كابوس مسيحين العصور الوسطى بإسبانيا الحاجب المنصور … بقلم الدكتورة أفراح ملاعلي
لم يكن للمسيحين في اسبانيا العصور الوسطى عدو أشرس و أقوى من الحاجب المنصور، ولم يحظى خلفاء قرطبة بقائد مثله. حياة المنصور كانت مليئة بالنجاحات و الانجازات فوصفته المراجع و المخطوطات القديمة بالقائد البطاش ، صاحب الكاريزما، الذكاء والدهاء العسكري و صاحب شخصية جذابة. كان بلا شك يستحق لقب العدو اللدود لمسيحين حروب الاسترداد.
في سنة 1040 يموت المنصور و يذهب الى الجحيم! هكذا تروي بكل حدية مدونات سيلينسي القديمة، والتي تصفه بالقائد الذي أثار الرعب في المماليك المسيحية بالقرن العاشر والذي لم يخسر معركة قط! لهذا لا يجب علينا نحن الباحثين بين صفحات التاريخ أن نتناسى هذا الحقد الظاهر ما بين السطور لهذه الشخصية والتي بموتها يتنفس كل مسيحي الصعداء بالأخص في شمال شبه الجزيرة الايبيرية، من غاليثيا و حتى برشلونة.
على الرغم من أن ولادة المنصور في مدينة من مدن مالقا ، توروكس، سنة 940 ميلادي لم تنذر بولادة قائد يلمع نجمه في سماء التاريخ ، الا أنه اشتهر بالمنصور! ولكن من هو؟ هو ابو عامر المعارفي . من عائلة اشتهرت بالبطولات و الشخصيات المتفردة، فجده هو عبد الملك، أحد مرافقين طارق بن زياد في فتح الاندلس سنة 711 و قيل انه كان عسكري باسل و مغوار و عند انتهاء عملية الفتح قدم له قصر و اراضي في مدينة توروكس كشكر و عرفان لأعماله الجليلة.
كانت عائلته مقتدرة ماليا فأتاحت له فرصة الذهاب لعاصمة العلماء قرطبة آن ذاك لدراسة الادب، التاريخ، و الترجمات العربية! و كان عمله الاول في الادارة العامة وعند وصوله سن 27 نراه عمدة للأمير عبد الرحمن ابن الخليفة الحكم.
في 1 من اكتوبر سنة 976 يرتدي المنصور ثوب الحداد على الخليفة الحكم الثاني حتى يصل ابنه للحكم الا أن عم ولي العهد طالب بالخلافة وكان سوف يصل الى العرش لولا أمر المنصور بقتله و هكذا يتسنى لابن الحكم ان يحكم بسلام!
في سنة 977 يقرر المسلمين شن حملة لتأديب أهل غاليثيا بسبب الترتيبات التي قاموا بها من أجل شن حملات صليبية خارج غاليثيا. المنصور بالصفوف الاولى لأول مره في هذه الحملة ذات الانتصار الساحق للمنصور، فيعود لقرطبة بعد توزيعه الغنائم كلها بين العساكر فعاهدوه بالولاء و النصرة. فأستغل المنصور هذه النقطة لصالحه متهما الوزير بالسرقة، فيسجن الوزير و يقتل بالسجن بشكل غامض. المراجع و المصادر لم تذكر القاتل ولكن ليس من الصعب عزيزي القارئ التخمين بمن يكون هذا القاتل الطموح. المنصور يقوم بتحويط الخليفة بالنساء في قصره بهدف اشغاله عن الحكم حتى يصبح فيما بعد الخليفة مجرد شبح لا يأمر أو ينهي، فتتسنى الفرصة لحاجبنا المنصور بالحكم وتكون هذه حقبة الازدهار و التمدن بكل ما تحتويه الكلمة من معاني جمة. على سبيل المثال تم انشاء العديد من المدارس ولكن بالوقت ذاته هذه السلطة المأسسة على حب الذات كانت ترفض أي معارضه سياسية حتى وصل به الحال الى أن يأمر أعوانه بحرق اكثر من 400 الف كتاب من المكتبات الخاصة للخليفة السابق! من ضمنهم كتب و مخطوطات ليس لها أي نسخ ثانية متفردة بعلوم الفلك و الفلسفة و الطب.
حتى في عهد عبدالرحمن الثالث لم يكن القرطبيين فخورين بقائدهم كما هو الحال مع ابي عامر، فيستغل هذه الجزئية مجددا و يلقب نفسه المنصور بالله، فيأمر جميع المآذن بالمدينة بنشر خبر أسمه اسمه و لقبه الجديد، فأشتهر بذلك حتى أصبح أعدائه يلقبونه بالمنصور و ليس أبي عامر.
في 3 من يوليو سنة 997 ميادي، يشن المنصور حملة بجيش جرار الى أراضي لمن يصل اليها أحد قبله الا وهي سانتياغو دي كومبوستيلا، مدينة التعبد و الحج للمسيحيين، فيحرق جيشه الاراضي المجاورة وصولا الى سانيتياغو فيتفاجأ بحصنها العظيم. بعد اختراق الحصن يحمل كل ما يمكن حمله الى قرطبة مع احترام قبر القديس و الحامي للمدينة كما يقول المسيحين. من ضمن ما تم حملة بعض البوابات والاجراس ، فتصبح ابوابا للمسجد والاجراس مصابيح!
يطول بنا قص حياة و مغامرات الحاجب المنصور والذي أصبح يعاني من مرض غريب. ولكن لم الهرم او المرض لم يوقفه عن شن حملاته، ففي سن 62 يمتطي جواده لشن حملة في اراضي ريوخا، حيث كنيسة القديس سان ميجان و يتم نهبها من قبل جيش المنصور، فيزداد عليه المرض فتتوقف الحملة و يعود ادراجه الى قرطبة! تصرخ هذه القرية بأن هذا عذاب اللهي بسبب نهب كنيسة سان ميجان ولكن لا مجال لتصديق هذه الهتافات اللامنطقية. يموت المنصور يوم 11 اغسطس فترتدي كل قرطبة زي الحداد حزنا عليه. و يبكيه أهل المدينة بين الازقة و الشوارع …
دمتم بعشق اسباني
