حاسبوا أنفسكم … بقلم محمد حبيب المحميد
مبدأ محاسبة النفس بشكل دوري على مستوى الفرد أو الكيانات؛ مبدأ عقلائي مهم لتقييم ما مضى وتقويم العمل لما يأتي ، وهو مبدأ شرعي جاء على لسان النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) حيث قال “حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا” ، ونبه الحبيب المصطفى هنا على أهم عواقب عدم محاسبة النفس ، وهي محاسبة الغير لها عند فوات الأوان ، على الرغم أن الحديث يشير بوضوح إلى المسير الدنيوي والمصير الأخروي للفرد ، إلا أن المبدأ هو هو حتى في مسير الكيانات والسياسات والدول .
الأحداث المتسارعة حولنا تفرضها مرحلة التغيير الدولي في مراكز القوى والنفوذ ، تحتاج إلى مواكبة واعية للأحداث وبناء استراتيجيات جديدة وجدية للتعامل معها برشد وحكمة ، ومن هنا نادى سمو الأمير في كلمته بقمة البحر الميت بالتعامل وفق نهج مختلف في تحديد الأولويات والتعامل معها وفق المتغيرات الراهنة والمستقبلية ، وهنا تكمن أهمية عملية التقييم والتقويم لحفظ مكانة دولنا وأمتنا في عالم مليء بصراعات طاحنة كبرى .
المعارك في سوريا والعراق تتجه نحو هزيمة الإرهاب التكفيري في المنطقة وبالتالي سقوط المشروع الغربي في تقسيم المقسم من الدول ، بل الواقع يميل أكثر نحو أحلاف قوى جديدة على عكس ما خُطط له في المنطقة ، وهذا كله له ارتدادات خطيرة ومخاضات عسيرة ينبغي التنبه لها والتعامل معها بكل حكمة ، بعد أن أضاعت الكثير من القوى أموالها وجهودها في غير محلها ، وساهمت في مشاريع الغرب الفاشلة في المنطقة ، وحان وقت المحاسبة للنفس قبل أن يُحاسبوا ، فأن تأتي متأخرًا أفضل من أن لا تأتي، وأن تصنع مستقبلك بإرادتك الحرة خير من أن يصنعك المستقبل بإرادة الغير وتذعن له صاغرا .
ينبغي على دول المنطقة أن لا تقبل بعد اليوم أن تكون أداة مشاريع كبرى ، ومسارح تصفية حسابات ، بل و تنتقل إلى صناعة الأحداث والمشاركة في العالم الجديد الذي يتشكل ، ولا يكون ذلك إلا بركيزتين أساسيتين ، الأولى هي التصالح مع الشعوب وحقوقها وحرياتها فهي الحاضن والضامن ، لينتقلوا إلى الركيزة الثانية وهي الإتحاد والعمل بالمشتركات ، ولا يكون ذلك إلا بتفعيل الدبلوماسية بمساريها الأول والثاني ، أي الرسمي والشعبي ، لتكون قوة في عالم لا يفهم إلا منطق القوة ، لا بمفهومها العسكري فقط بل بمفهومها الحضاري الشامل ، بدل من العبث الطائفي والمنطق الجاهلي في العمل السياسي .
لم يكن الإتحاد يومًا يعني التخلي عن الهوية والخصوصية ، بل كان دومًا عملًا في نطاق المشتركات ، والعدو اليوم وضع الجميع في سلة واحدة استراتيجيًا ، وفرق في التعامل بيننا تكتيكيًا ، كي لا تكون أمتنا واحدة ، فإذا أردنا التقويم بعد التقييم ، فلننطلق من العدو المشترك ، بنظرة واعية لأساليبه ، لمعرفة أياديه في أي مشروع في المنطقة ، وبتر هذه الأيادي الخبيثة ، بدل من معاونتها على تدمير كل ما هو إنساني جميل وحضاري في أمتنا ، ولتكن القدس هي قطب رحى عملنا المشترك ، ففيها منتهى تكامل إنسانية الإنسان ، ونبدأ من هنا العمل الريادي الصانع للحدث المبادر.