خربشات الأطباء المبهمة على الوصفات الطبية «لغة مرمزة».. لا يفهمها إلا الصيادلة
هل تساءلت يوما كيف لورقة صغيرة تحمل بين خطوطها المدونة بلغة أشبه بالخربشة أهم أدوات العلاج بل تحمل في طياتها شفاء أو شقاء مريض ما في الوقت ذاته فلغة الطبيب في كتابة الوصفات بخط يده هي بمنزلة الشيفرة المستخدمة في الحروب ولا يفهمها إلا الخبراء بها أي الأطباء والصيادلة.
والوصفة الطبية وثيقة خطية موجهة من الطبيب إلى الصيدلي لتحضير وصرف دواء محدد مع الإشارة إلى طريقة استعماله وهي وثيقة لا يملك حق كتابتها إلا الطبيب الذي يقع على عاتقه من خلف ذلك مسؤولية كبيرة.
ولعل تطور الأدوية الحديثة جعل موضوع صرفها أكثر أهمية بالنسبة للصيدلي الذي يجب أن يكون يقظا عند قراءة الوصفة وأن يفحص كل حرف فيها بحذر شديد لئلا يقع في خطأ بسبب عدم وضوح الخط وعليه ألا يحضر الوصفة ويصرفها قبل فحصها والتأكد مما خطته يد الطبيب بدقة.
في المقابل من المفترض أن يكون الطبيب جديا ومتيقظا عند كتابة الوصفة لأن اللامبالاة أو الكتابة الخاطئة يمكن أن تؤديا الى صعوبات وتأخير في تحضير وصرف الوصفة وفي حالات معينة يمكن أن تؤدي إلى حوادث مؤسفة.
ويرى ذوو الخبرة بهذا المجال ان هذه الورقة الصغيرة يمكن أن تكون سببا لفرح ثلاثة أشخاص وهم المريض والصيدلي والطبيب وفي المقابل قد تكون سببا لمأساة في حال قراءتها بشكل خاطئ.
في السياق، قال طبيب الصحة الوقائية بوزارة الصحة الدكتور إيهاب عبدالغني لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) اليوم الثلاثاء إن صرف الوصفات الطبية يتم بمراكز الوزارة إلكترونيا إلا في حال تعطل نظام الحاسوب (الكمبيوتر) أما عند صرف دواء من صيدلية خارجية ففي هذه الحالة تكون الوصفة مكتوبة بخط اليد.
وعلل عبدالغني عدم وضوح محتوى الوصفة للعموم بعدم توفر الوقت الكافي للطبيب المعالج ولكثرة عدد المراجعين مما يتطلب السرعة في الكتابة مؤكدا في المقابل أنها لغة مفهومة بالنسبة للصيدلاني.
وأوضح أن الوصفات الإلكترونية الحالية ربما تزيد من هذه المشكلة عند الاضطرار لكتابة الوصفة يدويا فهي قد تتسبب في جعل الخط أسوأ لقلة استخدام القلم في الكتابة والاعتماد على الحاسوب.
وذكر أنه في بعض الأحيان يكتب الطبيب المعالج وصفة قد تكون غير مفهومة بالنسبة لزميله لكنها مفهومة من الصيدلاني بسبب كثرة عدد الوصفات التي يتعامل بها يوميا وبسبب المهنية.
من جانبه قال رئيس اختصاصيي صيدلة عصام السلطان ل(كونا) إن الصيادلة وبناء على خبرتهم يعرفون أسماء الأدوية والجرعات ومدة العلاج ويربطون الأدوية بعضها ببعض طبقا للتشخيص اضافة إلى محاورة الصيدلي للمريض وكل ذلك معا يعطي الصيدلي أدلة واضحة على نوع أو أنواع محددة من الدواء “فيتم فك الشيفرة”.
وأضاف السلطان أن كتابة الوصفة بالكاد تكون لغة عالمية ولكن الفرق هنا هي طريقة كتابة الوصفة.
وبسؤاله عن كيفية التصرف في حال لم يفهم الصيدلاني وصفة الطبيب أفاد بأنه يتعين على الصيدلي إرجاع الوصفة للتعديل أو التوضيح أو بالاتصال على الطبيب للتأكد.
وعن هامش حصول الخطأ في قراءة الوصفات أكد أنه كلما زادت سنوات خبرة الصيدلي يتضاءل هامش الخطأ فالتأني في قراءة الوصفة والحذر واتباع قواعد الصرف المذكورة آنفا كفيلة بتقليل هامش حدوث الخطأ.
وذكر أن الوصفات الإلكترونية ساهمت بشكل كبير في تسهيل قراءة أنواع الأدوية المصروفة للمريض وأهم ما يميزها وضوح اسم الأدوية وكمياتها واسم المريض والجرعات بالإضافة إلى سرعة اكتشاف الأخطاء وذلك لوضوحها.
من جانبها قالت الصيدلانية فاطمة الصفار إن كل طبيب في القطاع الخاص له ختمه الخاص يوضح تخصصه ونوعية الأدوية الممكن وصفها للمريض ومع التعود على وصفات الأطباء يتم صرف الدواء من معرفة أول حرف يكتبه الطبيب.
وأضافت الصفار أنه عندما يكون خط الطبيب غير واضح أبدا يقوم الصيدلاني بالاتصال على الطبيب لمعرفة اسم الدواء مستذكرة بعض الأطباء الذين يعتنون بكتابة الوصفات الطبية بخط جميل تسهيلا على الصيدلاني لقراءتها.
وكانت دراسة نشرت حديثا في موقع (لايف ستايل) بالولايات المتحدة تناولت أسباب كتابة الأطباء بخط غير مفهوم إذ يرى بعض المحللين بأن السبب مرده إلى كثرة التقارير التي يكون الأطباء مطالبين بكتابتها فتشير إحدى الإحصائيات إلى أن الطبيب يوقع خلال 8 ساعات من الدوام 50-100 مرة ويضطر الأطباء إلى توثيق كل التقارير الخاصة بالحالات والمرضى الذين يشرفون عليهم.
في السياق تشير تحليلات أخرى إلى أن ما يكتبه الأطباء ليس موجها إلى العامة لقراءته بل موجه إلى أطباء مثلهم يفهمون ما يكتبه زملاؤهم ويعرفون الرموز والاختصارات التي يستخدمونها.
كما أن توتر العمل وكثرة التفكير يجعل الطبيب غير مهتم بشكل ما يكتبه لأن رؤيته للأمور تتغير من خلال الدراسة واكتشاف جسم الإنسان فهناك أمور أهم بكثير من شكل خطه.
وكشفت الدراسة أيضا عن أسباب عدة بينها ضيق حجم ومساحة الورقة التي يكتب عليها الطبيب وصفته أما السبب الآخر فمرتبط بازدحام مواعيد الطبيب ما يجعله يكتب الدواء بسرعة مع التركيز على توضيح الأحرف الأولى المميزة للدواء دون غيرها.
أما السبب الثالث فأرجعته الدراسة ذاتها إلى إدراك الأطباء بأن الخط سيحفظ في ملفات ولن ينظر إليه مرة أخرى.
لكن في المقابل سوء الخط لدى الأطباء له مضاعفات خطيرة تفوق بكثير صعوبة فهمه فقط فالخط السيء للطبيب المشخص يصعب مهمة الصيدلي في قراءته وتأمين الدواء الصحيح للمريض ما يتسبب في مقتل سبعة آلاف شخص سنويا بحسب الدراسة.
وأضف إلى ذلك أن نصف مليون شخص يعانون من إصابات سنوية في الولايات المتحدة فقط بسبب الدواء الخطأ وفق الدراسة ذاتها في حين أثبتت الدراسة أن نسبة الخطأ في شراء الدواء بناء على وصفة مقدمة عبر البريد الإلكتروني لا تتعدى 10 في المئة.
إلى ذلك كشف تقرير صادر عن المعهد الطبي في واشنطن بأن الخط الذي يكتبه الأطباء يتسبب في وفاة سبعة آلاف مريض حول العالم سنويا ويؤكد ذلك كم الحالات التي تتعرض للأذى نتيجة صرف الصيدلاني وصفات طبية خاطئة لعدم معرفته قراءة وصفة الطبيب إضافة إلى أن الأمر يزداد خطورة في الريف والمناطق النائية التي غالبا يكون المتعامل فيها مع المرضى بالصيدليات ليس صيدليا بل مجرد بائع للدواء بشهادة متوسطة أو ثانوية عامة.