معركة كسب العقول والقلوب … بقلم محمد حبيب المحميد
نعيش اليوم واقعًا معقدًا رغم أن تقنيات التواصل الإجتماعي من المفترض أن تبسطه وتوضحه ، إلا أنها زادت خلط الأوراق ، مشاركة بذلك كافة وسائل الإعلام التقليدي ، فكانت مرآه عاكسة لأجنداته ، لذلك نعيش زمن اختبار دقيق للوعي ، وعي الواقع المعاش ، ووعي ما وراء الأحداث ، ووعي ما وراء الخبر ، هذا الإختبار الدقيق يتطلب فهم دقيق للإستراتيجيات والتكتيكات الصانعة للأحداث ، وبالتالي فهم حركة الإعلام بشقيه التقليدي والإلكتروني ، إذ تخوض هذه التكتيكات معركة لكسب العقول والقلوب ، معركة كسب الرأي العام ، الذي هو الحاضن لأي مشروع ، والضامن لنجاحه لخدمة الإستراتيجيات المبادرة.
الإعلام بكل أنواعه ليس خدمة مجانية تقدمها الجهات التي ترعاه ، بل هي راعي موجه وصانع للخبر ومشكل للرأي العام ، من خلال طريقة نقل وصياغة الخبر ، إما عن طريق إبراز حدث على حساب آخر ، أو الإلهاء عن خبر لصالح آخر، أو التلاعب بمضامين المصطلحات ، فالإعلام الماهر المتمكن استطاع في مواضع عدة جعل الضحية جلاد والجلاد ضحية ، وغيّر في مواضع أخرى وجهة الرأي العام على حساب قضية ما ، وكلها لخدمة الإستراتيجيات الصانعة للأحداث ، وهنا ميدان معركة كسب القلوب والعقول ، أي ميدان الوعي الدقيق .
إن أول ما يستعين به المرء كي لا يكون ضحية الصراعات الإستراتيجية المحركة للإعلام ، على حساب معرفة الحقيقة ، هو الإطلاع على تلك الإستراتيجيات والتكتيكات بمراحلها وآلياتها ، لفهم المعلومات بسياقها الصحيح ، وقراءة التصريحات السياسية والإعلامية بناءً عليها ، واستقاء المعلومة من المصادر الأمينة والمهنية ، التي تقترب من الواقع بشكل أكبر من غيرها ، ليتمكن من التحليل الصحيح ، وبالتالي البناء الصحيح لأي حركة .
الإنسان المتابع للساحة والمتحرك فيها ، لابد له وأن ينطلق من خلال مبادئ وقيم ، أي ما يُسمى أيدلوجيا ، وأيًا كانت تلك الأيدلوجيا فهي حتمًا مشارك في صراع الإستراتيجيات ، لذلك وجب أن يقرأ الواقع ويفهمه كما هو بتجرد ، من خلال ما ذكرنا من سياقات الأحداث المنبثقة من الإستراتيجيات المتصارعة ، ثم يقيمه من خلال منطلقاته هو الفكرية والأيدلوجية ، ليتعامل معه بالطريقة الصحيحة ، وتكون حركته منسجمه مع ما يعتنق ويعتقد .
في معركة كسب العقول والقلوب يسعى كل طرف لشيطنة الآخر لدى الجماهير الغير منتمية ، أو ما يسمى بالمنطقة الرمادية من الناس ، وتجد انعكاس ذلك جليًا في التواصل الإجتماعي الإلكتروني واضحًا ، حينما ينجح طرف ما في هذه المعركة ، فيكون الآخر دومًا شيطان يُشك في كل تصرفاته ، ولا يؤمن له مهما قدم من خطوات تدل على سلامة النية ، ومهما كانت واضحة ، وهذه العملية خطيرة في حرف وعي الأمة ، إذا ما نجحت في تهميش عدوها وخلق آخر ، وما طرحتُ مواقع التواصل كإنعكاس إلا لكونها نموذج لنبض الشارع السياسي والإجتماعي ، لا صانع للإستراتيجيات ولا موجه للرأي العام .
قضية فلسطين المحتلة من البحر إلى النهر ، هي قضية محورية لدى الأمة منذ الوعد المشؤوم ، والعدو فيها واضح وجلي حتى لرجل الشارع البسيط ، وهذا ما “كان” ، أما اليوم وبعد خلط الأوراق بشكل جنوني ، نجد أن العدو الصهيوني هو آخر ما يُشار إليه كعدو ، واستبداله بأعداء وهميين ، مما استنزف بعد موارد الأمة المادية والبشرية؛ نفوسها التي تأزمت إما طائفيًا أو فئويًا إلى أجيال قادمة ، نتيجة هذا الحرف الخطير في بوصلة العداء .
على ذلك كله ينبغي أن نثبت البوصلة على الإتجاه الصحيح ، نحو القدس الشريف الذي ينتظر من الأمة بجناحيها ، سنةً وشيعة أن يطيرا به نحو الحرية والكرامة ، وأن نعي حجم خباثة العدو في شيطنه دول وكيانات أخرى ، وإلهاء الرأي العام بمعارك وهمية طائفية أو فئوية ، لنقرأ استراتيجيات الصهاينة وحلفائهم ، لنعي حجم المؤامرة في كل أحداث الإقليم والمنطقة ، ولنتحرك وتتحرك حكوماتنا في الإتجاه الصحيح في التحالفات العالمية .
وليكون ذلك لابد أن نخوض معركة كسب العقول والقلوب بكل أدواتها المهنية ، ولكي نخوضها ينبغي أن تكون لنا استراتيجية مبادرة للمستقبل ، ولتكون لنا استراتيجية ينبغي أن تتغير خارطة الأحلاف نحو تشكيل حلف إسلامي إنساني بين الدول يرعى هذه الإستراتيجية المبادرة ، حلف يقوم على مبادئ واضحة ، يعيد لحضارة الإسلام مكانتها المستحقة بين الأمم ، ولا يقوم هذا الحلف بالدبلوماسية الرسمية فقط ، بل لابد أن تسنده دبلوماسية المسار الثاني ، أي الدبلوماسية الشعبية ، والتي تشد أزر الحلف الرسمي ، وتحصن جماهيره من مكر معارك كسب القلوب والعقول .