كاظم عبدالحسين.. والله يحب المحسنين …بقلم محمد حبيب المحميد
على سرير المستشفى استقبل الأهل والأصدقاء بعد عملية جراحية، غمرني فيها الأحبة بعطفهم ولطفهم، جاء اتصال من صاحبة القلب الكبير والحنان الوفير جدتي الحاجة “أم حسين” حفظها الله وأمد في عمرها ذخرًا وخيمة للعائلة، حيث كان جدي الحاج “كاظم عبدالحسين” طلب منها أن يطمئن على صحتي وهو العليل الذي يداوي الناس وهو على فراش علته، ولست سوى حفيد من عشرات أحفاده، وعلى يقين من أن لكل واحد من هؤلاء الأحفاد قصص مع هذا الجد المبارك، يشعر فيها كل واحد منا أنه المقرب ويستأنس بذلك، أصر علي حينها ليطمئن قلبه أن أزوره فور خروجي من المستشفى حيث كان لا يتمكن هو من الزيارة، لأنه لا يتأخر عن الكبير والصغير في ذلك، ليست القصة جد وحفيد، بل هي قصة رجل عاش يرعى عباد الله قريبهم وبعيدهم، دون اعتبارات سوى تلك التي رسمها الله تبارك وتعالى، قصة “حجي كاظم” العَلم العامل في ساحات الإسلام والرسالة والمجتمع والإنسانية، فهذا الموقف هو واحد من مئات المواقف التي أختزنها كشخص مر في حياة هذا الرجل، وما يختزنه الناس أكبر وأعظم من تاريخ سمعناه ولم نعيشه في مشاهد، وعاصرناه في مشاهد أخرى.
لست هنا لأعدد فضائل هذا الرجل الصالح الصابر، فقد كتب عنه القريب والبعيد، عن احسانه ورعايته للأيتام والأرامل، عن حركته في ميدان العمل والرسالة، عن اصلاحه لذات البين فقد كان بحق عبدًا صالحًا مصلحًا بين الناس، أرهقته الدنيا بتصاريفها فأرهقها بعمله الصالح، على جسده المنهك بعض آثار عمله وحركيته، لم يوقفه مرض ولا عله عن غايات البر ومساعي الخير، حتى حين صارع الموت في مجاهل أفريقيا وهو يقيم مشاريعه الإنسانية، وكما يقول هو دائمًا “شغل الله ما يوقف”، وهو عبد الله الذي سخر نفسه وعياله وكل من حوله في هذا السبيل، لم يوفر مالًا ولا جهدًا في سبيل الله تبارك وتعالى، هذه الفضائل لا يمكن عدها في مقال، بل أجزم أنه لا يمكن الإحاطة بها لأنه فيما كان يستطيع كتمانه كانت لا تعرف يده اليسرى عن ما اعطت اليمنى، ليظل الكثير من مواقف البر والخير في علم الله تبارك وتعالى لا سواه.
لاشك أن القرب من هكذا شخصية هو نعمة من الله تعالى تستحق الشكر، فهنا القدوة تكون عملية قبل الكلام والنصح الذي لم يبخل به الجد على أحد في حياته، مرة أخرى ليس الحديث هنا عن جد وحفيد، بل الحديث عن مدرسة في التدين، حيث لم نكن ننظر فقط إلى طول ركوعه وسجوده وهو الصارم في التزامه بصلاته وعبادته، بل كنا ننظر إلى عمله الصالح، ونستشعر بآلام وآمال قلبه التي لم تكن يومًا شخصية ومحدودة، كنا نعرف آثاره بأبناءه وبناته الصالحين، كلٌ في ميدان عمل وعلم وعطاء وبذل كما غرس فيهم هو تلك الصفات، هو النفس الكبيرة في كل تفاصيلها وهمومها، هو أبٌ للأيتام وذخر للأرامل، هو ثقة علماء الدين والحواضر العلمية، هو مدمن الحج الواله دائما لبيت الله وخدمة الحجاج، هو مشاريع الخير في أنحاء العالم، هو الحاج كاظم عبدالحسين والله يحب المحسنين.
رحلت ابنته في حياته بعد صراع مع المرض، كانت المرأة النموذج التي استلهمت من أبيها صفات الصبر والإحسان، فكان رحيلها أحد أقسى ابتلاءاته، فاحتسب وصبر فكان يجري الدمع من عينيه والشكر بلسانه!.. نعم إنها والدتي التي قال هو في رثائها أنها لم تغضبه قط في عمرها البالغ 51 عامًا، ومنذ ذلك الرحيل عاش يحمل همّ أبناء ابنته، متفقدًا الأحوال بكل حال هو فيه، يتسامى على مرضه وآلامه ليكون المعين على الفقد واليُتم، فأي فقد اليوم هو فقده؛ وأي ألم خلفه بعده؟! ومع الألم أي رسالة ترك في رحيله؟! حينما يرحل العبد الصالح لا يتوقف عمله، بل يزداد عطاءً حين يتسابق الناس لأعمال البر والثواب بإسمه، اقتداء به ومحبة له، ليخلف صدقات جارية لا يعلم ثوابها ومقام صاحبها إلا الرحمن الرحيم.
فالسلام عليك يا “حجي كاظم” رفعك الله في عليين وأدام ذكرك مثالًا لعباد الله الصالحين