غرباء في الوطن … بقلم: غنيمة حبيب
ما أصعب أن يجد الإنسان نفسه غريبا في وطنه في حين أنه يشعر بالدفء في وطن الغرباء! هل كان من الإنصاف أن يرفع العلم الأولمبي بدل علم الكويت؟ هل كان من الإنصاف أن يحرم ناديان كويتيان بعد أن وصلا الى نهائي بطولة إقليمية كبيرة من المتابعة؟
من البديهي ان عند المشاركات الخارجية تنتفي الصفة الشخصية أو الجهوية، ولا يعد الإنسان أو النادي أو أي مشارك في مناسبات وتجمعات إقليمية أو عالمية شخصا أو ذاتا أو ممثلا لفئة ما، بل يصبح رمزا للوطن نفخر به ونتطلع جميعا لإنجازه، وندعو الله أن يوفقه لنا لأنه نحن جميعا, وليس ذاته الفردية أو ذاته الفئوية، وكائنا من كان فهو لا يحسب على جهة بعينها، لأن كل الجهات والفئات والشرائح تذوب في ثوب واحد، ثوب الوطن.
نحن بخلافاتنا عكسنا تلك القاعدة الوطنية التي تسعى الشعوب والأمم من كل الأجناس ومن شتى بقاع الأرض إلى تطبيقها، فهي تصنع من أبطالها رموزا في المحافل الدولية، ونحن بخلافاتنا جعلنا كلا من بطلينا الديحاني والطرقي شخصين يمثلان اللجنة الأولمبية، وكان من المفترض أن يمثلا ذاتنا الجماعية، كان من المفترض أن يكونا رمزا وراية وطن، ونحن حرمنا ناديي القادسية والكويت نيل كأس آسيا.
كم تطلعنا – نحن أبناء الكويت- كغيرنا من شعوب الدول الأخرى لرفع راية الوطن وعزف نشيدنا الوطني في المحافل الدولية، نعم حصل ذلك في السابق، لكننا نتطلع الى المزيد من رفعة الكويت وعلو شأنها، وحين أتيحت لنا الفرصة كنا منشغلين بخلافاتنا، فهل كسر الديحاني حاجز الصمت؟ وهل صرخ الطرقي غريبا في ريو دي جانيرو؟ هل أيقظ كل منهما الروح بمن يجعلون أهواءهم فوق المصالح الوطنية؟
كم كان جميلا أن نطالع عناوين الصحف يوم الأربعاء السابع عشر من الشهر الجاري لنجد أميرنا المفدى يكافئ كلا من بطلي الكويت الديحاني والطرقي ويجزل العطاء ويعوضهم عن دموهما التي ذرفت في غربة البرازيل، إنه كعادته يقدم لنا الدروس لنستلهم منها العبر، يريد لنا أن نتعلم تجاوز الخلافات لأجل الكويت، فما بال البعض منا لا يستشعر المغزى، ولا يدرك المراد؟
وربما لا يقل جمالا ما ورد في الصحف يوم الثلاثاء السادس عشر من الشهر الجاري حين وجدنا مجلس الوزراء ينصف مجموعة من أبناء الأرامل والمطلقات، لكنني على جمال الأمر وفرحتي لم أستطع كبح جماح السؤال: ألم يقدم الشهداء من فئة “البدون” خدمات جليلة للكويت ولأهل الكويت؟
إننا نتطلع دائما أن يبادر مجلس الوزراء الموقر بإنصاف هؤلاء الذين عاشوا على أرض الكويت وقضى بعضهم في خدمتها، ويحدونا الأمل أن يبادر المجلس الكريم بمنح أبناء الشهداء من فئة “البدون” حقهم بأن ينالوا صفة المواطن بعد ضحى آباؤهم بأرواحهم في سبيل الكويت، كيف يعيش الإنسان غريبا على الأرض التي استشهد والده من أجلها؟
لنتذكر لعلها تنفعنا الذكرى، في أمسنا القريب عشنا جميعا – نحن الكويتيين- مأساة تفجيرات مسجد الإمام الصادق (ع)، ورغم تلك المأساة الموجعة شعرنا بالمواساة عندما وجدنا التفافة الكويتيين وتضامنهم وتضافرهم، وسمعنا ما أردنا سماعه من الشعارات الوطنية، وردت خناجر المغرضين إلى نحورهم، كان الأمر يعبر عن لحمة الكويتيين، شعرنا بأننا الأسرة الدافئة التي لا يمكن أن يمسها الضرر، كيف لا وقد بادرنا إلى ذلك صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح, حفظه الله ورعاه، حين قال عن الشهداء « هذولا عيالي»، وكأن الكويتيين في ذلك اليوم يعيدون لنا صورة من أيام الغزو الصدامي تفيض الحب والولاء والتضامن.
في ذلك اليوم الذي لا يمكن لأي كويتي مخلص أن ينساه، كلنا في ذلك اليوم أصبحنا الكويت، وكلنا أرض الكويت، وكلنا شهداء الكويت الذين ذهبوا ضحية ذلك التفجير الآثم، أتساءل إذا كان الشهداء أبناء الكويت ماذا يكون أبناء الشهداء؟ قالها أمير البلاد المفدى, حفظه الله، فلم لا يسمع البعض؟ ولم لا تكون كلماته توجها وسبيلا نتبعه ونسير على خطاه؟ هل نعود بعد تلك الصورة الزاهية التي ارتسمت على محيا الكويت لنضع نقطة ونعود من أول السطر؟.
* كاتبة كويتية
نشرت بالسياسة