«الفاشينيستا حين تصبح الشهرة أهم من القيم»… بقلم نفين عباس
إنتشر فى الفترة الأخيرة بعالمنا العربى ظاهرة الفاشينيستات أو الفاشينيستا، والفاشينيستا كلمة تعنى أنه شخص بلا وظيفة ومهنة محددة هو فقط يتبع إسلوب حياة بمنظوره الشخصى، وكل مقوماته أنه يخرج علينا لعرض تفاصيل حياته وتنسيق صيحات الموضة بأسلوبه حتى وإن لم يكن أهلاً للدخول فى عالم الموضة والأزياء أو يمتلك على الأقل حس جمالى يمكنه من تنسيق الأزياء!
تلك الظاهرة الغربية، تقدم بمفهومها الحقيقى لكن بالخارج، بوصف تلك الدول أنها الأكبر فى إنتاج خطوط الموضة والأزياء فيصبح منطقياً إلى حد ما ظهور الفاشينيستات بالغرب لأن أكثرهن إما عارضات أزياء أو أصحاب خبرة بمجال الموضة، لكن تلك الظاهرة إنتشرت بشكل أكثر سطحية بعالمنا العربى لأننا دائماً ما نأخذ الجانب السيئ من الغرب ولا أعلم ما السر فى ذلك!
لقد حولت الفاشينيستات العرب منصات التواصل الإجتماعى لساحة حرب وإستعراض، سواء كان الإستعراض بعدد السيارات أو لون البشرة ودرجة نقائها أو حتى الإستعراض بالجنسيات
فى مشهد لا يليق مع عاداتنا وتقاليدنا، ويحاولن قد الإمكان إظهار حياتهن على أنها الحياة المثالية فى وقت يمارسن فيه قمة الإزدواجية خلف الكاميرات من عنف وعنصرية وكراهية بكافة أنواعها وأشكالها تجاه الأخرين حتى وصل الأمر للعقوق بالوالدين، وما خفى كان أعظم
تزايدت أعداد هؤلاء لأن الأمر أصبح تجارة رابحة، فالمراهقات يشاهدن حياة البذخ والثراء الفاحش الذى يعيشونه فيقررون الإتجاه لتلك الموضة المقززة للحصول على ربح سريع دون عناء حتى ولو كان على حساب القيم والمبادئ
حتى أصحاب المنتجات ساهموا فى إنتشار هؤلاء بعد إستعمالهم كأداة للترويج لبضائعهم الفاسدة، فمن تملك من الفاشينيستات مقومات جسدية أكثر من الأخريات وقاعدة جماهرية أوسع فقد أصبحت الهدف الأول للتجار، دون الأخذ فى الإعتبار إحترام الذوق العام والأداب العامة وشاهدنا الإعلان عن منتجات حساسة دون حياء ولن يكون الأول من نوعه ولا الأخير فى ظل غياب الرقابة والردع لهؤلاء
المستفد الوحيد من ظاهرة الفاشينيستات أطباء التجميل، فالطبيب يبذل كل الجهود الممكنة لتطل علينا الفاشينيستا بالنهاية وهى تدعى أن “جمالها” طبيعى فى إستخفاف واضح بعقول المتابعين وذلك الظهور يكلفها فاتورة باهظة الثمن بعيادة الطبيب لكنها تعلم جيداً أنها ستجنى أضعافه فى خلال أسابيع بسبب إلتفاف المراهقين حولهم، وهو ما أسهم به غياب الرقابة الأسرية على الأبناء، والدور الرقابى للجهات المختصة التى تركت لهم المجال للظهور على السوشيال ميديا وإستعراض أنفسهم كالبضائع التى لا تجد من يشتريها فى وقت يطالب به الكثيرين بردع أمثال هؤلاء ممن عكسوا صورة سيئة عن المجتمعات وكأنها مفككة لا يوجد بها رقيب ولا حسيب
الأمر تعدى الإستعراض بالماركات ليتخطى حدود المقبول دون مبالاة للقيم والتقاليد التى نشأنا، فالفاشينيستا تطل علينا فى مقطع صغير تستعرض مفاتنها بشكل مهين لتحصل على فرص إعلانات وأموال ومتابعين أكثر، بل ووصل الأمر لبعضهن لتصوير غرف نومهن أو أثناء تواجدهن بالحمام
قد يدافع عنهم البعض بوصفها حرية شخصية، لكن ما لا يمكن أن يقبل ويتعدى حدود الحرية الشخصية هو الإعتداء على الغير، فهناك مقاطع ظهروا بها وهم يسخرون من البسطاء والسائقين وملابسهم وهذا لا يمكن أن يندرج تحت حرية الرأى أو الحرية الشخصية هو تعدى على الغير ويجب أن يعاقب عليه القانون
الفاشينيستا ناقوس خطر خاصة على الأجيال القادمة خاصة المراهقين الذين يعتبرون هؤلاء مؤثرين بعقولهم، لأنهم يرسخون فى نفوس المجتمع قيم دخيلة على ثقافتنا، قائمة على التباهى والبذخ والسطحية والفراغ النفسى والثقافى، فكل مقومات الفاشينيستا هى جسدها ووجهها لا أكثر! وكل نجاحاتها وإنجازاتها عدد المتابعين الأمر الذى يعنى أنها يمكن أن تنتهى بمجرد إنقطاع الإنترنت عنها!!
وما يحزننى عندما أشاهد التكريم والتقدير الذى تلاقيه الفاشينيستات بكل محفل، وأظل اتساءل ما هو الثراء الفكرى الذى قدمه هؤلاء أو الشيئ القيم الذى عاد على المجتمع بالنفع فى وقت تهمش صاحبات العلم والبصمات الكبيرة بالمجتمع والذين يتستحقون التكريم والتقدير وتسليط الضوء أكثر
الفاشينيستات خطورتهم تكمن فى التأثير على الأجيال الجديدة لأنها تعتمد عكس صورة فكرية سطحية عن الحياة فهى شخص بلا هوية ويضرب بالقيم عرض الحائط فى سبيل الوصول للشهرة والمجد وبالتالى تصبح تلك الحياة الفارهة التى تعتمد على التجميل وإرتداء الماركات والتسكع بالشوارع طوال الوقت حلم لكل مراهق يعتبر هؤلاء مثل أعلى يحاول أن يكون مثله
يجب إغلاق الباب أمامهم خاصة الإعلام الذى يفتح لهم الأبواب على مصراعيها ويقوم بإستضافتهم ليصنع منهم نجوم مجتمع دون أن يقدموا للمشاهد أى فكر أو ثقافة تخدم المجتمع وتعود عليه بالإيجاب
وبالنهاية نجد صورهم تملأ الشوارع لجذب المستهلكين لشراء منتجات يعلنون عن إستخدامها فى وقت أنهم بعيدين كل البعد عن إستخدام تلك المنتجات وفور إنتهاء الإعلان وإستلام الثمن المتفق عليه ترحل لتبث أكاذيبها للترويج عن منتج آخر أكثر ضرراً للمستهلك
يجب وضع قوانين للحد من تلك الظاهرة التى يرفضها الكثيرين، فمن غير المقبول أن تتحول الماركات والموضة أغلى من العقل والفكر، تلك الظواهر على المدى البعيد ستحول الأجيال الجديدة لأجيال هشة فارغة العقل والمنطق لا تقدر حجم المسؤوليات حولها
الأسرة هى الرقيب الأول للأمر فلا يمكن ترك الأطفال طوال الوقت يتابعون هذه المقاطع دون وضع حد لهم وكشف حقيقة وزيف هؤلاء أمامهم حتى لا يصبح التأثير أكبر فالمراهق يتأثر سريعاً بكل شيئ يشاهده لذا على الأباء والأمهات إستيعاب خطورة الفاشينيستات ومحاربتها قبل فوات الأوان
أعلم أن قرار منع متابعتهم قد يكون صعباً بالبداية، لكن يمكن كشف حقيقتهم أمام الأبناء لكى يستخدم المراهق عقله أكثر حين يشاهدهم دون أن يقع فى فخ الكذب والخداع المستمر
بالإضافة للدور المجتمعى الذى يجب عليه التصدى لتلك الظاهرة بكل الطرق وعمل ندوات توعية للتعريف بالمخاطر العائدة على المجتمع وإظهار حقيقتهم، بالتعاون مع السلطات التشريعية التى تسن قوانين من شأنها أن تضع حداً لكل متجاوز ومتجاوزة
بالرغم من كل ذلك أعلم أننى لم أتطرق للحديث عن الفاشينيست الرجال فهؤلاء حدث ولا حرج، من مصالح مشتركة، للزواج من فاشينيستا لزيادة عدد المتابعين ليومياتهم، وصولاً لإستغلال أطفالهم للربح، دون إحترام لحرمة المنزل وعدم إستيعاب أنه بذلك يخترق خصوصيات منزله ويكشف أسرته وزوجته على أشخاص لا يعرفهم فقط لجنى بعض المال
وهؤلاء لن يكفى أن أتحدث عنهم فى كتاب كامل! فهذا النوع من الرجال أخطر من العدو المجاهر بالعداء، فهو يعمل على إخماد النخوة والرجولة داخل نفوس الأجيال الجديدة بدعوى التمدن والتحضر والحرية وهذا خطر لا يمكن إغفاله.