مؤامرة الكلمات المتمردة ضد استقرار تاريخ الحقيقة في قصائد محبوبة أفشاري
محبوبة أفشاري، شاعرة إيرانية تكتب الشعر باللغة الفارسية، أي باعتبارها شاعرة إيرانية تستخدم النظرة والفكر الشرقي والآليات التاريخية للغة الفارسية ومتطلباتها اليومية، كما هو الحال مع أي جنسية ولغة أخرى في العالم، حيث إلى جانب الحفاظ على خصائصها العامة، تكون لها جغرافيتها الداخلية والخاصة بها، وبسبب طبيعتها التاريخية، فإنها تحافظ أيضا على طابعها الشرق الأوسطي الحالي. ويرجع هذا التركيز إلى حقيقة أن قصائدها تتحدث بالضرورة عن أحداث، إذ يتم استخدم طريقة مفضلة للتعبير، وتظهر صور، وتُستخدم الاستعارات، ويتم تقديم المعاني ولذلك، يحدث هيكل داخلي دلالي يتأثر بالظواهر الإقليمية واللغوية، مما يدل على حساسية الشاعرة المباشرة عليه وتأثيره على تفكير الشاعرة في نفس الوقت.
وفي الوقت نفسه، نتذكر أن من قام بكتابة الشعر، امرأة والأحداث الشعرية في هذه المنطقة وهذه اللغة اجتازت شبكة إمكانية مشاعرها وعواطفها الأنثوية، وهكذا، من بين هيمنة لغة لفكر تاريخي ذكوري، تميل إلى البحث عن مكانتها المختلفة. لذلك، نحن نعتقد أن محبوبة الشاعرة تتحدث في موقف أكثر صعوبة، حيث يتم الجمع بين معركة الشعر والنضال أمام الاستبداد وهيمنة التاريخ، والمجتمع، والثقافة واللغة، إذ أن هذه الصعوبة، تبرز جهودها في شكل القصائد، وسوف تكون أكثر تحديدا، ولكن هذه الجهود مخدوشة في نفس الوقت. على سبيل المثال، في خضم الحقائق الهائلة والمرعبة في هذه المنطقة يوميا، تكون مضطرة لتحويل علاقتها العاطفية مع الضمير الرومانسي إلى بيان صعب، وموجز وهادف في لغة اليوم:
هذا الماء المتلألئ
الذي يأخذ وجهي
كي يعلقه على الأغصان العالية
يعرف أنني
لم أحدق في المرآة منذ تسعة أيام
تسعة أيام
قط
حتى أنك
تصبح تشبه نفسك تماما
كتفاحة انقسمت شطرين
وعطرها لا زال طبيعيا
بوذا
كان مضطربا في طيات تنورة إحداهن
وأنت
كنت تقوم بتطعيم الكلمات الحلوة لأغصان الأشجار
والشمس كانت قد سقطت في مكان قريب
خلف أول ظل
والريح المشاكسة
ترسم خطا حول القمر
دائرة في دائرة
وكثيرا من الأجراس
تقسم بأقراطي
والعاصفة الذهبية
ترقص من جديد حول خلخال قدمي
أو أن ترى لون الحياة والأمل عبر نمو العشب على القبور التي تحيط بها، ووحدها الريح تعبر بهدوء من بين القبح والخوف الظاهر من حولها.
وأن هكذا نظرة فظيعة وحتمية، على الرغم من أنها في المقام الأول، تعتبر تقريرا عن موقع مع حدوث كارثة في واقع كثيف، ولكن في المقام الثاني، أمل الشاعرة هو استمرار الحياة من جديد في مكان حيث بدأ الموت مواجهة هذا الأمل ولا يزال يواجهه بجدية. والرغبة في بدء الأمر يبدو أنها قد وصلت إلى التدمير النهائي، ولكن الشاعرة والعشب والرياح فقط لا تزال لا تصدق ذلك ويحدث كل هذا الصراع بين شخصين أعطيا مكانهما إلى معنى الموت والحياة في تحول دلالي:
لعبتنا، أنا وأنت
كانت لعبة الكولونيا والعرق
العرق الذي تفوح منه رائحة الحياة
والكولونيا التي تفوح شِعرا!
الحقائق المحيطة بالشاعرة، إنما هي سرد للماضي، أكثر من أي شيء آخر، وأنها لا تزال تنتمي إليه. وعلاوة على ذلك، بما أن هذا الماضي كابوس مدمر، فبدلا من أن يتحول إلى حلم، أصبح كابوسا لا يفصل حدود نفسه عن الواقع والمأساة في ذهنها. لذا فإن العناصر المجازية للطبيعة أيضا، بدلا من تجميل وتلميع الذكريات التي تأتي على البال، تتعاون معها مثل العوامل البشرية التي تساعد على الترميم المؤلم للدمار:
الليل
مجبرُ عظام
تحت ضوء القمر
إذ يقوم بجبر عظام الشارع
في المكان الذي بقيت الشاعرة عالقة فيه، توجد مكانة أخرى للناس الآخرين في المجتمع البشري. إما أن يُمَوِّتوا أو يموتوا. أو أنهم بادروا على فعل أمور، نتاجها خلو المدينة والشعور بالوحدة للشاعرة والكلمات، وهذا ما تبقى من كل هذه الحياة الممكنة للشعر، أي موقع تجريدي بحت في مخبأ متحسر للشاعرة. بمعنى أن الأضواء والكلمات التي تقبع وراء الأوراق، تأتي لمشاهدة الشاعرة بعد انطفاء الشمس وسطوعها:
حين تنطفئ الشمس
تتغامز مصابيح إنارة الشوارع
إلى بعضها البعض
والكلمات من وراء الأوراق
إن استخدام العناصر الطبيعية في قصائد محبوبة أفشاري يبدو في النظرة الأول، تضليلي وطبيعي، ولكن هذا ليس صحيحا. بل إنها على حد تعبير فيسوافا شيمبورسكا، قد دعت العناصر للمساعدة عبر التفكير الحداثي واستجابت لها.
تحدثنا عن المساعدة! أجل، كل الأشياء التي تحيط بخيال الشاعرة، ليس فقط في المكان والمعنى، بل حتى في الشكل والمكانة المنشودة لدى الشاعرة، وكذلك في التوقعات العادية أيضا، أدت إلى الاضطراب والتفكك، وبالضرورة، لقد حصلت مهمة لتجميع كل العناصر الحقيقية والدلالية الموجودة لإعادة بنائها على يد الشاعرة، وإلا ستكون هناك كارثة:
أريد الليلة كما امتداد ضوء القمر، أكون عاشقة
أنادي عليك
من سطح ناطحات السحاب التي حددتها بنفسك
في منحدرات جبال لواسان[1]
التي تضع الخلاخيل
والتي وعدتُ بأنها
سوف تتلاقى في مكانٍ ما من الشعر إلى الأعالي والفجر
هنالك حيث الخراتيت يقمن بانقلاب
حين يتعبن من الرقص
وربما أنت ضابط ثمل من عريشة الكروم والخنجر
وسقط بدرعه المعدني
أضحكُ
والكلمات تبتعد من نهاية الطريق الواضعة أحمر الشفاه.
……………………………………………………………………………………………….
بقلم الشاعر والناقد الإيراني: مظاهر شهامت
ترجمة: محمد حمادي
[1] . لواسان أو لڤاسان (بالفارسية: لَواسان) هي مدينة إيرانية تقع في منطقة لواسانات في مقاطعة شميرانات في شمال محافظة طهران في إيران.