التطرف الإنساني … بقلم محمد حبيب المحميد
محاولات فهم ظواهر الإنسان كظواهر بسيطة؛ لا تنتج إلا تسطيح فكري لا يعالج مشاكله الإجتماعية والنفسية ، بل يبقى الوعي يدور في النتائج وممارسات هنا وهناك ، وجذور المشاكل تبقى وتقوى ، فالإنسان ظاهرة مركبة ، لا يمكن تحليل ظواهره بإرجاعها إلى سبب هنا أو هناك .
أحد أبرز الظواهر البشرية التي نعاني منها عالميًا هي ظاهرة التطرف الناشيء من التعصب والمُنتج للإرهاب ، وأحد أسذج التشخيصات إرجاع هذه الظاهرة بالكل إلى التدين والأديان ، ومن التطرف المُمارس اليوم محاولة نسبته للإسلام ، بينما هذه الظاهرة أشمل من الأديان بحيث شملت كل صنف من الإنسان ، وبعد الإنتخابات الأمريكية وافرازاتها ، تصاعدت بشكل مخيف عالميًا ، ومرشحة للإنتشار في الإنتخابات الأوربية .
ظاهرة التطرف غير مخصوصة بفكر ما ، بل مستشريه كمرض في عقل أنماط كثيرة من البشر ، من أقصى يمينها إلى أقصى شمالها ، وهو ناتج عن ضيق الأفق (والحجة غالبًا) ، والساسة يركبونها تحقيقا لأغراضهم ، لذا فالتطرف هو دائرة الجنون التي يلتقي فيها أقصى اليمين وأقصى الشمال معًا ، ولمعرفة أسباب وعوامل هذه الظاهرة لابد من دراسات نفسية واجتماعية وسياسية ودينية ، وهذا ما عنيته في أن الإنسان ظاهرة مركبة .
مواقع التواصل الإجتماعي اليوم يمكن أن تكون أحد الميادين لمثل هذه الدراسات الجادة التي تبحث عن التشخيص العلمي الدقيق غير المؤدلج ، وصولًا للعلاجات الناجعة لإنقاذ المجتمعات من هذه الطامة التي لا تبقي ولا تذر ، فالغالب على الحوارات في مواقع التواصل وغيرها هو الحوار المتطرف الذي يكون عبارة عن الجهد الفردي في أن أكون أو لا أكون ، بينما نَدُر الحوار العاقل وهو الجهد المشترك للوصول للحقيقة أينما حلت وكانت .
لن تعود المجتمعات بل والمجتمع الدولي لرشده ما دام المتطرفون هم قادة الجماهير والساحات بل والنخب كذلك ، وما دامت الأطراف في أي ميدان تقصر الحقيقة على الأنـا ، وما دامت الأطراف متخندقة غير راضية حتى بقراءة الآخر فضلاً عن قبوله ، وإن قرأت فبعين التصيد وتسجيل الملاحظات لا بحثًا عن الحقيقة التي هي الغاية السامية .
وفي الختام رسالة لكل متطرف ديني : إن الوقوع في شرك هذه الظاهرة مذموم دينيًا ، فأنت تقع في تناقض مع تدينك الرافض لهذا المسلك ، ويجرك إلى رذائل أخرى (كالكذب والغيبة والنميمة وإشاعة الفاحشة والصد عن سبيل الله) ، والأبلى حين تبرمج ذلك في نواياك قربة إلى الله تعالى ، حتى خلنا أن المتطرف الديني يقرأ قرآنًا غير الذي نقرأ ، ويتبع نبيًا غير الذي نعرف .. فحذاري أن نأكل خنزيرًا -أجلكم الله- مذبوح وفق الشريعة الإسلامية