شهيد التضحية و الإيثار …بقلم الشيخة حصة الحمود السالم الحمود الصباح
في الذكرى السنوية الأولى لفقدان ولدي وفلذة كبدي ووحيدي الحبيب مازلت لا أصدق ما حدث، هذا الكابوس المرعب الذي زلزل كياني وأفقدني اتزاني ولا أرى في هذه الدنيا الفانية إلا صورته لا تفارق مخيلتي مناما ويقظة، يبيت الناس على هموم شتى ولكن الهموم أبت إلا أن تجتمع في قلبي الحزين المنكسر.
لقد رحل وترك في كل ركن من أركان فؤادي ابتسامته وملامحه وشبابه الواعد، ولكن ما يحزنني أنه تركني بلا أدنى استعداد لألم الفراق الذي كان كالصاعقة التي أحرقت ما يمكن أن أستعين به للصبر والسلوان، أي صبر وأي سلوان وأي حياة تتحمل فقدان من هو أعز من الروح وأزهى من ورود الربيع وأندى من المطر وأجمل من البدر في ليلة تمامه المغفور له بإذن الله الشيخ ناصر صباح فهد الناصر الصباح في جنات النعيم وغفر لنا تقصيرنا وانتقم له ولكل الشهداء.
لقد كان بحق في حياته وبعد فراقه أميرا وسيدا وشابا وشيخا بين قومه، في حديثه ووقاره وحنانه وحركاته وسكناته، كان مفعما بالحياة مقبلا دائما لا مدبرا، كان إقباله كإشراقة شمس يوم جديد بنطق تبلجه وفراقه كقطع الليل المظلم في غياهب تلجلجه، كان فارسا نبيلا مترفعا عن صغائر الأمور لم يقارنه في هيبته وجلاله إلا الموت، لقد ظفر الموت بلحظات الانتصار المؤقت كعادته ولكن هيهات فالعظماء لا يموتون، وهم باقون في قلوب أحبائهم وإن رغمت أنوف!
لقد شهد له البعيد قبل القريب أنه كان نموذجا يحتذى به في خلقه الرفيع ورجولته ومبادئه ونصرته للحق ونجدته للمحتاج، كان عطوفا صبورا لا يرد الإساءة بمثلها، وكان داعية للخير والإصلاح بين أقرانه وذويه، كان يصل رحمه ولا يرد طلبا حتى أنه من فرط أدبه خرج تلبية لطلب في يوم عاصف أغبر تنعدم فيه الرؤية ليفارق دنيانا في الحادث المشؤوم وتكتب له الشهادة، نعم يبكينا الفراق ويفجعنا ولكن هذا الفراق لا يستطيع أن يمحو من وجداننا وأفئدتنا من سكنوه.
نحن نعلم علم اليقين أن فقد الأحبة لا تتحمله الجبال ولكن هو فراق مؤقت تعقبه حياة أبدية قادمة لا محالة لا وجود فيها لموت، حياة نلتقي فيها مع الأحبة بإذن الله وقد تحول كل شيء في هذه الفانية إلى عدم، رغم كل ما نقاسيه من آلام وشجون ولكن القلب مطمئن ببشرى إلهية ونفحة ربانية بالجزاء الأوفى حتى وإن تجاوزنا حد الصبر في بعض اللحظات ولكن الله سبحانه وتعالى بعلمه ورحمته وحكمته وتدبيره يعلم أن المصيبة تفوق الاحتمال، وأنه لا يكلف نفسا إلا وسعها.
ونسأله سبحانه وتعالى ألا يؤاخذنا بما نسينا أو أخطأنا وألا يحملنا ما لا طاقة لنا به وأن يعف عنا ويغفر لنا ويرحمنا وأن ينصرنا على الظالمين، وأختم بمناجاة لولدي الحبيب وأقول له.. لقد رحلت يا ولدي الحبيب وبقيت كعبير الزهور في مروج الذكريات، رحلت عنا في مستهل الربيع ولكن بقيت فينا كشمسه ونسيمه وأشجاره وأزهاره.
تركتنا في ربيع عمرك وشبابك لتلحق بأقرانك من الشهداء في ربيع جنات سرمد لتلحق بعرسك في السماء، ولدي الحبيب كل شيء هنا كما تركته ليس على ما يرام! فالدنيا ليس فيها إلا الكذب والجور والنفاق وقد اختارك المولى عز وجل لمكان أفضل لكي تفرح بما أتاك ربك الرحيم الغفور وتستبشر بمن لم يلحق بك وذلك هو الفوز العظيم.. ارقد بسلام.