11عام لتولى قائد الانسانية مقاليد الحكم
تشرق شمس الكويت غداً وهي تحمل بين ثنايا أشعتها ذكرى مميزة ليوم تاريخي مشهود لن ينساه الكويتيون أبدا عندما وقف صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد في 29 يناير 2006 تحت قبة البرلمان ليؤدي اليمين الدستورية حاكما للبلاد.
ففي مثل هذا اليوم قبل 11 سنة تولى صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد مسند الإمارة وسط تأييد شعبي ورسمي كبير حيث بويع بالإجماع من قبل أعضاء السلطتين التنفيذية والتشريعية أميرا للبلاد ليصبح بذلك أول أمير منذ عام 1965 يؤدي اليمين الدستورية أمام مجلس الأمة.
وولد صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد في 16 يونيو عام 1929، وهو الحاكم الخامس عشر للكويت والابن الرابع للشيخ أحمد الجابر الصباح طيب الله ثراه حيث توسم في سموه الفطنة والذكاء منذ صغر سنه فقام بإدخاله المدرسة المباركية ومن ثم أوفده إلى بعض الدول لاسيما الأجنبية منها للدراسة واكتساب الخبرات والمهارات السياسية.
وبعد عودته بدأ سموه ممارسة العمل في الشأن العام حيث عين عام 1954 عضوا في اللجنة التنفيذية العليا التي عهد إليها آنذاك مهمة تنظيم مصالح الحكومة ودوائرها الرسمية.
وفي عام 1955 عين رئيساً لدائرة الشؤون الاجتماعية والعمل، وفي عام 1957 أضيفت الى مهام سموه رئاسة دائرة المطبوعات والنشر.
وبعد استقلال دولة الكويت عام 1961 عين سموه عضوا في المجلس التأسيسي الذي عهد إليه مهمة وضع دستور البلاد وفي أول تشكيل وزاري في الكويت عام 1962 عين سمو الشيخ صباح الأحمد وزيرا للارشاد والأنباء.
وفي 28 يناير 1963 وبعد إجراء أول انتخابات تشريعية لاختيار أعضاء مجلس الأمة عين وزيرا للخارجية لتبدأ مسيرة سموه مع العمل السياسي الخارجي والديبلوماسية التي برع فيها ليستحق عن جدارة لقب مهندس السياسة الخارجية الكويتية وعميد الديبلوماسيين في العالم بعد أن قضى أربعين عاما على رأس تلك الوزارة المهمة قائدا لسفينتها في أصعب الظروف والمواقف السياسية التي مرت على دولة الكويت.
ولعل من أبرز المواقف التي مرت على الخارجية الكويتية أثناء قيادة صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد لها حين رفع سموه علم الكويت فوق مبنى الأمم المتحدة بعد قبولها عضوا فيه في 11 مايو 1963.
وطوال أربعة عقود تمكن صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد من قيادة السياسة الخارجية إلى بر الأمان من خلال انتهاجه مبدأ التوازن في التعامل مع القضايا السياسية بأنواعها، فاستطاع بعبقريته السياسية أن يتخطى بالكويت مراحل حرجة في تاريخها.
وبذل سموه طوال سنوات قيادته لوزارة الخارجية جهدا كبيرا في تعزيز وتنمية علاقات الكويت الخارجية مع مختلف دول العالم خصوصا الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن.
وشهدت البلاد نتيجة ذلك استقرارا في سياستها الخارجية وثباتا اتضحت ثماره في الثاني من أغسطس عام 1990 عندما وقف العالم أجمع مناصرا للحق الكويتي في وجه العدوان العراقي والذي أثمر صدور قرار مجلس الأمن رقم 678 الذي أجاز استخدام كل الوسائل بما فيها العسكرية ضد العراق ما لم يسحب قواته من الكويت.
وفي 14 فبراير 2001 اسندت إلى سموه مهمة تشكيل الحكومة بالنيابة عن ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء آنذاك الأمير الوالد الراحل الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح طيب الله ثراه بسبب ظروفه الصحية. وفي 13 يوليو 2003 صدر مرسوم أميري بتعيين سمو الشيخ صباح الأحمد رئيسا لمجلس الوزراء.
وحرص سموه من اللحظات الأولى لتوليه منصب رئاسة الوزراء على تبني رؤية شاملة وعميقة للتنمية في الكويت تطول مختلف قطاعات الدولة وعلى رأسها القطاع الاقتصادي، فقام سموه بتشجيع القطاع الخاص وفتح فرص العمل الحر أمام الشباب الذين يضعهم سموه في مقدمة اهتماماته ورعايته من خلال دعم المشروعات الصغيرة.
واستمر صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد في مسيرة العطاء رئيسا للحكومة حتى وفاة المغفور له الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد طيب الله ثراه في الخامس عشر من يناير عام 2006 عندما اجتمع مجلس الوزراء واتخذ قرارا بالإجماع بتزكية سمو الشيخ صباح الأحمد أميرا للبلاد وفقا للمادة 3 من قانون توارث الإمارة الصادر عام 1964.
وانطلاقا من هذا القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء ومن مبايعة أسرة آل الصباح عرض الأمر وفقا للدستور على مجلس الأمة الذي عقد جلستين يوم الأحد 29 يناير 2006 خصصت الأولى لمبايعة أعضاء مجلس الأمة لصاحب السمو الشيخ صباح الأحمد أميرا للبلاد فيما خصصت الجلسة الثانية لتأدية سموه القسم الدستوري أمام المجلس بحضور جميع أعضاء مجلس الوزراء.
ومنذ ذلك اليوم التاريخي بدأت أسطر جديدة تكتب في تاريخ الكويت وفي مسيرة سموه في قيادة هذا الوطن العزيز حيث استمر في تكريس رؤيته الثاقبة في الاهتمام بالاقتصاد لأنه عصب التنمية والتطور في أي مجتمع.
وشهدت البلاد خلال السنوات الإحدى عشرة من توليه الحكم نهضة تنموية شاملة ترتكز على مجموعة من المشاريع الضخمة من أبرزها مدينة (صباح الأحمد البحرية) التي تعد أول مدينة ينفذها القطاع الخاص كاملة ما يدل على تشجيع سموه على إعطاء القطاع الخاص دورا أكبر في المساهمة في تنمية الكويت وتنشيط عجلة الاقتصاد.
ولم يغفل سموه عن إدراك أهمية بناء المجتمع الكويتي من الداخل والحفاظ على وحدته وتماسكه في ظل الأخطار والتقلبات التي تعصف بالمنطقة من حين لآخر، فكان التفجير الإرهابي الذي تعرض له مسجد الإمام الصادق في 26 يونيو 2015 أكبر دليل على تلاحم القيادة والشعب في الكويت في مشهد مهيب وقف له العالم إكبارا وتقديرا.
فبعد فترة قصيرة من وقوع حادث التفجير الإرهابي الذي أودى بحياة 26 شهيدا وعشرات الجرحى سارع صاحب السمو أمير البلاد الى الحضور شخصيا الى موقع الحادث غير عابئ بالأخطار التي قد تحيط به أو تهدد سلامته ليطلق عبارته الإنسانية الشهيرة (هذولا عيالي).
ودائما ما يشدد صاحب السمو على التعاون بين الحكومة ومجلس الأمة، ولعل من أبرز أقواله في هذا الصدد: «…علينا أن ندرك أن التعاون الايجابي المثمر بين السلطتين التشريعية والتنفيذية قدر حتمي لتحقيق النقلة النوعية نحو التغيير والإصلاح، ودفع مسيرة البناء والتنمية إلى الأمام، وأن الإرادة الوطنية الواعية سبيلنا إلى الإمساك بكافة مقومات النجاح والإبداع والتميز والتحلي بالمزيد من رحابة الصدر وتقبل الرأي الآخر، والتزام الموضوعية في مختلف الظروف والأحوال، وتغليب الصالح العام، ونبذ التحزب والأهواء الطائفية والقبلية والفئوية الضيقة، لتبقى الكويت دائماً هي الرابح الأول والأكبر…».
أما على الصعيد الخارجي فقد تبوأت الكويت – نتيجة لسياسات صاحب السمو ورؤيته الحكيمة القائمة على تولي زمام المبادرات في العمل الخيري الإنساني – مركزا مرموقا بين دول العالم خلال السنوات الـ11 الماضية استحقت عليه أن يتم اختيارها من قبل الأمم المتحدة (مركزا للعمل الإنساني) وتسمية سمو الشيخ صباح الأحمد (قائدا للعمل الإنساني).
ورغم كل ما يسجل من إنجازات تفخر بها الكويت والكويتيون، إلا أنها تبقى حروفا قليلة في صفحات كتاب صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الذي كانت الكويت ولا تزال وسوف تبقى يسكن في قلبه عشقها فأخلص لها وكرس حياته لخدمتها والوفاء لها، وهو القائل في أول خطاب له بعد توليه الحكم «إن الكويت هي التاج الذي على رؤوسنا وهي الهوى المتغلغل في أعماق أفئدتنا».