراقبة عن بعد وتفعيل اشعارات مخاطر الحرائق وتوفير المعدات اللازمة للتدخل السريع.
كما يعتبر قطاع السياحة أكثر المستفيدين والمتضررين في الوقت نفسه من ارتفاع الحرارة، حيث يزيد الاقبال على ارتياد الفنادق من أجل الترفيه والهروب من المناطق الحارة والاستفادة بالخدمات السياحية والقرب من البحر.
الى ذلك من المرجح أن يشهد الطلب على خدمات التكييف قفزة خلال هذا الصيف[13]، وهو ما يدفع لاحتمال زيادة الطلب على الكهرباء. وتمثل محدودية توفر الكهرباء بكميات كافية في أغلب الدول العربية من أكبر تحديات القطاع العام والخاص خاصة في ظل أسعار الطاقة المرتفعة بسبب استمرار العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا. علاوة على ذلك، باتت خدمة التكيف والتبريد لا يمكن الاستغناء عنها في أغلب مناطق العالم العربي وبات التعويل عليها يشمل حتى الأسر محدودة الدخل، ما سيمثل عبئا إضافيا على دخل الفرد.
وعلى الأرجح أن تضغط فرضيات ارتفاعات قياسية للحرارة على زيادة الطلب على تخفيف حدتها في بعض الأماكن العامة باستخدامات تكنولوجيا تبريد الهواء، وهو ما قد يجعل مثل هذه المجالات مشاريع مربحة خاصة في الدول الخليجية. الى ذلك قد تكون الحرارة المرتفعة جدا مصدر طاقة مهم تحفز نمو الطلب على الطاقة الشمسية النظيفة.
كما تطرح اشكاليات تصاعد الحرارة تحديات مقلقة لقطاع التخزين، حيث أن تكيف هذا القطاع مع الحرارة المرتفعة باتت أمراً حيوياً من أجل منع تلف الكثير من المواد التي باتت تستحق لمعايير حفظ وتبريد بجودة أعلى تستجيب لظروف الحرارة الاستثنائية. الى ذلك يبقى خطر تعرض العالم لموجة سادسة من فيروس كورونا محتملاً، وهو ما قد يضاعف زيادة الطلب على خدمات الصحة والتكييف والاكسجين. وهذه تحديات تدفع الحكومات لاتخاذ تدابير احترازية ووقائية مع أهمية توعية خاصة على مستوى زيادة أمن وسلامة المنشآت العامة والخاصة من خطر الحرائق الذي يتحمل البشر المسؤولية الأكبر عن هذا الخطر[14].
الى ذلك يعتبر قطاع الغابات بين أكثر المجالات التي تستوجب رفع الحيطة والحذر بشأنها. فبسبب توقع زيادة ظاهرة الجفاف[15]، من المحتمل أن تسبب حرائق الغابات آثارًا سلبية كبيرة على المجتمع والبيئة. حيث يلعب الطقس والمناخ دورًا مهمًا في تعديل نشاط حرائق الغابات[16].
على صعيد آخر، تبقى مشاكل ضعف جودة شبكة المواصلات والطرق والجسور في الدول العربية بين أبرز التحديات التي تتفاقم بسبب التغيرات المناخية وخاصة ارتفاع الحرارة والفيضانات والسيول. وتعترف دراسات أن دول عربية عدة بات بنيتها التحتية رغم تحسنها في السنوات الأخيرة تستمر هشة امام مقاومة موجات الحرارة والأمطار غير الاعتيادية، حيث تتضرر الطرق والجسور بالارتفاعات القياسية للحرارة خلال فصل الصيف، ما يضاعف مخاطر زيادة التسبب في حوادث الطرق القاتلة.
ورغم أن توقعات الحرارة حسب بعض الأرصاد تظهر أن متوسط درجات الحرارة في أشهر الصيف تبدو مماثلة لصيف العام الماضي مع بعض الميل لانخفاض تواتر فترات الذروة، الا أن توقعات الأرصاد الأمريكية تشير لصيف حار جدا خاصة في قارة آسيا[17]. كما تغلب على توقعات صيف 2022 لآسيا وحتى أجزاء في القارة الأفريقية والأمريكية رياح موسمية قوية للغاية ومدمرة وموجات حر شديدة وجفاف، وعواصف شاذة. وذلك يعني أن ظاهرة La Nina المناخية التي قد تتواصل الى شهر أغسطس من هذا العام قد تحدث مزيدًا من الجفاف وحرائق الغابات وموجات الحر[18].
وأشارت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) الى أن ظاهرة La NINA من المتوقع أن تتسبب في ارتفاع درجات حرارة الهواء أعلى من المتوسط. وتتصل ظاهرة النينيا عموما بانخفاض واسع النطاق في درجات حرارة سطح المحيط في وسط وشرقي المحيط الهادئ الاستوائي. وهذه الظاهرة بين جميع الظواهر المناخية التي تحدث الآن بشكل طبيعي إنما تأتي في سياق تغير المناخ الناجم عن الأنشطة البشرية، والذي يؤدي إلى زيادة درجات الحرارة العالمية، وتفاقم الطقس المتطرف، ويؤثر على أنماط هطول الأمطار الموسمية.[19]
تصنيف أكثر العواصم العربية حرارة خلال 2022
حسب تحليل ببيانات بعض منصات الأرصاد الجوية[20]، فان المدن العربية الأكثر عرضة لموجات الحرارة المرتفعة خلال هذا الصيف تقع في منطقة الخليج، لكن هذا لا ينفي تسجيل متوسط حرارة مرتفع في بقية المناطق العربية الأخرى.
وصنفت الكويت كأكثر العواصم العربية عرضة لارتفاع الحرارة بمتوسط درجة حرارة عند 45 درجة مئوية خلال أشهر الصيف الثلاثة و51 درجة كحد أقصى، تلتها العاصمة العراقية بغداد بنحو 44 درجة و50 درجة كحد أقصى، فالرياض العاصمة السعودية عند 43 درجة و49 درجة كحد أقصى، فأبوظبي العاصمة الإماراتية عند 42 درجة و47 درجة كحد أقصى، فالدوحة العاصمة القطرية 41 و47 درجة كحد أقصى.
وحلت الخرطوم عاصمة السودان في المرتبة السادسة بمتوسط حرارة عند 41 درجة و44 درجة كحد أقصى، فالمنامة عاصمة البحرين في المرتبة السابعة بمتوسط حرارة عند 38 درجة و45 درجة كحد أقصى، تلتها مسقط العاصمة العمانية في المرتبة الثامنة بمتوسط حرارة عند 37 درجة و46 درجة كحد أقصى. وفي المرتبة التاسعة حلت العاصمة السورية دمشق بمتوسط حرارة عند 36 درجة و44 كحد أقصى. القاهرة جاءت في المرتبة العاشرة بمتوسط حرارة عند 36 درجة و43 كحد أقصى.
وأتت نواكشوط العاصمة الموريتانية في المرتبة الحادية عشر بمتوسط حرارة عند 36 درجة و40 كحد أقصى. وفي المرتبة الثانية عشر، حلّت طرابلس العاصمة الليبية بمتوسط حرارة عند 35 درجة و45 كحد أقصى خلال أشهر الصيف. تلتها العاصمة الصومالية مقديشو في المرتبة الثالثة عشر بمتوسط حرارة عند 34 درجة و36 كحد أقصى. وفي المرتبة الرابعة عشر، حلت تونس بمتوسط حرارة عند 33 درجة و44 كحد اقصى في فترات الذروة. وجاءت العاصمة الأردنية عمان في المرتبة الخامسة عشر بمتوسط حرارة عند 32 درجة و39 كحد أقصى.
في المرتبة السادسة عشر، حلت العاصمة اليمنية صنعاء بمتوسط حرارة عند 31 درجة و36 كحد أقصى. تلتها فلسطين وتحديدا رم الله في المرتبة السابعة عشر بمتوسط حرارة عند 30 درجة و31 كحد أقصى. المرتبة الثامنة عشر آلت للعاصمة الجزائرية الجزائر بمتوسط حرارة عند 29 درجة و40 كحد أقصى. تلتها بيروت العاصمة اللبنانية في المرتبة التاسعة عشر بمتوسط حرارة عند 28 درجة و34 كحد أقصى. أما المرتبة قبل الأخيرة والتي تميز المدن ذات الحرارة المعتدلة فأسندت للعاصمة المغربية الرباط بمتوسط حرارة عند 28 درجة و31 كحد أقصى، تلتها العاصمة القمرية موروني في المرتبة الأخيرة بمتوسط حرارة عند 28 درجة و30 كحد أقصى.
ويتم التنويه الى أن تنصيف درجات حرارة العواصم العربية لا يعكس متوسط درجات الحرارة لعموم مناطق البلاد، حيث يسجل تفاوت كبير بين المناطق في ظل الدول الشاسعة التي يختلف مناخ مناطقها بشكل كبير.
وتجدر الإشارة الى أن أغلب العواصم العربية على الأرجح أن تسجل ارتفاعات لدرجات الحرارة حتى شهر سبتمبر وبداية أكتوبر، وهو ما يدل على تأخر فصل الصيف وتداخله مع فصل الخريف خاصة في نصفه الأول، مع توقعات تسجيل ظواهر مناخية فجائية وعنيفة خاصة على مستوى احتمالات هطول الأمطار الغزيرة غير المنتظمة وإمكانية حدوث السيول والعواصف وهبوب الرياح القوية. كما من المتوقع أن تؤثر احتمالات الحرائق على رفع متسوط درجات الحرارة في بعض المناطق.