تصنيف العربيات الأكثر عنوسة في 2021
أصبح العمل والتعليم واثبات الذات والمساعدة في اعالة الأسرة أولوية في سلم اهتمامات شريحة واسعة من الفتيات العربيات اليوم على حساب أولوية الزواج مثلاً. ومع رصد تراجع تأثير الأسرة في تقرير مصير الفتاة، تغيرت أولويات شريحة واسعة من الشابات العربيات في أغلب الدول العربية مقارنة بالتسعينات، ونتج عن ذلك زيادة تسجيل تراجع حالات الزواج المبكر وارتفاع معدلات تأخر سن الزواج ما فاقم ظاهرة مقلقة وهي العنوسة، خاصة الاختيارية.
يصدر مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (CSRGULF) تصنيفا وتقريرا بحثيا حول تأخر سن الزواج والعنوسة التي باتت تلتهم جزء كبيرا من العربيات لأسباب مختلفة بينها عوامل مستجدة. وخلص البحث الى أن تأخر سن الزواج بين العوامل التي تؤثر على ظاهرة معدلات الخصوبة المنخفضة لفئة الشباب[1]. وهو ما قد يزيد من تقلص نسبة الشباب في المجتمعات العربية على المدى المتوسط والبعيد.
بالإضافة الى رصد عوامل جديدة متصلة بتداعيات العولمة وآثار الثقافة الرقمية في اضطراب قناعات وخيارات الفتاة ورؤيتها للارتباط، زاد تسجيل دوافع جديدة لتأخير فكرة الزواج كزيادة ملاحظة تعرض الشباب العربي عموماً لضغوط نفسية فاقمتها تداعيات جائحة فيروس كورونا المستمرة منذ نحو 3 سنوات والتي راكمت مشاعر القلق والخوف وعدم اليقين بشأن الاستقرار في المستقبل، فضلاً عن رصد زيادة تقلّص روابط الثقة بين مكونات المجتمع كنتاج لإدمان وسائل التواصل الاجتماعي التي تسببت في تصدع ثقة الفرد في نفسه. كما تستشري مشاعر خيار الانعزالية بين شريحة من الشباب لا يجد البعض حرجاً في الإعلان عنها عبر منشورات على منصات التواصل الاجتماعي جراء زيادة رصد تشارك أخبار أحداث العنف والتأثر بتجارب الزواج الفاشلة في ظل احصائيات نسب الطلاق المرتفعة. وهي عوامل تزيد من رصد ظاهرة “الزواج فوبيا”.
كل هذه المسببات والعوامل المستحدثة المؤثرة على نمو ظاهرة تأخر سن الزواج تتفاعل مع عوامل اقتصادية واجتماعية تقليدية أبرزها تأثيرات ارتفاع تكلفة الزواج والمهر وأسعار السكن وزيادة البطالة والفقر والهجرة وتحسن نسب التعليم بين الفتيات خاصة. وخلص البحث الى أن أبرز المتغيرات اللافتة في ظاهرة الزواج في العالم العربي زيادة رصد الانفتاح على الزواج بأجانب. على صعيد آخر، يتم تسجيل نمو إشكالية مقلقة قد تطفو على السطح مستقبلا وهي زيادة حالات التطرف النسوي والحراك النسوي المعادي للذكور خاصة بين غير المتزوجات في ردة فعل ضد بعض السلوكيات الذكورية تجاه النساء كالعنف. ورغم أنها حالات شاذة لكن أصبح من الضروري ذكرها من أجل طرح حلول لها. وتجدر الإشارة الى أن التقرير يحذر من أن ظاهرة نمو تأخر سن الزواج قد تؤدي الى انحرافات سلوكية وظواهر شاذة وتطرف نفسي وتهرم سكاني وتوقعات بتقلص نسبة تجدد أجيال الغد.
كما أن فرضية زيادة تحوط البعض من عدم التعرض لتجارب زواج فاشلة بالنظر لنمو ظاهرة الطلاق يستدعي تدخلاً من الحكومات والمجتمع المدني لزيادة توعية الشباب بقيم وأهداف الزواج وتحديات فكرة الارتباط في ظل المتغيرات والمؤثرات المستجدة.
يهدف التقرير الى اظهار ملامح اتجاهات ديمغرافية آثارها خطيرة على المجتمعات العربية. فمن خلال رصد عوامل متغيرة، فاقمت تداعيات الجائحة تأخر سنّ زواج الفتيات والشباب العرب وذلك بسب تأثير ظروف الجائحة سلبياً على متطلبات مشروع الزواج الذي سجل تراجعا في أغلب الدول العربية منذ سنوات. فمنذ 2013 الى اليوم المدة الزمنية المختارة لدراسة الظاهرة في هذا التقرير، استمرت اتجاهات تأخر سن الزواج في الارتفاع، ومن المرجح أن ترتفع أكثر بسبب تداعيات الجائحة ما يفاقم نسب العنوسة في أغلب الدول العربية، بالإضافة الى تسجيل زيادة رصد ظاهرة العنوسة الاختيارية. وقد فاقمت تداعيات جائحة فيروس كورونا عوامل اظطراب مصادر الدخل وتضخم الأسعار وعدم الاستقرار الأسري وأخّرت أولوية الزواج بالنسبة للإناث والذكور في مقابل زيادة أولوية الحاجة للأمان الصحي ولاستقرار موراد العيش والبحث عن الأمن الوظيفي والرفاه النفسي.
وقد حافظت اللبنانيات على المرتبة الأولى خلال الثماني سنوات الأخيرة في ترتيب أكثر العربيات تأخرا في سن الزواج (العنوسة)[2] بنسبة 85 في المئة من نسبة الاناث فوق سن 35 عاماً. وتقدمت التونسيات في المرتبة الثانية بارتفاع نسبة العنوسة الى نحو 81 في المئة، في حين حلّت العراقيات في المرتبة الثالثة بنسبة قدرت بين 70 الى 85 في المئة، فالإماراتيات في المرتبة الرابعة بنسبة تقديرية بنحو 70 الى 75 في المئة، أما المرتبة الخامسة فكانت من نصيب السوريات بنسبة 70 في المئة. وحلّت المغربيات في المرتبة السادسة (60 في المئة) مع نسبة ارتفاع بنحو 20 في المئة خلال العقد الماضي. وآلت المرتبة السابعة للأردنيات بنسبة 55 في المئة مع نسبة ارتفاع بنحو 10 في المئة خلال العقد الماضي، أما الجزائريات فأتين في المرتبة الثامنة بنسبة 51 في المئة محافظات على النسبة نفسها التي كانت في 2013. المرتبة التاسعة كانت من نصيب المصريات بنسبة 48 في المئة، مع تسجيل ارتفاع بنحو 8 في المئة منذ 2013. أما السعوديات فشهدن انخفاضا في ترتيبهن بفضل سياسات التشجيع على الزواج خلال العقد الماضي رغم استمرار نمو تكلفة الزواج في دول الخليج، حيث تراجع ترتيب السعوديات الى المرتبة العاشرة بعد انخفاض نسبة العنوسة الى 10 في المئة حسب الاحصائيات الرسمية مقارنة بتقديرات 2013 (45 في المئة)، في حين تشير تقديرات أخرى الى وجود نحو 40 في المئة من الاناث فوق 35 عاما عانسات. وتبقى تقديرات هذه الفئة في إحصاء الحالة المدنية في السعودية وغيرها من الدول العربية غير دقيقة.
في المرتبة (11) أتت الليبيات بنسبة 35 في المئة تماماً كما كان معلن في 2013، مع التذكير بأن النسبة تقديرية وتقريبية وغير دقيقة بشكل جازم. وجاءت القطريات في المرتبة (12) بنسبة تتراوح تقديراتها بين 26 في المئة و35 في المئة لكن لم تذكر مصادر رسمية قطرية تعداد هذا الفئة. الا ان تقارير دولية عن السكان في العالم تشير الى ان القطريين باتوا أقل العرب اقبالا على الزواج. وقد سجلت قطر نسبة ارتفاع مقلقة لحالات الطلاق وتأخر سن الزواج.
وحلّت الكويتيات في المرتبة (13) بنسبة عنوسة بلغت تقديراتها بين 22 الى 35 في المئة، حيث لا يوجد إحصاء رسمي لهذه الفئة وهو ما ينسحب على أغلب الدول العربية، اذ أن هذه الفئة لا يتم دراستها بالشكل الكافي في التقارير الإحصائية والتقارير الخاصة بالحالة المدنية للسكان والمجتمع. وتبقى العنوسة مشكلة تؤرق الكويتيات كما في باقي دول الخليج. فرغم تسحن نسب الدخل والقدرة الشرائية للخليجيين خلال السنوات الأخيرة، الا ان ظاهرة العنوسة في ميل للارتفاع بشكل متفاوت وذلك بسبب عوامل متداخلة بين ارتفاع المهر والايجار وتحسن تعليم الفتيات وزيادة دخولهن لسوق العمل والتعويل على الذات والاستقلال بقرار الزواج عن الأسر رغم استمرار تدخل العائلة الخليجية في مشروع ارتباط أبنائهم سواء اناثا أو ذكورا لكن بدرجة أقل مقارنة بالعقود الماضية.
وجاءت اليمنيات في المرتبة (14) بنسبة تقديرية بنحو أكثر 30 في المئة، حيث تستمر حالة الحرب والصراع واللجوء في رفع نسب تأخر سن الزواج. في المقابل حلّت البحرينيات في المرتبة قبل الأخيرة (16) بنسبة 25 في المئة وهي نسبة تقديرية فقط لكنها تعتبر بين الأقل خليجيا في نسبة العنوسة وتأخر الزواج. وفي آخر الترتيب جاءت الفلسطينيات كأكثر العربيات اقبالا على الزواج وأقلهن عنوسة بنسبة لا تتجاوز 12 في المئة فقط، وذلك رغم رصد زيادة نسبة تأخر سنّ الزواج وانخفاض معدلات الزواج المبكر حسب تقديرات فلسطينية رسمية. وقد انخفضت نسبة الزواج المبكر في فلسطين تحت سن 18 عاماَ بمقدار الضعفين رغم استمرار الظاهرة. وهو ما أثر على ميل نحو ارتفاع تأخر سن الزواج بسب زيادة تعليم الفتيات والتحاقهن بسوق العمل وتراجع قدرة المادية الشباب على تحمل نفقات الزواج. وقد أسهمت زيادة التشجيع على التعليم واستمرار الاناث في الدراسة واستكمال المراحل العليا في تغير أولويات الاناث في أغلب الدول العربية وزيادة دخولهن مسار منافسة الذكور في المشاركة في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، في مقابل تراجع نسب الأميات ورصد زيادة التحاق الاناث بأسواق العمل في دولهن أو في خارجها.
واعتمد التصنيف[3] والبحث دراسة مقارنة بيانات متوفرة تقديرية لإحصاء تأخر سن الزواج في 16 دولة عربية منذ 2013 الى 2021. وتم اعتماد مصادر مختلفة في جمع المعلومات أبرزها احصائيات رسمية وغير رسمية لنسب تأخر الزواج والعنوسة، بالاضافة الى القيام بتحليلات مضمون المحتوى الالكتروني لخطاب شريحة واسعة من المستخدمين العرب على منصات المنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي حول فكرة الارتباط فضلاً عن نتائج دراسات واستطلاعات رأي في عدد من الدول العربية. واعتمد البحث والتصنيف منهجية تحليل البيانات. ويشمل البحث السكان الذين لم يتزوجوا (35 سنة فأكثر) في العالم العربي وبالأساس الاناث من خلال دراسة تطور معدلات الزواج في الفترة (2013-2021)، وعرفت بعض الدول ارتفاع نسبة الذين لم يتزوجوا ابداً في الفئة العمرية (35فأكثر).
وخلص البحث الى نتائج أولية تفيد أن قيود انتشار عدوى فيروس كورونا من خلال متحوراتها المختلفة منذ 2020 الى اليوم فاقمت مؤشرات تردي أوضاع معيشة الفرد العربي بارتفاع معدلات البطالة[4] والفقر[5] وتراجع المقدرة الشرائية بسبب تضخم الأسعار[6] فضلاً عن تعقيدات أخرى فاقمتها قيود التنقل التي فرضتها المخاوف من العدوى والتي قيّدت فرص التواصل والتعارف بقصد الزواج، الى ذلك تعززت عوامل مركبات الاكتئاب والعزلة لدى البعض والتي ولّدتها المخاوف التي فرضتها الجائحة خاصة مع نمو حصيلة الضحايا، حيث يؤثر العامل النفسي على قرارات أو فكرة الزواج خلال العامين الماضيين.
وبجانب تداعيات الجائحة الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، استمرت عوامل أخرى تقليدية في زيادة نسبة العازفين عن الزواج خاصة العزوف الاختياري لدى الجنسين. أهم هذه العوامل مرتبطة باستمرار ارتفاع تكلفة مشروع الزواج خاصة على مستوى المصوغ وكلفة الايجار والمسكن ناهيك عن تكلفة حفلات الزفاف. وفضلا عن ذلك، يستمر العامل الثقافي خاصة على مستوى تأثير العادات والتقاليد في تقييد وتيرة الاقبال على الزواج. كما أسهم تحسن مستوى تعليم الاناث[7] في بعض الدول وخروجهن الى سوق العمل في تأخر سن الزواج.
اضطراب رؤية شريحة واسعة من الشباب لفكرة الارتباط مع زيادة تداول ثقافة التشكيك وعدم الثقة التي عززتها نسب الإدمان المرتفعة بين المستخدمين العرب للإنترنت[8] وزيادة الاعتماد على الوعي الافتراضي أو الثقافة المتداولة أو المكتسبة على منصات الاتصال الاجتماعي والتي يشوه من خلالها البعض فكرة الزواج بربطها بالفشل بالنظر لزيادة نسب الطلاق[9] عوامل تؤدي في النهاية الى زيادة رواج الأحكام المسبقة على خيار الزواج وانحرافات نظرية الارتباط، والنظر اليه كتوجه يجدر تأخيره من أجل تفادي ارتدادات الفشل التي أسهمت زيادة تشاركه على منصّات التواصل الافتراضي في زيادة خشية المرأة خاصة من التسرّع في فكرة الارتباط. وتؤيد دراسات اجتماعية زيادة رصد نسبة كبيرة من الفتيات خاصة المتعلمات التي تعتبر أن فكرة الزواج كمشروع تشاركي يستوجب الحد الأدنى من التماثل والتوافق الفكري والتعليمي. الى ذلك حفزت النزعة التنافسية مع الرجال لدى نسبة من النساء زيادة الرغبة في إثبات ذواتهن خاصة في قطاع التعليم وسوق العمل ما يؤثر في زيادة استقلالية قرار نسبة أكبر من الاناث في خيار الارتباط. وهو ما يدفع لتأخر سن الزواج وانخفاض ظاهرة الزواج المبكر[10] حتى في المجتمعات الريفية والقبلية والأقليات.
الى ذلك برز قصور كبير في الدور التوعوي والتثقيفي بالنسبة لوسائل الاعلام ومنظمات المجتمع المدني. حيث أن هناك نقص فادح في رواج ثقافة التوعية بمقاصد الزواج وطرق إنجاح هذا المشروع في ظل متغيرات متسارعة. كما برزت محدودية المساحة الإعلامية أو التظاهرات المخصصة للتدريب على التعايش والسلوك الإيجابي بين الجنسين خاصة لدى الشباب فضلاً عن نقص فادح للمواد الإعلامية أو التثقيفية حول تحديات تغيرات التعامل مع فكرة الزواج واعتباره محطة تحفز التشارك في النجاح وليس الفشل كما تروج له منصات التواصل الاجتماعي.
على صعيد آخر، تم رصد زيادة تأثير التوافق المادي واشتراطه من الطرفين خاصة فئة الموظفين أو المتعلمين على زيادة تأخر سن الزواج في العالم العربي. وهذا العامل تتداخل فيه الأسر بشكل كبير في أغلب المجتمعات سواء في المدن أو الأرياف. وعلى صعيد متصل، استمر عامل تفاقم ظاهرة الهجرة[11] بين الاناث والذكور من أجل الدراسة او العمل في تأخير سنّ الزواج.
وأثّرت بالإضافة الى كل هذه العوامل حالة الحروب والصراعات[12] الدائرة على زيادة تراجع الظروف الاقتصادية والاجتماعية المحفزة للشباب للإقبال على الارتباط خاصة مع زيادة حالات اللجوء والنزوح والهجرة التي فاقمت عوامل عدم الاستقرار الاسري وأخرت أولوية الزواج بالنسبة للإناث والذكور في مقابل زيادة أولوية الاستقرار والبحث عن الأمن.
وقد ضغطت حصيلة وباء كورونا الثقيلة مع القيود المستمرة بشكل سلبي على زيادة تداول شعور الإحباط لدى التعامل مع فكرة الزواج والاستقرار. حيث راكمت نتائج الوباء مؤشرات هشاشة الاستقرار الاقتصادي[13] وتوسع ظاهرة البطالة وتقلص مصادر الدخل ما دفع بالكثيرين لتحمل ضغوط أكبر أثنتهم عن استكمال حلم الزواج مبكراً. كما أن زيادة تشارك ثقافة الخوف وعدم اليقين التي فاقمتها تداعيات الوباء النفسية زادت من رصد انتشار إشكاليات وأمراض نفسية مستجدة بين الشباب والكهول والتي بدورها قد تكون بين العوامل المثبطة لترحيب البعض بفكرة الزواج كمصدر سعادة. بل بات ينظر له البعض كمصدر قلق وعامل ضغط نفسي.
ورغم ظهور وسائل التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة كعامل مساعد للتعارف وبناء العلاقات التي تنتهي بعضها بالزواج الا أنه تم رصد تراجع في منح الثقة للعلاقات عبر منصات التواصل. وقد تم التوصل لهذه الخلاصة عبر مسح جزئي لعدد من التعليقات أو المنشورات على صفحات خاصة أو عامة تتداول فكرة تراجع الثقة في منصات الاتصال الالكتروني[14]. وقد بدأت نسب الثقة في وسائل التواصل بالتراجع بعد زيادة تضخم ظاهرة الحسابات الوهمية[15] وتشارك صور ومعلومات مظللة تقود في النهاية لرصد ميل نحو نفور البعض لإقامه علاقات موثوقية عبر منصات افتراضية. كما عمّق وباء كورونا ظاهرة العزلة والتقوقع وارتباك وتيرة التواصل في الفضاءات الطبيعية. ويهدد تأخر سن الزواج بتعمق ظاهرة تفكك المجتمع وزيادة العنف والتطرف السلوكي.
انتشار ثقافة العنف[16] وزيادة مشاركة البعض للتجارب السلبية خاصة على مستوى فكرة الارتباط ومقاصده ونتائجه، وخاصة مع ازدياد حلات الطلاق في العالم العربي باتت تشكل عوامل محبطة للإقبال على الزواج مع منح فرصة للتمهل، خاصة بالنسبة للشرائح المتعلمة. وكلما زادت نسبة تعلم الفتاة بصفة خاصة زاد رصد انخفاض الاقبال على الزواج في سن الخصوبة بين 24 و34 عاما. في حين تعيق العوامل المادية نسبة كبيرة من شريحة محدودي الدخل على زيادة الاقبال على الزواج بالنظر لارتفاع تكلفته المتنامية.
من جهة أخرى، أسهمت الصراعات والحروب في تردي أوضاع المعيشية ومفاقمة ظاهرة الفقر وانعدام السلم ومحدودية التوظيف ما انعكس على ارتفاع الضغوط على الشباب وزيادة احجامهم على الزواج الذي بات مشروعاً مكلفاً بعد تضخم تكلفته بأكثر من متوسط 7 أَضعاف[17] في أغلب الدول العربية خلال العشر سنوات الأخيرة بسبب المسار التصاعدي لزيادة أسعار الاستهلاك ومتطلبات الزواج كأسعار الأثاث والذهب والمسكن[18].
غلاء المهور وارتفاع ايجار السكن[19] أكثر عوائق الزواج في الشرق الأوسط أما المغرب العربي فتختلف الأسباب نوعا ما، حيث ان نسبة البطالة وزيادة الضغوط الاقتصادية على الشباب من الجنسين تتقدم بقية العوامل المؤثرة في تأخر سن الزواج، حيث باتت الفتيات ينافسن الشباب في التعليم وطلب التوظيف من أجل المشاركة في مساعدة الانفاق على الأسر، خاصة مع توسع شريحة الأسر من محدودي الدخل.
خلاصة: نسب كبيرة من الفتيات العربيات تغيرت أولوياتها وأصبحت كثيرات منهن تبحثن عن اثبات ذاتهن ومساعدة أسرهن قبل الارتباط خاصة بعد زيادة تكلفة الزواج وتراجع مقدرة ودخل الأسر التي تجعل الفتيات يتنافسن مع الشباب للمساعدة في إعالة عائلاتهن. على صعيد آخر بات نسبة كبيرة من الاناث بفضل تحسن نسب التعليم والاقبال على العمل يفضلن اثبات ذواتهن وتحقيق طموحاتهن قبل الزواج خصوصا مع رصد تفوق مستمر للإناث على حساب الذكور في استكمال الدراسات العليا. كما باتت نسب لا بأس بها من الفتيات والنساء تخيرن الانفصال عن الأسرة وتقبل على خيار الهجرة كوجهة للعمل أو التعليم حيث تم زيادة رصد هجرة الاناث سنويا خاصة في الدول محدودة الدخل. كل هذه العوامل أثرت على زيادة تأخر سن الزواج وارتفاع رقعة العنوسة التي قد تعزز مجالات تنموية وتعزز مساهمة النساء في بناء أوطانهن والتنافس على تقديم الإضافة، لكن قد تترك انعكاسات سلبية على الأسر وتسرع برصد تهرم سكاني وتقلص توقعات النمو الديمغرافي على المدى المتوسط والبعيد.