حديثُ الوردة …بقلم خولة سامي سليقة
على كتفي الأيمن يسير العالم صباحاً. أنا المرأة البلهاء التي تفكر بإلحاحٍ كيف سينتهي حزن الأرض و ما تعلمت كيف تهز حزنها من كتفيه ليتوقف قليلاً.
أحببت وردة تزرعها فوق أذنها تستقبل بها يومها، جذبتني الفرادة، إذ كانت طريقة لطيفة للترحيب اليوميّ بالحياة، في قرارة نفسي تمنيت أن تكون مرآة سعادتها و هدية ممن تحب. عمدت إلى تغيير ألوان وردتها و حجمها كلّ يوم، تستبدلها بزهرات صغيرات مثلاً، لكنها لم تتخلَ عن عادتها .
تعلّمت عيني أن تستقرّ على اللون و طيات العطر كلّما تحادثنا، حتى أهملت قراءة عينيها. على سجادة الصلاة الصغيرة خلف مكتبها تحضن حروفاً تجد فيها ملاذها سكينتها، أصل بعدها وفق موعد صباحيّ لا يتغيّر تقريباً، المشهد عينه، السلام، الهمس الناعم المقتضب، الهدوء المقيم.
أدعها ترتّب أنفاسها تكمل رحلتها نحو الطمأنينة، حتى أسمع:” صدق الله العظيم “نتحدث في العمل، في مشاريعنا، جديد المكان الزمان الحياة، الكتب الشّعر الأدب، نعرّج بفطرة الأنثى صوب المطبخ و مغرياته، حتى يوقف رغوة أحاديثنا وقع أقدام قادم أو رنين جرس بداية الحصة.
فقط في ذلك الصباح استوقفني غياب الوردة خلف أذنيها، بدت اللوحة غير طبيعية في عيني. حتى لساني الذي لم يُصنّف عابثاَ من قبل، خرج عن طباعه.ليتني ما سألتها!
أول و أعظم انهيار للسدّ كان؛ راحت المياه المحتجزة خلفه تتسابق مجنونة، شعرت رذاذ الماء يلفح ملامحي المصابة بالدهشة بعد أن حرّكت وحش الألم الجائع. شهقاتها دمعها عجزها كلها حكت عذابات امرأة لا تريد أن يلوكها الطلاق مرّة أخرى، أن تغدو مادة دسمةً لحديث و سمر زوجات إخوانها. زوج سابق أحبها، ما استطاع احتمال سياط ألسنة ذويه عنما تباطأ غيثها و ما
أنجبتْ له ولداً، زوج حاليّ لا تصنيف له بين أبناء جنسه؛ من حيث اضطراب مشاعره النفعية و تلوثها بشيء من الحب وفق أدوار غريبة، حين يجبي منها مبلغاً شهرياً لقاء إقامتها في البيت، ثمن طعامها، يطالبها بأثمان مشترياتها أو لوازمها الشخصية مهما كان المبلغ زهيداً، يبالغ في جرحها، يستغلها، يسرق راحتها، و هي الأم الأخت الصديقة الزوجة الستر و الغطاء.
استمعتُ، انفعلت، هدأت، ثرتُ، واسيت، أنّبت، حذّرت، أشفقت. ما كنت إلا رأساً لا يملك إلا الانحناء أمام جبروت الألم. الأبوابُ كثيرة لكن مخاوفها أوصدتها جميعاً بلا تردّد، وجدتها امرأة تصافح السكين التي تدميها، كان لها أسبابها التي ما ملأت من بئر استهجاني شبراً.
فاتني أن ألحظ معاول الحزن تحفر وجهها عميقاً طوال الأيام المنصرمة، رغم حديثنا كل صباح، خطفتني ورودها الظاهرية بعيداً عن مأساتها، لهوت بالعطر و ملح دمعها أمامي.
أشغلني ما لا أراه عما أراه.
حقاً. تسرّعتُ إذ سألتها عن وردة كلّ يوم.
خولة سامي سليقة