تقرير بحثي :لهذه الأسباب لقاح وباء #كورونا قد يتأخر
لا لقاح متاح وناجع بنسبة 100 في المئة لفيروس كورونا المستجد ولا لعائلة فيروسات كورونا اجمالاً. فعلى الرغم من اعلان أكثر من مخبر وهيئة علمية ومؤسسة دوائية توصلها الى لقاحات تحت التجربة لعلاج (وباء كورونا المستجد) الا أنها قد لا تكون فعالة بنسبة شاملة للقضاء على الفيروس بشكل نهائي. فقد تتطلب التجارب المخبرية للتوصل الى لقاح ناجع وشافي شهورا طويلة وذلك بسبب نقص تشارك الدول والشركات والمعاهد الطبية للبيانات حول التسلسل الجيني والوراثي لعائلة فيروسات كورونا التاجية ((COV فضلاً عن محدودية التجارب العلمية السابقة لإيجاد علاج شامل لفيروسات ((COV التي تتطور عبر الزمن وحسب اختلاف الحاضنات والبيئة التي تظهر بها.
وتسجل اليوم حالة ارتباك ضخمة وغير مسبوقة بين الهيئات العلمية في دول العالم التي تعلن عن دراسات متناقضة كل يوم حول كورونا تدحض نتائجها بعضها البعض بسبب محدودية التعاون الدولي في إيجاد مصل فعّال للفيروس.
وحسب رصد تحليلي لوحدة البحث وتوقعات المخاطر في مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية (MenaCC) فقد تبين أنه بسبب عدم اكتراث العالم بفيروسات كورونا التاجية منذ ظهورها قبل 18 عاماً بصنفيها القاتلين الاثنين (SARSسارس2002) و(MERSميرس2012)، ونظرا لبطء استجابة العلماء طيلة تلك الفترة لاكتشاف لقاحات لفيروسات كورونا، تطور الفيروس تدريجيا بشكل فاجأ الهيئات العلمية والطبية الى وباء عالمي وسريع الانتشار. وفي حين لم تتعدى نسبة الوفيات منه 5 في المئة من المصابين به والذين تجاوزوا 200 ألف مصاب حول العالم، يبقى فيروس كورونا المستجد أقل فتكاً وقتلاً من فيروسات عائلة كورونا السابقة. حيث أن فيروس سارس النوع الأول من فيروسات كورونا الذي ظهر منذ 2002 في الصين لم يصب الا نحو 8000 شخص في 29 بلدا أغلبهم في الصين وعلى الرغم من محدودية انتشاره وانتقاله من انسان الى آخر، فان نحو أكثر من 10 في المئة من المصابين به لقوا حتفهم. أما فيروس (ميرس) الذي ظهر لاحقا في 2012 في الشرق الأوسط والتي كانت الجمال الحاضنة له والناقل للفيروس للإنسان ورغم انتشاره فقط في 25 دولة، الا أن نسبة ضحاياه بلغت حسب منظمة الصحة العالمية من 35 الى 40 في المئة من المصابين به.
وترجح دراسات مختلفة أن الذين تعرضوا حديثا لأعراض شبيهة بفيروسات كورونا كفيروس الأنفلونزا الموسمية أو من نجحوا في اجتياز اعراض سريرية لفيروسات أخرى شبيهة بأعراض فيروسات (سارس) او (ميرس) تتكون لديهم حصانة أكبر من غيرهم لمقاومة الفيروس ذاتياً على غرار ما أثبتته مجلة عملية[1] حول عينة من بعض الحيوانات.
الوباء قد لا يختفي قريباً
قد لا يختفي تماماً وباء كورونا قريباً ولكن قدرته على الانتشار والعدوى قد تقل مع تغير وتقلب العوامل المناخية وضعف قدرته على التكيف بشكل مثالي مع تقلب الطقس وتغير درجات الحرارة، حيث أثبت رصد المركز ضعف تطور فيروسات كورونا بين المنتصف الثاني لفصل الصيف والنصف الأول لفصل الخريف على عكس فصل الشتاء والربيع التي تعتبر الفترة الملائمة لزيادة نشاط الفيروسات.
وبذلك فمن المرجح ان موجة العدوى لن توقفها اكتشافات لقاحات لهذا الوباء، بل قد تخف موجة انتقال الوباء ولو بشكل مؤقت سواء جراء إجراءات الوقاية التي تتخذها الدول من خلال الحجر الصحي أو بدافع تغير تقلب العوامل المناخية التي قد تؤثر ليس على قدرة مقاومة الفيروس على البقاء قيد الحياة بل على قدرته على الانتشار.
اذ أن الفيروس المستجد طور ثلاثة خصائص فيه ادهشت العلماء وأبرزها قدرته على التكيف مع البيئة التي ينتقل اليها، ثانيا زيادة مقاومته للبقاء على قيد الحياة، وثالثا سرعة انتشاره وسهولة العدوى به. على الرغم من ان خاصية إيجابية لهذا الفيروس تتمثل في محدودية عدوانيته مقارنة بفيروسات أخرى أي انها نسبة الوفيات منه تعتبر الى حد هذا اليوم محدودة مقارنة بأوبئة عالمية أخرى.
أما الميزة المثيرة للاهتمام للفيروسات التاجية (كورونا) هي مقاومتها البيئية المحتملة، على الرغم من هشاشة هذه الفيروسات. في الواقع، وصفت العديد من الدراسات قدرة عائلة فيروسات كورونا على البقاء في ظروف بيئية مختلفة (مثل درجة الحرارة والرطوبة)، على أسطح مختلفة موجودة خاصة في المستشفيات مثل الألومنيوم أو الإسفنج المعقم أو القفازات الجراحية أو في السوائل البيولوجية.
وما ميز النسخة المستجدة من فيروس كورونا زيادة مقاومته للبقاء على قيد الحياة سواء في الأماكن الرطبة والباردة او في الحرارة الى ذلك تعزز قدرة الفيروس المضادة لمناعة الجسم بتسلح الفيروس بقدر من البروتين يسمى Nsp15، وهو ضروري في دورة حياة الفيروس. في البداية، كان يعتقد أن Nsp15 يشارك بشكل مباشر في استنساخ الفيروس، ولكن في الآونة الأخيرة، اقترحت الدراسات العلمية أن البروتين الظاهر في فيروس كورونا المستجد يساعد الفيروس على التكاثر وزيادة قدرته المضادة لجهاز المناعة[2]. كما زادت البروتينات التي يحملها الفيروس قدرة على المرونة للتكيف مع التغيرات المناخية وتم فحص حساسية النسخة الثانية لفيروس SARS-CoV او كورونا المستجد لدرجة الحرارة. وأثبتت الدراسات أن الفيروس يتمتع بحماية لطالما كان مرتبطًا بالبروتينات[3].
لا علاج أو لقاح متاح لمكافحة عدوى كورونا
لا يوجد علاج أو لقاح متاح لمكافحة عدوى كورونا. ففي حالة فيروسات كورونا السابقة التي لم ترتقي لأوبئة على غرار المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (SARS-CoV)، تم استخدام مناهج علاج مختلفة، ولكن لم يكن أي منها ناجحًا وناجعا حقًا. اذ كان العلاج في الأساس تجريبيًا لأعراض الفيروس ويعتمد على شدة المرض[4].
ومع الأخذ في الاعتبار النقص المستمر في العلاجات المضادة لفيروسات كورونا حيث أنه في الواقع، لا يوجد علاج محدد متاح لمكافحة عدوى الفيروسات التاجية، فإن خصوصيات فيروسات كورونا (أي قدرتها على الإمراض ومقاومتها البيئية المحتملة) تجعلها نموذجًا صعبًا لتطوير كفاءة وسائل الوقاية لمنع الانتشار البيئي لهذه العوامل المعدية[5].
وتعرف عائلة فيروسات كورونا، والتي تتميز بخصوصية الفيروسات التاجية البشرية (HCoV)، تاريخياً بأنها مسؤولة عن جزء كبير من نزلات البرد الشائعة وغيرها من التهابات الجهاز التنفسي. ومن المعروف أن فيروسات كرونا متورطة في أمراض تنفسية أكثر خطورة، مثل التهاب الشعب الهوائية أو التهاب القصيبات أو الالتهاب الرئوي، خاصة عند الأطفال الصغار حديثي الولادة وكبار السن ومرضى نقص المناعة. وقد سجلت أول عدوى فيروسية في المستشفيات. في الفترة 2002-2003، تفشى فيروس المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (سارس) أو (سارس -CoV) وأدى إلى وعي جديد بالأهمية الطبية والبحثية بمسببات وأعراض فيروسات عائلة كورونا. هذا الفيروس الذي كان مسؤولاً عن مرض ناشئ حينها بين البشر مع ارتفاع خطر تسببه في الوفاة كان بحاجة ملحة لأساليب جديدة في مقاومته ومعرفة طرق العدوى به وبشكل رئيسي طرق الوقاية منه مستقبلاً.
اهمال دولي وبحثي لدراسة مستقبل تطور كورونا منذ 2003
يعود تأخر استجابة العالم لإيجاد لقاح فعال لفيروس كورونا المنتشر لإهمال دولي او محدودية الاستثمار الطبي منذ 2003 في إيجاد لقاحات فعالة لعائلة فيروسات كورونا التاجية القاتلة. فبعد فشل أغلب التجارب خلال نحو 17 عاما الأخيرة لإيجاد لقاح لأول أنواع فيروسات كورونا التي ظهرت منذ 2002 (سارس) في الصين، يحير فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) العلماء والباحثين ويجعل مهمتهم أصعب من أي وقت مضى في سرعة التوصل الى مصل أو لقاح شافي 100 في المائة في الوقت القريب من هذا الوباء. حيث قد تستغرق التجارب السريرية لأكثر من لقاح أشهر قد تمتد الى الشتاء المقبل.
وقد فشلت أغلب التجارب المخبرية لعلاج أسباب واعراض فيروسات عائلة كورونا منذ ظهور ثلاثة أنواع غامضة المنشأ والتطور منها منذ 2020 من خلال فيروس سارس، و2012 (فيروس ميرس)، و2019 فيروس كوفيد 19 أو كورونا المستجد في الصين وفي الذي انتشر عبر العالم كوباء.
هل يكون الوباء موسميا والمسؤول الرئيسي عن ظهوره؟
وعلى مدى العقدين الماضيين، ظهرت ثلاثة نسخ من فيروسات حيوانية تسبب أمراض بشرية قاتلة: فيروس السارس التاجي (SARS-CoV المسمى الآن SARS-CoV-1) الذي تم اكتشافه في نوفمبر 2002[6]، متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (MERS-CoV) (ميرس) في يونيو 2012[7]؛ وSARS-CoV-2، وتم تسميته مبدئيًا 2019-nCoV أو (كوفيد 19) الذي ظهر في الصين حديثا وانتشر كوباء منذ ديسمبر 2019 بعد تسلسل عينات سريرية من مجموعة من المرضى الذين يعانون من الالتهاب الرئوي في مدينة ووهان الصينية[8].
ومن الملاحظ أن هذه الفيروسات قد تم تحديدها في جميع أنحاء العالم [9]وهي تسبب عدوى الفيروس التاجي البشري بشكل رئيسي في فصل الشتاء، مع فترة حضانة قصيرة[10]. وتنتشر بين المرضى الذين يعانون من عدوى الجهاز التنفسي، اعتمادًا على السلالة الوراثية للمصابين[11]. وتحتل الفيروسات التاجية المرتبة الرابعة أو الخامسة، خلف فيروسات الأنفلونزا الموسمية.
لا يمكن تمييز العلامات السريرية بشكل واضح ومبدئي لعدوى فيروس(سارس) عن تلك الموجودة في المرضى الذين يعانون من فيروس الإنفلونزا الموسمية والذي تصل ضحاياه سنوياً على سبيل المثال في الولايات المتحدة الأمريكية فقط الى نحو 61 ألف إصابة قاتلة وفقًا لمراكز مكافحة الأمراض والوقاية[12]. وكما هو الحال مع عدوى الإنفلونزا الموسمية أو الفصلية (الشتاء) والفيروسات الأخرى التي تصيب الجهاز التنفسي (RSV)، تؤدي غالبية حالات عدوى عائلة فيروسات كورونا (CoV) عادة إلى متلازمة شبيهة بأعراض الإنفلونزا. وبالتالي، يتم تصنيف أمراض الجهاز التنفسي الفيروسية، والتي تتبع جميعها نمطًا موسميًا مع ارتفاع معدل حدوثها في فصل الشتاء، على أنها “إنفلونزا”، بغض النظر عن مسبباتها المعدية. ويمثل عدد المصابين بفيروسات CoV ما يصل إلى 20 في المئة من مرضى التهابات الجهاز التنفسي العلوي لدى البالغين[13]. ومع ذلك، يمكن أن تتقارب حالات الإصابة بفيروسات كورونا غير الشبيهة بالسارس أحيانًا مع أمراض الجهاز التنفسي الحادة الوخيمة (SARI) خاصة لدى كبار السن ومرضى السكر وأولئك الذين يعانون من نقص المناعة لأي سبب. وفي حين كانت فيروسات كورونا الأكثر فتكا محدودة الانتشار كـ(SARSسارس 2002) و(MERSميرس 2012) وليس لديها القدرة على الانتشار الواسع لتصل الى أوبئة، فاجأت النسخة الجديدة المتطورة لفيروس (كورونا المستجد) العلماء بتطوير قدرته على الانتشار السريع والعدوى ليرتقي بعد 18 عاماً من ظهوره بنسخه المختلفة وخلال مراحل التطور الى مصاف الأوبئة الرئيسية إقليمياً وعالمياً. وقد تتحمل الدول ومنظمة الصحة العالمية والعلماء جزءا من مسؤولية تحول النسخة المستجدة لكورونا الى وباء، حيث ترك الفيروس دون دراسات معمقة وكافية لمسبباته وعلاجه ومستقبل تطوره حسب اختلاف الحاضنة الحيوانية له والبيئة التي ينشأ فيها.