الشاعر بوقبال الجزائري لصوت الخليج : شعراء اليوم عبر مواقع التواصل الاجتماعي يتسولون الاعجابات من هنا وهناك “ولله يا محسنين ” ..!
حاوره : عبد العزيز خريبط
شاعر يدعى محمد بوقبال ولد في عام 1985 م السابع من يوليو في آريس ولاية باتنة في الجزائر , قدم مجموعتين شعريتين الأولى ” ما لم يقله نزار ” الصادرة عن دار هومة للنشر والتوزيع بالعاصمة الجزائر , والثاني “يوميات عاشق على وشك التقاعد” الصادرة عن الدار العربية للعلوم ناشرون بيروت .
في البداية حدثنا عن تجربتك الشعرية ..؟!
من أنا لأقول ما أقول عن تجربتي الشعرية البالغة القِصر ” إصدارين” ومخطوط ينتظر رؤية النور …لكن رغم قصرها فهي ثرية بالأحداث نسبيا عند بدايتها إذ لم يتوقع احد ولا حتى أنا أني أصير شاعرا يوما…من يتوقع من شخص أن يُحدث ضجيجا أو يثير فوضى قبل إثارتها…
في حواراتي السابقة قلت أن بدايتي مع الشعر كانت وأنا بعمر 13 …صحيح لكنها بداية أولى لأتبين أني احمل خلايا مثقلة بالشعر…بداية أولى في صَنعة تسويد تلال الصفحات وتعكير بياضها بخربشات لا تصنيف لها حينها لكن وجب علي ذكر تلك المرحلة.
لم أنحدر من بيت وُلد له شعراء من قبل ولم يكن ببيتنا مكتبة لأقرأ شعرا وأعرف ما الشعر أولى علاقاتي بالكتب كانت مع الكتب المدرسية …للتذكير أنا “أمازيغي” أبا عن جد فلم يكن أيا من أجدادي أو والديَ يتحدث العربية أو يجيدها ولغتي اليومية هي ” الشاوية ” يعني للذين ينتقدونني أحيانا أقول لساني أعجمي اللكنة فلم يكن سهلا أن أكتب باللغة العربية ال , ورغم ذلك لا مناص من أن يكون البحر بحرا ويكون تأليف الموج هي صنعته .
يعني ولدت وولاعة الشعر بداخلي لم يعطني إياها احد..ربما كان للقرية الصغيرة ذات بيوت الخشب والطين بما حولها من ينابيع عذبة وطيور صداحة في أدغال التوت البري كان لها دور في تهيئة ما سأكونه الآن .
أول ما أدركت أنه شعر كان أبياتا كتبتها وأنا في حجرة امتحان شهادة الأهلية بعد انتهائي من الكتابة تأججت كلمات بروحي بصقتها على ورقة أمامي وحين مر الأستاذ المكلف بمراقبتنا بجانبي اخذ الورقة وسألني إن كنتُ كاتبها فأجبته نعم فتعجب وطلب مني أن يأخذها ولم املك جرأة لأمنعه لكني أحسست انه اخذ معه قطعة من قلبي …
ثم تأرجحت الفترات التي أعقبت تلك الفترة بين الإلهام المفضي للكتابة حينا والإلهام المفضي للصمت إلى مرحلة مابين 18 و 19 سنة حيث الحب منح دافعا للشعر ليندفع اندفاع حمم تغلي داخل عروق الأرض بعد عناء وقد جاءت معظم قصائد تلك الفترة في إصداري الأول الذي تأخر كثيرا نظرا لظروف كثيرة وصعبة…قد تكون قصائدي التي صدرت في الكتاب الأول ساذجة غير ذات إدهاش لكني أردت نشرها كما هي كطبخة أولى بملحها الزائد وتوابلها اللاذعة.
من الذي شجعك على إصدار المجموعات الشعرية رغما احباطات دور النشر وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي ؟
– عانيت كثيرا من سخرية الآخرين حين علموا إني اكتب شعرا وضحكوا على معطف الشعر الذي ارتديه لامتلائه بثقوب الحزن يقولون ما العائدات التي تجنيها من شعرك فكل شيء في نظرهم لابد أن يعود بفائدة مادية وإلا فلا…ولم أزل أعاني من تلك السخرية إلى الآن رغم أن حدتها خفت قليلا بعد صدور عملي الأول” ما لم يقله نزار” وأنا الآن أشكر سخريتهم ومحاولات تثبيطهم لعزيمتي فهي كانت وقودي للإصرار على المواصلة إذ كنتُ من خيبات أملي أستقطر أملا جديدا … بدون تشجيع من احد إلا همتي وإصراري
أما بخصوص انتشار مواقع التواصل الاجتماعي فلم يكن ليؤثر على مسار تفكيري لأني في لحظات الكتابة ولحظات التركيز على أحلامي أكون كالعابد في صلاته لا يقطع تركيزي شيء ورغبتي في حفر أعمالي على ورق يدوم ويبقى إذ مهما بلغت التكنولوجيا مبلغها يبقى للكتاب مذاقه وحميميته الأولى.
من هو شاعرك المفضل ..؟ وكيف أثر في حياتك ؟
– شاعري المفضل كان نزار قباني إذ في بداية مسيرتي كنت كلما قرأت له مقاطع في جرائد تقع عليها يدي كل مرة -لأني لم امتلك كتابا له إلا مؤخرا- كنت أنذهل من براعة صنعته …من إيقاع كلامه ودوزانته حتى صرت أقول عن كل جملة له تأسرني …ليتني كاتبها … لا ينكر احد كم هو عملاق ورائد حتى أصبح واضحا تأثري به …ولا اخجل من ذلك فهو مدرسة قائمة للذوق والجمال حتى أني كتبت لمن عابوا علي إعجابي به :
قــالــوا : أخذت عن نزار ….
نعم أخذت عن نزار …
أخذت عنه الريح والأمطار …
والعشب والصفصــاف ….
والجداول… وعطر ياسمينـــة مفكوكة الأزرار
تفرد شعرها على جبين باب الدار ……
ما هو دور الشاعر في هذه الأيام ..؟
– قليلون هم الشعراء الذين يمارسون دورهم في المجتمع كما يليق أما معظمهم فأبواق للأنظمة مُدَعون يقتنصون الفرص للانتفاع بصحن حساء فلا يظهرون ” كالملصقات الملونة” إلا في المناسبات …أما الدور الذي من المفترض أن يتجند له الشاعر فأقول أن عليه عدم الكف عن التغريد وأن لا يترك حيزا للصمت مطلقا فذاك كفيل أن يمنح فرصة للضفادع كي تملأ الحيز نقيقا …
ماذا كتبت عن الإرهاب والتطرف ؟
الكتابة الفعلية كلها ضد الإرهاب بكل أنواعه…إرهاب الشعر …إرهاب الحب…إرهاب الورد والعبير…حتى الكتابة عن الجمال كتابة ضد التطرف إذ هناك جمال متطرف يأخذ منك حريتك ويحبسك طويلا في قفص الدهشة… وبذكر الإرهاب فأنا من بلدٍ الكل يعرف كم عانى لأزْيَد من عقدين من الزمن من كثافة الموت في أجوائه نتيجة التطرف الديني والقتل لأجل القتل أقول في أحدى القصائد وهي بعنوان “” رسائل إلى حبيبتي بعد العشرية السوداء ” :
سامحيني إن أطلت في غيابي كثيرا
فلقد كان مجيئي إليك عسيرا
جميع الدروب إلى عينيك كانت تؤدي إلى الموت
شردوا دواويني وتركوا القلب كسيـرا
أفقدوا الكلمات بكاراتها… شنقوا السطورا
ذبحوا الحروف وخلفوا دم القصيدة يغلي سعيرا
أشهروا البنادق في وجه الحب …مزقوا الليل
طردوا الربيع …سرقوا أمنيات الصغار…قتلوا الغديرا
شوهوا وجه “أوراس” المثيـرا
قطفوا عناقيد العمر… ودفنوا العبيرا
حققت نجاحا كبيرا في “ يوميات عاشق على وشك التقاعد” ما السر في ذلك ؟
– لا أدري إن كنت سأعتبر ” يوميات عاشق على وشك التقاعد” إصدارا ناجحا مادام لم يبلغ في مبيعاته نصف مبيعات الكتاب الأول ” مالم يقله نزار” …صحيح إذا نظرنا إلى ما كنت عليه وما انا عليه اليوم فهو نجاح كبير لا غرو في ذلك لكن الشاعر كالعاشق إذا نال وصالا لم يعجبه الأمر مخافة الفراق وان طاله الفراق امتعظ رغبة في وصال…لا يملؤ غرور الشاعر والعاشق شيئا …فانا أقيس دوما نجاحاتي إلى سلم طموحي فيتصاغر كل نجاح إمام عظمة طموحي ولمن يسألني عن سر النجاح أقول هو الفشل.
هل المطلوب من الشاعر أن يكتفي فقط بكتابة الشعر الغزلي والبحث عن مهام طارئة للحب ؟
– ليس مطلوبا من الشاعر أن يكتفي بالغزل والبحث عن مهام طارئة للحب فمثلا أنا أعيش بداخلي حالة حب دائم تساعدني على الكتابة في الحب وأعيش حالة سخط دائم واحتجاج تمنحني فتيلة تفجير الكلمات بوجه أي قُبح أصادفه ..كما أني يلزمني كتابة الغزل دوما لأحافظ على رشاقة قلبي إذ لابد لي من امرأة في شعري وإلا سقطتُ فريسة للقبح وتآكلتني سحابات رداءة الأنظمة وقمعها لكل ما يمت للجمال وللكلمة بصلة …على الشاعر أن يكتب كما يتنفس…كما يضحك دون أن يضع يده على فمه ليخفي ضحكته آو أسنانه…أن يكتب كما يصهل جواد بربري في براري “الأوراس” دون اعتبار لإزعاج أي كان…أصلا ما من مهام طارئة للشعر لأنه مستعد دوما ومتأهب .
ما رآيك في شعراء اليوم عبر مواقع التواصل الاجتماعي ..؟
– شعراء اليوم عبر مواقع التواصل الاجتماعي يتسولون الاعجابات “لله يا محسنين” ويسرقون بعضهم ويسلقون بعضهم في قدور نحاسية كبيرة كما كان في عصور انتهت ويجعلون من الكلمات عباءة يختالون بها للفت انتباه النساء …
في النهاية كلمة أخيرة .. وكيف يتواصل معك القارئ ؟
ولدتُ قصبًا أصما والحياة بتجاربها في كل مرة تترك عليَ ثقبا فيتحسن النغم مع كل ثقب إلى غاية الثقب الأخير حيث يصبح مرور الهواء عبر القصب بلا صوت فقط نفَسٌ هادئٌ ينبئ عن أغنية مرت من هنا.
كل الشكر للعزيز عبد العزيز خريبط على ما أولاني من اهتمام ومحبة والشكر لمجلة صوت الخليج الكويتية على هذه الفسحة.