فلسطين في وجدان جمال عبد الناصر … بقلم د. معن بشور
لم يكن حب الفلسطينيين لجمال عبد الناصر يقل عن حب القائد العربي الكبير لفلسطين التي من قلب الحصار الصهيوني على “فلوجتها” الغزاوية ولدت فكرة ثورة 23 يوليو المجيدة، بل لفلسطين التي من أجل حماية ثورتها المعاصرة في أحداث أيلول/سبتمبر 1970 الأردنية، أسلم أبو خالد الروح لخالقها بعد إرهاق لم يتحمله الجسد العليل.
ويوم دعا جمال عبد الناصر إلى قمّة استثنائية في القاهرة لوقف نزيف الدم في الأردن، ولحماية العمل الفدائي الفلسطيني آنذاك، لم يتوقف كثيراً عند إساءات تعرّض لها شخصه من بعض الفلسطينيين، بل اعتبر أن “المقاومة وجدت لتبقى وستبقى”، وأن ” تصفية القضية الفلسطينية تمر بتصفية الشعب الفلسطيني”.
أما الفلسطينيون بالمقابل فقد خاضوا إلى جانب جمال عبد الناصر كل معاركه، واتشحت مخيماتهم وأماكن تواجدهم بالسواد يوم رحيله المبكر في 28 أيلول/سبتمبر 1970، بل شاءت الأقدار أن يتحول يوم رحيل القائد التاريخي بعد ثلاثين عاماً إلى انطلاقة الانتفاضة الفلسطينية الثانية في 28 أيلول/سبتمبر 2000، وليستشهد يومها أول أطفال الانتفاضة محمد الدرة، وهو يحتمي في حضن جدار كتب عليه شعار ناصر الخالد: “ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة” وهو الشعار الذي يردّده اليوم كل مقاوم في فلسطين والعراق ولبنان وسوريا، بعد أن ترجمه ثوار الجزائر إلى استقلال واسترداد للأرض والهوية.
وأهل غزّة بالذات يذكرون كيف أن مصر بقيادة جمال عبد الناصر كانت شريكة لهم في انطلاق مقاومتهم بعد الاحتلال 1967، وكيف أن أبناءهم من ضباط ورتباء وجنود قوات عين جالوت التابعة لجيش التحرير الفلسطيني الذين تدربوا وتسلحوا في مصر، كانوا عماد “قوات التحرير الشعبية” التي تحملت قسطاً كبيراً من المقاومة في سنوات الاحتلال الأولى جنباً إلى جنب مع (فتح)، والجبهة الشعبية بقيادة “غيفارا غزّة”، وغيرهما من المنظمات الفلسطينية، حتى قال الإسرائيليون يومها: قواتنا تسيطر على القطاع نهاراً، أما الليل فتصبح غزّة تحت سيطرة الثوار.
والفلسطينيون أيضاً يذكرون كذلك أن منظمة التحرير الفلسطينية نفسها ولدت بدعم من جمال عبد الناصر ورعايته، وبرئاسة القيادي الفلسطيني البارز الراحل أحمد الشقيري عام 1964، كما يذكرون أن (فتح) نفسها قد احتضنها جمال عبد الناصر بعد
سنوات على انطلاقتها عام 1965، ورغم الملابسات التي رافقت العلاقة بينها وبين القاهرة في البداية، وكيف أن ناصر اصطحب قائدها الرئيس الشهيد ياسر عرفات إلى موسكو عام 1969، فاتحاً أمام الثورة الفلسطينية المعاصرة آفاقاً عالمية كبيرة.
نجد أنفسنا مضطرين اليوم لاستعادة هذه المحطات من العلاقة التي ربطت بين فلسطين وجمال عبد الناصر، لا لأننا نحيي هذه الأيام الذكرى 61 لثورة 23 يوليو الناصرية فحسب، ولا لاعتزازنا بوفاء الجماهير المصرية الرائع، هذه الأيام، للقائد الراحل بعد أكثر من أربعين عاماً على رحيله وعلى حملات التهجم الضخمة ضدّ شخصه وتاريخه، بل أيضاً لأننا نود أن نذكّر بعض المتحاملين اليوم، في بعض وسائل الإعلام المصرية، على الأخوة الفلسطينيين بذريعة ممارسات غير مقبولة صدرت عن أفراد منهم، بعلاقة القائد الكبير بالقضية الكبرى وشعبها العظيم وكيف أنه تجاوز أخطاءً وإساءات من أجل فلسطين، ولنقول للجميع أن فلسطين لا يمكن اختصارها بحركة أو تنظيم، بفرد أو مجموعة أفراد، بممارسة خاطئة أو تجاوزات مسيئة، بل أنها المعيار والمقياس والبوصلة.
وكلنا على ثقة أن من صنع انتصار 30 يونيو، ورفع صور جمال عبد الناصر في الميادين والساحات على امتداد مصر من شمالها حتى أقصى الجنوب، ومن شرقها حتى مرسي مطروح، قادر على أن يطوي تلك الحملة الظالمة التي تسعى لتحميل شعب جريرة إساءات أفراد، ولتحميل حركة المقاومة الفلسطينية مسؤولية التباسات تبقى عابرة في العلاقة بين شعبين عظيمين ينتميان إلى أمّة واحدة هما شعب مصر وشعب فلسطين