مناهج تبني الوطن …بقلم محمد حبيب المحميد
التعددية مصطلح حديث مارسه أهل الكويت قديمًا ، فالإختلاف الذي تشكلت منه أطياف هذا المجتمع نتيجة الهجرات ، كان وما زال ثراء لهذا الوطن إذا ما استثمر في التعاون والتنافس والتكامل ، وقد أتقن أهل الكويت فن التعايش رغم اختلافاتهم العرقية والمذهبية ، ولم تتحول إلى خلافات بل احترم كل فئة خصوصية الآخر وعملوا بما اشتركوا فيه من قيم ومبادئ أولًا ، ومصالح ومصير مشترك ثانيًا ، ولذا ساد التسامح الديني والمذهبي والفكري ، ونهضت البلد على يد الآباء والأجداد بهذه الروح الطيبة والثقافة المتسامحة ، التي شكلت أرضية خصبة للعمل الجاد والمخلص من أجل الوطن .
لا تعني ثقافة التسامح التنازل عن المعتقد والمبدأ ، ولا تعني الميوعة الفكرية بعدم اتخاذ معتقد ومبدأ ، بل هي ثقافة تعايش لمجتمع متعدد ، يعمل بالمشتركات ويحترم الإختلافات ، ويجعل نقاشها العلمي في محلها ، يقول الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام) : “صلاح شأن الناس التعايش ، والتعاشر ملئ مكيال ثلثاه فطن وثلث تغافل” ، فإذا فهمنا ثقافة التسامح بنفي التنازل والميوعة بل وبالتأكيد على الثبات المبدأي ، نبدأ الحديث إصلاح الحالة الإقصائية في المناهج التربوية ، وبالذات في منهج التربية الإسلامية محط الجدل السياسي والتجاذب الطائفي .
لا يختلف التربويون على أهمية منهج التربية الإسلامية في العملية التربوية التعليمية ، ولذا أخذ حيزًا كبيرًا بين المناهج التربوية ، وكذلك من التجاذبات السياسية والمذهبية ، وإلغاء تدريس منهج التربية الإسلامية مطلب غير عقلائي لا يعبر عن ثقافة التسامح المراد ترسيخها ، بقدر ما يعبر عن تنازل غير مقبول مبدأيًا ومجتمعيًا ، ولضرورة وأهمية هذا المنهج برزت المطالب بإصلاحه وتطويره ، من خلال تأسيسه تأسيسًا عامًا يرتكز على المعتقدات المشتركة بين كافة المسلمين ، المسماة بالثوابت الإسلامية ، مع عدم الخلط بينها وبين الثوابت المذهبية .
منهج التربية الإسلامية في التأسيس لابد وأن يطغى عليه الطرح القيمي الأخلاقي الذي جاء نبينا الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) به ، لحاجة المجتمع إليه وإتفاقه عليه ، أما في القضايا المختلف فيها وعليها ، فقد آن الأوان أن تُدرس بمنهج مقارن يعرض الآراء كما هي ، سواء في مناهج التربية الإسلامية أو غيرها من العلوم الإنسانية ، فالتعدد واقع معاش يحتاج لتهذيبه كسر حواجز الجهل بالآخر ، وأول ما يكون هذا الكسر هو في التعليم على المنهج المقارن ، فلتعرض آراء الفقهاء في الفقه ، ولتعرض آراء المتكلمين في الكلام ، وليتعرف المتعلم على الآخر من خلال منهج علمي يعتمد على مصادر موثوقة لدى الفرق الإسلامية أو الكلامية أو الفلسفية ، لتتوسع الآفاق وتتسع الصدور ويترسخ التسامح .
مضافًا لما سبق وترسيخًا للثقافة الإسلامية لمفهوم التسامح والتعايش فإن المطلوب من واضعي مناهج التربية الإسلامية التركيز حسب المراحل الدراسية على طرح الفكر الإسلامي النبوي في التعامل مع الآخر ، وكأحد أبرز الأمثلة وثيقة المدينة المنورة التي أبرمها النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) واعتبر فيها مجتمع المدينة بتنوعاته وأطيافه الدينية والعرقية أمة واحدة ، وكذلك موقفه الأخلاقي (صلى الله عليه وآله وسلم) مع مشركي مكة في الفتح ، وسماحته في التعامل مع نصارى نجران وغيرها الكثير من حياته الزاخرة بثقافة الرحمة للعالمين مع التمسك بدين الله جل جلاله وعدم التفريط به قيد أنمه وتمثل ذلك في قوله لعمه أبو طالب (عليه السلام) : ” يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته ” .
حين تترسخ مثل هذه الثقافة التعددية في نفوس المتعلمين ، عبر المناهج التربوية التي تعرض الآراء المختلفة في أبحاث مقارنة حسب استيعاب كل مرحلة ، يتمكن الطالب من استيعاب الإختلافات الفكرية وكيفية تهذيبها ، ووضعها في موضع البحث والدراسة دون تطرق العواطف إليها ، والمناهج المقارنة مفيدة في تنمية مهارات المتعلم في التحليل والتفكير والنقد ، وتساهم في بناء وطن يتعايش أبناءه بكل تسامح وأريحية .