لا عمرَ يكفي للقصيدة … بقلم الشاعرة خولة سامي سليقة
يقول جان كوكتو: “الشاعر كاذب يقول الحقيقة دائماً”. ما دامت القصيدة أوجاع الحقيقة، فأنّى لنا بأعمارٍ تكفي القصيدة؟! القصيدة أكبرُ منّا، أجملُ منّا، أشدّ منا، تحملنا و لا نطيق أن نحملها طويلاً. القصيدةُ امرأة الصّبر.
في عالمٍ صار يتلصّص على الشعر دون أن ينظر في عينيه، يتبع عزفه البعيد و يخجل أن يصفّق له، يتبرّأ منه شيئاً فشيئاً بحجة و بغيرها، ينسى أن الشعر و إن كان لا يخترع لنا عود ثقابٍ- كما يقولون- إلا أنه مسامير قوية تثبت إنسانيتنا في وجه عواصف توشك تقتلعها، يحفظ ليلنا من الإغراق في ظلمة لا ضوء بعدها، يبلّل يباس شفاهنا في رحلة طويلة طويلة.
كيف نسينا احتفاء العرب بالشعر على مرّ العصور سيّما في العصر العباسي‘ إذ ازدانت العصابات بالدّرر و اليواقيت و قد كُتبت عليها أبيات في صفائح الذهب، كذلك الزّنار، المروحة، فصوص الخواتم، الألبسة، المفارش، الأسلحة و الأكاليل، حتى على التفاح كتبوا الشعر بالذهب و الفضة، مما كتب:
“أنا للأحبابِ بالســرِّ و بالوصلِ رسولُ
أَتَهَادَى فأرِقّ القلبَ و القلبُ ملولُ”
في ضوء الاهتمام الحييّ بالشعر برزت مبادرة جريئة رائعة من أكاديمية البابطين للشعر العربي، أشرف عليها الدكتور مناف الكفري مدير أكاديمية البابطين للشعر العربي، تمثلت في إتاحة الفرصة للشعراء و المهتمين بالشعر في امتلاك أدواتهم الصحيحة و الأسس السليمة للكتابة، فأُعلن عن مجموعة من المحاضرات للمستوى الأول، تضمنت الدورة: ( البلاغة و الصورة الشعرية- مبادئ علم العروض- تحليل النص الشعري- النحو و الصرف- فنون إلقاء الشعر)، قدمها أساتذة متخصصون كالدكتور عبد الله غليس،
د. محمد حسان الطيان، أ. نورة القملاس، د. سلطان الحريري … ). و ذلك من خلال محاضرتين أسبوعياً تتناولان مادتين مختلفتين، مدة المحاضرة ساعتان.
امتدت الدورة من الأول من أكتوبر 2017 حتى يوم الأربعاء 10 يناير 2018، أعقبها اختبار تحديد المستوى للمنتسبين الذين كانوا قد التزموا عدد الساعات المطلوبة للحضور، فجاء الاختبار يوم الخميس 11 يناير 2018 شاملاً دقيقاً، تقدّم إليه الراغبون في الانتقال إلى المستوى الثاني. الأجمل من هذا كله كان التواصل المنتظم بين المنتسبين و د. مناف عبر إرسال رسائل تذكّرهم بموعد المحاضرة و اسم المحاضر و مادته، بالإضافة إلى تقديم نماذج معينة قبل الاختبار، و الإجابة عن أي سؤال أو استفسار يوجّه إليه داخل أوقات الدّورة أو خارجها.
من التطبيقات العملية التي أفادت المنتسبين كانت أمسيتان، عرض خلالهما نتاج الشعراء و الشاعرات من أبناء و بنات الأكاديمية بحضور المهتمين و عشاق الشعر، أتيح لأنماط الشعر كلها الظهور، مع كسر حاجز الرهبة بلقاء الجمهور. سينطلق الموسم الثاني و هو ( المستوى الثاني) مع شهر فبراير، حاملاً آمالَ الشعراء و الشاعرات إلى حيث لا يحدها مدى و لا يوقفها خوف. فأروع من احتضان قلم مُجيدٍ، أن تمد يدك إلى حبرٍ يرتجف، أو لا يجد في زحمة الهموم و الحياة و الأعمال سبيلاً إلى الورق، أن تكون الجسر لأحلام ستعثر يوماً على طريقها حين تشتدّ و تقوى.
لا يسعنا إلا أن نشكر من القلب مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية، و أكاديمية البابطين للشعر العربي و مديرها الدكتور مناف الكفري، و كل من أسهم في إنجاح المستوى الأول، و الشكر كذلك لكل محبّ للغة العربية و الشعر، طامح نحو الأفضل. فأياً كان ما يعانيه الشعر اليوم فإنا مؤمنون به و برسالته النقيّة. قيل:
” الشعر هو الحياة و قد قُطّرت”