أسطورة الحمامات الشعبية بالقاهرة الفاطمية تناضل من أجل البقاء
القاهرة … نرمين محب
سنوات عديدة تراجعت فيها أسطورة الحمامات الشعبية ولم يبقي منها غير مثل يردده المصريون دائما”إللي أختشوا ماتوا” ويرجع أصله إلي حريق شب في حمام شعبي للسيدات فخرج بعضهن مسرعات وهن عاريات وأستحي البعض من الخروج فلقين مصرعهن داخل الحمام “لتعود الحمامات الشعبية وتأخذ شهرتها في الأحياء الشعبية والراقية فيكمن جمالها في معمارها المُشبع بالتراث ومكوناتها التقليدية البسيطة، إلا أنها أصبحت مقصداً للعرائس المقبلات علي الزواج، والنساء الراغبات في الحفاظ علي جمالهن، فضلاً عمن يبحثون عن علاج لآلام العظام والتشنُجات العضلية.ولمن لا يعرف الحمامات الشعبية المنتشرة في أحياء القاهرة الفاطمية ومصر القديمة فهي “سبا” أو ساونا” لكن بأدوات تقليدية للغاية تقوم علي تسخين بعض الحجارة في إزالة الشحوم والدهون العالقة بالجسم ثم تبدأ مرحلة التكيس والتدليك لأجسام السيدات بالماء الساخن وأزدهرت الحمامات الشعبية في العصر العثماني وكان عددها 365 حماما .. أختفت الأن ولم يبق منها سوى 10حمامات..واشهرها حمام الملاطيلى ، وحمام الاربعاء وحمام الجيوشى ،وحمام الثلاثاء و حمام عوكل “فالحمامات الشعبية قديما لم تكن مكانا للنظافة فقط بل لعب دورا مهما في المجتمع المصري فكان يمثل منتدى يقضي فيه الأصدقاء وقتا طيبا سواء الرجال أو النساء، كما كان يمثل عنصرا رئيسيا في تقاليد الزواج، ويتساوى في ذلك الفقراء والأغنياء ، كما كانت الحمامات الشعبية مزارا دائما لبشوات عصر الثورة 1952 الذي انتعشت فيه الحمامات وكانت مكانا للسمر وتبادل الوان الحديث في الحياة الاجتماعية والسياسيةوأجمل مايميز الحمامات الشعبية رائحة التاريخ وملامحه التي تجلت على كل شئ من حولك، الحوائط و السلالم بنيت من الحجر الجيرى العملاق، فكل شئ في الحمامات يحمل رائحة خاصة تدل على عبق التاريخ ” وتتسم الحمامات الشعبيةبالديكورات والزخارف الإسلامية الكلاسيكية القديمة والأبواب الصغيرة والممرات الضيقة، التي تعمل على توفير الهدوء ومنع التيارات الهوائية والضوضاء ، و تختلف فيما بينها في التفاصيل والعناصر الأخرى مثل عدد الأحواض والقباب والزخارف. وتتكون معظم الحمامات الشعبية من بوابة خارجية متصلة بمدخل ينتهي بساحة لأستقبال الزائرين وحفظ أماناتهم ومتعلقاتهم ومجموعة من الغرف الداخلية التي تتكون من فسقية يجلس اليها الزائر ليتم تكييسه وغرفة بها دش قديم وأخري للمغطس تكاد لا تظهر من غزارة البخار وسقف أثري.مصدر المياه والبخار في الحمام هو بيت الحرارة، الذي يحتوي علي مغطس وحوض ممتلئين بالمياه الساخنة التي تصل اليه عبر بئر للمياه في أسفل الحمام، ويتم تسخين المياه بالمستوقد الذي يوجد بجوار الحمام، الذي يكون غارقاً في سحب البخار المنبعثة من المياه الساخنة. و الأدوات المستخدمة في برنامج الحمام بدائية وتقليدية، وفي مقدمتها الحجر الأحمر، الذي يستخدم في حك القدمين واليدين ليعطي النعومة المطلوبة للجلد، مع كشط وإزالة الجلد الميت من الجسم خاصة القدمين واليدين، وهو يمنح الجلد ملمسا ناعماً، والصابون المصنع من زيت الزيتون، وليفة مصنعة من قطع القماش الخشن لتدليك الجسم وإزالة الجلد والخلايا الميتة، إضافة لوابور الجاز العدي واواني تسخين المياه.
وفى جولة باحدى اشهر الحمامات الشعبية بالقاهرة وهو حمام الملاطيلى الذى أصبح الأن إسمه حمام مرجوش بحى باب الشعرية يقول صاحبة المعلم زينهم ” ان تاريخ انشاء الحمام يعود إلى عام 1780م حيث تم بناءه في عهد الوالي العثماني إسماعيل باشا، واشتهر باسم حمام الملاطيلي نسبة إلى جد المعلم زينهم، سيد الملط الذى اشترى الحمام من العثمانين، لكن تغير اسم الحمام حاليا إلى حمام مرجوش نسبة إلى الشارع الذي يقع فيه في حي باب الشعرية، ويعمل الحمام فترتين، فترة صباحية للنساء من السادسة صباح الي الثالثة عصرا وفترة مسائية للرجال من السابعة مساء حتى الرابعة فجرا .. وهو الحمام الوحيد الذى لم يتغير معماره وما زال محتفظ بتقاليده وأهمها الفصل بين السيدات والرجال ونوعية الأدوات التقليدية المستخدمة ثم البخار المتصاعد في سماء الحمام والذي يساهم في اشعار الزبون بمزيد من الاسترخاء والراحة. لافتا الى ان زيارة واحدة للحمام تخرج كل أمراض الدنيا من جسد الرجل أو المرأة وتجعله يستعيد حيويته.
تدير الفترة الصباحية الخاصة بالنساء الحاجة ام رأفت وتقول انها ولدت وعاشت عمرها بأكمله تعمل فى الحمام وانها الحقت بناتها لمساعدتها ايضاً للعمل به، تقول ان اغلبية مرتادى الحمام الان من الفتيات المقبلات على الزواج وذلك لاعدادهن للعرس والزفاف مشيرة الى ان الملاطيلى يتميز عن غيره من الحمامات بأنه ما زال قابعا فى القدم وفى الحفاظ على ادواته الاصيلة فى الاستحمام ، مثل قطع القماش الخشن والحجر الأحمر التي يتم حك جلد القدمين واليدين بها لتعطي النعومة المطلوبة لهذا الجلد وذلك بعد مرحلة من عمر الفتاة او العروس بنوع تقليدي من الصابون وشطفه بماء غزير
واكدت ام رأفت ان العمل فى الحمام متعة كبيرة بالنسبة لها كما ان النظافة والخصوصية أكثر ما يحرص عليه الجميع داخل الحمام مشيرة الى ان ما يقرب من 16 سيدة وفتاة منهن تعمل معها للقيام بالادوار المطلوبة فى الحمام، من تكييس وتدليك ورسم حناء وغيرها.
العروس تأتي منذ الصباح ليتم إعدادها إعدادا كاملا، ويأتي العريس كذلك للاستحمام والحلاقة، و عن خدمات الحمام فهى تتنوع مابين نظافة للجسد وتكييس ومساج وماسكات كماسك المغربي وماسك الترمس ويعقبها حمام بارد للتخلص من الافرازات والعرق الذي يسد مسام الجلد، ثم الجلوس في المغطس المليء بالماء الساخن لبعض الوقت، بعدها يتم الاسترخاء علي مسطبة من الرخام، ترتفع مترا واحدا عن الأرض، وتجري عليها عملية التدليك الذي يعقبها دش ساخن بالماء والصابون لمدة ربع ساعة.
اما الحاج عبد الرحمن عوكل صاحب حمام عوكل الشهير بمنطقة السبتية بأحد الأحياء لشعبية بالقاهرة فيول بني هذا الحمام على الطراز الفاطمي وبعض الرسومات الفرعونية ويعود تاريخ بنائه إلي أكثر من 2000 عام ونظل نحتفظ بهذا التراث الي يوما هذا ونستقبل يوميا العديد من السيدات الباحثات عن الجمال ومن دولها الحمام تتقبلها الفتيات العاملات بالحامات بالداخل وتمر بثلاث مراحل تضع العروس طبقات كثيفة من الدهون والعطور والكريمات علي جسدها تدخل حمام البخار، لتتشرب بشرتها الخلاصات المرطبة بهذه المكونات، التي تساعد علي تفتيح البشرة وفتح المسام وإكساب الجسم نعومة، ثم تستحم بالماء البارد وتخلط جسمها بالأعشاب الطبيعية، التي تكون علي شكل عجينة الصلصال، وهي مكونة من قشر البرتقال والليمون المهروس وخشب الصندل، وبعض الفواكه ومسحوق الترمس والذرة الممزوج بزيت الزيتون أو السمسم وتظل علي هذا الحال لمدة نصف ساعة، بعدها يتم شطف الجسم بماء الورد الغزير ثم يتعرض للبخور من هنا تصبح العروس مجهزة تماما وبرائحة طيبة لتخرج من عندنا الي بيتها او الكوافير لاكمال زينتها وفي الماضي كان الحمام بيت التجميل الشامل للعروس، حيث كانت البلانة او المدلكة وكذلك الماشطة التي تتولي تصفيف الشعر وتزويق العروس تنهي المهمة بالكامل ” اما فيما يخص الركن الرجالي تبدأ بتكيس وتبخير العرسان وحلاقة الذقون والتطييب بالعطر والبخور منعا للحسد ودرءا للعكوسات.
وبالرأي الطبي حول مدي صحة اللجوء الي الحمامات الشعبية فتقول الدكتورة مها الحسيني اخصائية العلاج الطبيعي وخبيرة التجميل بمركز SPA للتجميل ، ان ما يميز الحمام الشعبي عن النوادي الصحية هو اعتماد الحمام البلدي او الشعبي علي البخار الطبيعي وهو عبارة عن بخار متصاعد من مغطس مملوء بالماء الساخن فيتصاعد البخار لتفتيح مسام الجسم اما في “ساونا ” النوادي الصحية انه يتم قياس الضغط للزائر ويتم منع مرضي القلب والضغط او الذين يشكون امراضا حادة وجلدية من دخول غرفة الساونا نتيجة اجهزة البخار حتي لا يحدث لهم اختناق.